× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«أنا ابن ميتم».. حكاياتٌ لعالقين بين نظرة المجتمع وتحريم التبني

حكاياتنا - خبز 28-03-2024

يواجه أبناء المياتم مشكلات كثيرة أولها رفض تزويجهم وليس آخرها صعوبة إيجاد عمل، بناء على جملة من الأسباب المرتبطة بالصور النمطية، والعادات والتقاليد والأعراف التي تحكم المجتمع، يتناول هذا التقرير بعض وجوه معاناة هذه الشريحة في إدلب

الصورة: (نشاط ترفيهي لأيتام الزلزال في مركز الكرامة بإدلب/News Agency-فليكر)

يحمل عمر (35 عاماً) بطاقة شخصية خاصة حصل عليها من مناطق سيطرة دمشق ودُوّنَ فيها اسمه: عمر، وأبوه: آدم، وأمه: حواء. هي الوثيقة الوحيدة التي حملها معه قبيل نزوحه من مدينة حلب إلى الشمال السوري قبل تسعة أعوام.

يقول عمر: «نشأت في مركز أيتام في مدينة حلب، ولا أعرف أمي ولا أبي ولا حتى اسم بلدتي التي أنتمي إليها، ولا أملك أي شيء يثبت انتمائي سوى تلك البطاقة التي حصلت عليها بعدما بلغت سن الرشد، وكل ما أعرفه أنني ابن ميتم وترعرعت فيه».

حاز عمر شهادة من كلية الهندسة المعمارية، ويعمل بموجبها مدرساً لمادة الرياضيات في أحد المعاهد الخاصة، بالإضافة إلى عمله مدرباً في أحد نوادي كمال الأجسام في إدلب.

مشكلات عديدة ترافق عمر منذ خروجه من الميتم، كانت بداياتها في مدينة حلب عندما كان ينفر منه معظم الطلاب في الصف، فضلاً عن معاملته معاملة دونية من المعلمين، وفق تعبيره.

يضيف: «توالت المشكلات في كل يوم أكبر فيه، ورافقتني بعد نزوحي عندما قررت الزواج، فرغم وضعي الميسور والشهادة التي أحملها، لم أتمكن حتى اليوم من الارتباط مع أنني أقدمت على خطبة أكثر من عشر فتيات، قبل نزوحي وبعده».

والسبب كما يشرح «سؤال أهالي البنات: من أنت وابن من ومن أين؟ جميعها أسئلة لا أحمل في جعبتي أجوبة عنها، بل إجابة مختصرة: أنا ابن ميتم».

خلال سنوات الحرب تضاعفت أعداد مجهولي النسب جراء النزوح والتهجير، والقتل، والاغتصاب، والزواج القسري، والزواج العرفي بالمقاتلين غير السوريين وغياب أو مقتل كثير منهم خلال المعارك. كما زادت حوادث التخلي عن الأطفال وتركهم عند أبواب المساجد والمستشفيات ودور الرعاية جراء الظروف الاقتصادية الصعبة.

رفض مزدوج

هاشم هو الآخر شاب كان قد تربّى في ميتم، يبلغ اليوم سبعة وعشرين عاماً، ويعمل في أحد المخابز في الشمال، كان قد نزح قبل أعوام من العاصمة دمشق مع عدد كبير من المهجرين.

رافقت عوائق عدة هاشم وبدايتها عندما قرر البحث عن فرصة عمل مع إحدى المنظمات أو أصحاب المهن، فكان يقابل بالرفض.

حين قرر هاشم الزواج ظل يتعرض للرفض بعبارات وجمل تحمل في طياتها الإساءة. يقول: «كان بإمكاني أن أخفي قصة الميتم عن العائلات التي كنت أخطب منها وأكتفي بالقول إنني من قرى دمشق وتركت كامل أوراقي هناك، لكن أخلاقي لا تسمح لي بذلك».

تضاعفت خلال سنوات الحرب أعداد مجهولي النسب جراء النزوح والتهجير والقتل والاغتصاب والزواج القسري والزواج العرفي بالمقاتلين غير السوريين

في الجهة المقابلة، تشرح ريم، وهي شابة عشرينية، أنها ترفض الارتباط بشخص مجهول النسب حتى لو كان حسن السيرة وميسور الحال لأنها ستُعيّر بذلك طوال حياتها.

تقول: «رأيي ليس انتقاصاً من هؤلاء، فلا ذنب لهم، لكننا نعيش في مجتمع تحكمه العادات والقيل والقال».

أمّا فاطمة فهي أم لشابين مقبلين على الزواج، وترفض أن يقترن أحدهما بـ«ابنة ميتم» حتى لو نشأت ضمن أسرة معروفة، «لأن موضوع النسب من أهم الأشياء التي يُبحث عنها قبل الزواج».

تقول: «على فرض كنتي أخطأت أو حدث خلاف بينها وبين ابني، لمين بدي أشكيها؟ أو مع مين بدي حل الخلاف؟ مع الميتم؟».

تمايز الإناث عن الذكور

تختلف تفاصيل المعاناة التي يعيشها الذكور من أبناء المياتم عن التي تعيشها الإناث، فالأخيرات غالباً ما يعشن مع عائلات، ولا سيما التي لا تنجب أطفالاً، أو يأخذهن أحد أقربائهن في حال وقوع أي طارئ لأهاليهن، ويجري الأمر وفق شروط قانونية لدى القضاء. 

يقول باسل السيد، وهو قاضٍ سابق: «يجري تسليم بعض الأطفال لبعض العائلات ولا سيما التي ليس فيها أطفال، وفق معاملة رسمية خارج إطار التبني، وتكون مشروطة بتسليم الطفل وإعادته من العائلة فور الوصول إلى معلومات عن والديه أو التعرف إلى أحدهما».

يضيف السيد: «كل طفل في الميتم يحمل إضبارة تتضمن معلومات كاملة عن مكان العثور عليه، وتاريخه، وكذلك مواصفات لباسه وبعض العلامات الدلالية وعمره، ويجري تعميمها على جميع الدوائر الشرطية في المحافظة أملاً في التعرف إليه من والديه أو أحد أقاربه». 

الشرع والقانون يحظران التبني

هذه المعاملات لا تجيز الدولة تضمينها في إطار التبني، ووفق الشيخ ناصر الدين الأيوب بقي موضوع التبني سواء في مناطق سيطرة دمشق، أو المناطق التي تسيطر عليها فصائل أخرى «من المحرمات شرعاً وفق نصوص قرآنية وأحاديث، وبإجماع علماء الدين، سواء أكان اليتيم ذكراً أم أنثى».
في المقابل، يشرح الأيوب أن كفالة الأيتام «من أكثر الأمور المستحبة والمأجورة لما تحمله من رعاية وعناية وتربية للطفل سواء كان يتيماً أو لطيماً (يتيم الأبوين) من أجل تنشئته تنشئة صالحة».

يقول: «حرمة التبني جاءت من مخاطرها في إضاعة الأنساب، إضافة إلى ما قد تحدثه من تعقيدات مستقبلية في حال تعرف الأهل الأصليون إلى ولدهم، أو حال الوصول إليهم في حال كان ضائعاً عنهم».

بدوره، يشرح المحامي والحقوقي أنس الشوا أن القوانين المتعلقة بالأحوال المدنية والولادات تمنع التبني لأنه يخالف النظام العام للجمهورية العربية السورية، فـ«الإنسان يُنسب إلى والديه الحقيقيين، فإن جُهلا فلا ينسب إلى غيرهما، ولا يسمح بأن يعلن شخص ما رغبته في أن يكون هذا ابنه دون رباط حقيقي».

في ما يخص منح بعض الأسر أطفالاً من دور الرعاية يبقى الأمر موكلاً إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بالاتفاق مع القضاء ودوائر الشرطة وفق شروط متفق عليها سابقاً.

يقول الشوا: «أصدر النظام السوري العام الماضي مرسوماً تشريعياً يقضي بتنظيم شؤون الأطفال المجهولي النسب ورعايتهم وضمان تمتعهم بجميع الحقوق والحريات دون تمييز عن أقرانهم».

من ضمن التشريعات اعتبار مجهول النسب مُسلماً، وتعريف مكان العثور عليه بأنه مكان ولادته، واعتباره عربياً سورياً ما لم يثبت خلاف ذلك بحكم قضائي قطعي ما دام عُثر عليه ضمن الأراضي السورية.

دُورُ الشمال

لا تقتصر الحالات على الوافدين من مناطق سيطرة دمشق، فبحسب «مديرية الرعاية الاجتماعية» يوجد في الشمال اثنا عشر مركزاً، تتوزع على مدن إدلب وسرمدا والدانا وسلقين، وتتبع جميعها لوزارة التنمية والشؤون الإنسانية (حكومة الإنقاذ)، وإشراف من «الرعاية الاجتماعية»، وبدعم من منظمات العمل الإنساني.

يقول مدير مديرية الرعاية الاجتماعية، عمار نجار، إن عدد الأطفال في تلك المراكز 860 بين طفل يتيم ولطيم، «وهذه الحالات يجري تحويلها إلى دوائر السجل المدني لإتمام الإجراءات اللازمة لها كي تسجل أصولاً وفق القوانين والأنظمة الخاصة بها».

يضيف النجار: «لم تُنظم بطاقة شخصية (بطاقة هوية) لأي من الأطفال في تلك الدور حتى الآن، لأن أعمارهم دون سن البلوغ... سيكون هنالك باب خاص بتلك الحالات يختلف عن البطاقات العامة».