× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الشّباب السّوري.. لا آخرَ لهذا النفق؟

عقل بارد - على الطاولة 17-03-2024

نحاول يومياً بكل ما نملك النجاة من الصراع الذي فُرض علينا مع الحياة، أمام مستقبل مجهول ووسط قيود اقتصادية وسياسية وتعليمية وعائلية... كل ذلك يجعلنا غير قادرين على التفاعل مع الواقع من حولنا أو ترويضه لمصلحتنا، ولا حتى تجاوزه، فكيف يحقق الشباب السوري ذاته مع انسداد الأفق وهيمنة العبثية؟

الصورة: (Evgeni Zotov- فليكر)

يبدو أن أكثر كلمة توجز حال الشباب السوري هي «القمع»، وتحديداً لكل اندفاع لديهم. عادة ما يمتلك العنصر الشاب في المجتمع (ومن الجنسين) شغفاً وأحلاماً كبيرة، ويندفع لمعرفة الحياة وخوض التجارب، لكن في سوريا يختلف الأمر، فالمعظم، عدا استثناءات قليلة يشتكي الفراغ والعجز عن إدارة دفة الحياة.

تتكرّر الشكاوى من أن الظروف تتحكم في كل شيء، وتختلف ردود فعل الشباب بين من يواجه الظروف ويحاول التغلب عليها، وبين من يخضع لها ويصير عرضة للإحباط والاكتئاب.

يقول أنس (اسم مستعار) وهو في السادسة والعشرين: «بدأت الدراسة في كلية الإعلام بحماسة كبيرة، لكن في السنة الثالثة بدأت تتبدد الأحلام بسبب الضغوط المادية والمعنوية، ثم اقتنعت بعدم جدوى الدراسة الأكاديمية»، مستدركاً: «أحب العيش في هذه البلاد لكن كل شيء يدعوني للهرب، وفي الوقت نفسه لدي رغبة في أن أحارب كل ذلك لأثبت وجودي هنا».

يضيف أنس: «لا يمكنني الخضوع لحالة الإذلال التي نعيشها، ولذلك سأسعى لمواجهة ذلك بكل الطرق لكن في اللحظة التي أخسر فيها سأرحل بكل تأكيد».

أنس من ضمن الحالات الاستثنائية، فكثرٌ ممن عاشوا الحرب والجائحة ثم الزلزال والتبعات النفسية والانهيار الاقتصادي المستمر يعانون من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، ويشتكي معظمهم من أن حياتهم تحولت إلى «أفعال ميكانيكية للبقاء» على قيد الحياة، وفقدانهم الشغف تجاه أي شيء.

تقول لجين وهي في الرابعة والعشرين: «أعمل في مكتب للسياحة، وهو عمل كنت أحبه، يبدأ دوامي منذ العاشرة صباحاً وينتهي في الثامنة مساء، لكنه تحول إلى عذاب نفسي فهو لا يحقق لي دخلاً يكفيني». تضيف: «أشعر بالإحباط الذي أثّر في علاقاتي وخاصة بعائلتي، بل فقدت أي رغبة في التواصل».

يرى متخصصون أن شروط التوازن معدومة في سوريا، بفعل مزيج من أسباب شخصية تلخصها التربية الأسرية، وظروف خارجية اجتماعية واقتصادية تقف حائلاً أمام نمو الفرد ومعرفة هدفه في الحياة.

علاقات هشّة

أول أشكال الخلل النفسي الذي لحق بنسبة كبيرة من الشباب السوري حالة الاغتراب التي تتعدد صورها. فقد يكون اغتراباً نفسياً كأن يفقد الإنسان صلته مع ذاته ولا يستطيع تحقيق الهوية الذاتية، أو اجتماعياً تنتفي فيه قدرته على التواصل مع الآخرين وتضعف روابطه بهم، أو اقتصادياً يشعر فيه الإنسان بانفصاله عن مهنته فيصبح عمله محكوماً بالرتابة والملل.

زادت العزلة بفعل الأزمات المتتالية التي سببت حالة من الاغتراب والحنين إلى الماضي، الحرب وكورونا والزلزال عوامل خطورة مهددة للتواصل، ولكن الانهيار الاقتصادي هو المؤثر الأكبر

وفق بعض التعريفات للاغتراب يبدو كأنّ «الجسد المادي يعيش هنا لكن العقل والعواطف ترفض هذا المكان وتحوم في مكان آخر، فهو رفض للحاضر ولعيشه، ولكنه أيضاً طريقة لحماية الذات من مواجهة ما لا تريده».

يبدو ذلك جلياً في العلاقات الاجتماعية بين الشباب، بل يمكننا القول إن هذه العلاقات صارت أكثر آنية وتحكمها المصلحة الشخصية، خاصة مع تحول القيمة الفردية إلى ما يمكنك امتلاكه واستهلاكه. وهو الأمر الذي لعبت فيه وسائل التواصل دوراً كبيراً، فانتفت محاولات تطوير الذات وتنميتها ليكون الهدف تحصيل أكبر قدر من الممتلكات والأشياء.

يتحدث جابر (اسم مستعار) وهو في الثلاثين: «لم يعد ممكناً إنشاء علاقات مستدامة مع أحد، إذ تنتهي علاقاتي بالأشخاص من حولي بسرعة كبيرة، وتصيبني خيبة أمل جديدة، هناك حالة من النفور تجاه الآخرين لم تكن لدي من قبل ولا أعرف سببها».

كيف يعيش الشباب اليوم؟

يشتكي كثرٌ أيضاً من أن القدرة على التواصل مع الآخرين صارت أكثر صعوبة، فقد تحولت العلاقات الاجتماعية إلى سطحية ضمن إطارات محددة، ومنبع ذلك الخوف من الكشف عن الذات ومخاوفها، أو اكتشاف الآخر ومخاوفه بما يسبّب ضغطاً وإحباطاً إضافياً.

تعليقاً على ما سبق، يقول الاختصاصي النفسي أنس الحلبي: «العزلة زادت بفعل الأزمات المتتالية التي سببت حالة من الاغتراب والحنين إلى الماضي، فقد كانت الحرب وكورونا والزلزال عوامل خطورة مهددة للتواصل، ولكن الانهيار الاقتصادي هو المؤثر الأكبر، فقد سبب تباعداً اجتماعياً يسعى معه الأفراد للاكتفاء بحاجاتهم الأساسية فيما لا يمكنهم تحمل أعباء إضافية تفرضها العلاقات الاجتماعية».

عن الحالات النفسية الأكثر هيمنة على الشباب، يشرح الحلبي: «حسب الحالات العيادية وضمن المجموعات التي أتابعها يعاني الشباب من إحباط واكتئاب وقلق واضطراب ما بعد الصدمة، وتبدو هذه مرحلة صراع مع الأزمات الشخصية والضغوط القاسية التي أدت إلى تفجر الاضطرابات النفسية».

لتفادي هذه القطيعة مع الواقع يبتكر الشباب أساليب منها ما هو فعال وذو نتائج جيدة مثل البحث عن العمل عبر الإنترنت، الذي شهد زيادة كبيرة، وتحويل الوقت المستقطع في متابعة وسائل التواصل إلى مصدر دخل بكثير من الأساليب. فهناك نسبة كبيرة من الشباب استعاضت عن العلاقات الاجتماعية الحقيقية بالإلكترونية، وهذه قد تكون إحدى وسائل التكيف وطريقة جديدة للتواصل.

صحيح أنه لا تمكن مساواتها بالعلاقات الاجتماعية الحقيقية لكنها تمثل نوعاً من القدرة على التكيف وإيجاد البدائل المؤقتة. غير أن سلبياتها تطغى على الإيجابيات، فالحرمان من الترفيه الحقيقي، ومن عيش حالة من الإنجاز والتوازن النفسي يؤدي إلى البحث عن الترفيه في الإنترنت، وهذا تحول بدوره إلى حالة من الإدمان، وزاد شعور الفرد بارتباط قيمته بأشياء محددة ضمن عالم الاستهلاك والممتلكات الذي تحوّل بدروه مصدراً للضغط النفسي وفقدان القيمة الذاتية.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها