× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«الثّورة ضدّ الجولاني» تُعزّز انقسام الشارع في إدلب

حكاياتنا - خبز 02-04-2024

بينما يغلب الرأي المؤيد للمظاهرات ضد «هيئة تحرير الشام» على المهجرين الذين ينادون بفتح الجبهات والسعي للعودة إلى الديار مطلباً أساسياً، يعارض قسم آخر من الأهالي المظاهرات وخاصة المقربين من السلطات

الصورة: (مركز الأتارب الإعلامي - فايسبوك)

بحماسة واضحة، يشارك نادر في المظاهرات المناهضة لزعيم «هيئة تحرير الشام»، أبي محمد الجولاني، في ساحة الساعة بمدينة إدلب، شمالي سوريا، مطالبا بإسقاط «الجهادي» الذي يدير إدلب بقبضة من حديد، وسط غموض حول مستقبل المظاهرات والمتظاهرين الذين لا يمتلكون أي تصور عما تخبئه لهم الأيام. 

يقول نادر (27 عاماً) إن اندلاع الاحتجاجات طبيعي بسبب «تغول جهاز الأمن العام على الحياة العامة في إدلب»، معتبراً أن مطالب المتظاهرين «مشروعة لأنها تهدف إلى تحقيق العدالة والتخلص من الاستبداد وحكم الرجل الواحد». 

يمثل حديث نادر واحدة من وجهات النظر المتباينة بالنسبة إلى المظاهرات التي بدأت منذ أسابيع وتركزت في عدد من مدن وبلدات المحافظة مثل مدينة إدلب وبنش وكلي والأتارب وغيرها من البلدات شمالي غرب سوريا.
 
خلف الكواليس

لم يكن السكان والناشطون في إدلب يعترضون على سياسات السلطة أو جهازها الأمني إلا ويقادون إلى السجون أو توجه إليهم إنذارات من «الأمن العام» أو المسؤولين في حكومة الإنقاذ من مغبة ممارسة أي نشاط احتجاجي أو منتقد، لكن يبدو أن الأمور خرجت عن السيطرة بعد «ملف العملاء».

قبل أشهر عدة، نفذ «الأمن العام» التابع للهيئة حملة اعتقالات لعشرات بتهمة التعامل مع «التحالف الدولي»، واستمرت الاعتقالات وتضخمت حتى وصل العدد إلى قرابة 700، ثم توجت باعتقال القيادي العراقي في الهيئة، ميسر الجبوري (أبو ماريا القحطاني)، ومحاولة احتجاز القيادي السوري فيها أبي أحمد زكور الذي فر إلى المناطق التي تشرف عليها تركيا بريف حلب الشمالي.

الاعتقالات وسوء معاملة المحتجزين وتعرضهم للتعذيب كلها عوامل عززت انقسام الهيئة إلى مجموعة من الكتل: كتلة إدلب والجناح الأمني، وكتل الشرقية وحماة وحلب والجناح العسكري، وهو ما أضعف من مركزية الهيئة وأفقد الجولاني أهم مصادر قوته كونه رجل التوازنات داخل الهيئة.

وسط الاحتجاجات التي رفعت شعارات تطالب بسقوط الجولاني وحل «الأمن العام»، يحاول زعيم الهيئة أو «قائد المحرر» كما يروج له الإعلام المؤيد له تهدئة الأصوات المعارضة، سواء بإرضاء القيادات والكوادر العسكرية التي اعتقلت ثم أفرج عنها بعد تبرئتها، أو بتقديم وعود بالإصلاح تخص الجهاز الأمني والاستماع لمطالب المحتجين.

«مسألة سقوط إدلب بسقوط الجولاني هي الشماعة التي تستند إليها بروباغندا السلطة، وهي تعني شيطنة غير معلنة للمتظاهرين وهنا تكمن الخطورة»

في أحدث هذه الترتيبات، عيّن الجولاني أربعة من القادة الذين تعرضوا للاعتقال على رأس الألوية العسكرية الرئيسية في الهيئة، وهم: أبو مسلم آفس مسؤولاً عن «لواء علي بن أبي طالب»، وأبو أسامة منير مسؤولاً عن «لواء أبو بكر الصديق»، وأبو خالد الحمصي مسؤولاً عن «لواء طلحة بن عبيد الله»، وأبو ذر محمبل مسؤولاً عن «لواء عثمان بن عفان». 

أيضاً شكّل الإفراج عن أبو ماريا القحطاني حدثاً بارزاً، مع انتشار شائعات تخص تعرضه للتعذيب أو وفاته داخل السجن. ويرجح مقربون من الهيئة أن إخراج القحطاني جاء بضغوط كبيرة من كتلتي «الشرقية» التي يحظى القحطاني بمكانة خاصة ورمزية لديها، و«حماة» التي ينتمي إليها معظم القيادات العسكرية للهيئة، وسبق أن تعرض بعض قياداتها للاعتقال ضمن «ملف العملاء»، كما أنها تعاني من التهميش بسبب الاستقرار العسكري الذي تعيشه المنطقة، واستحواذ الجناح الأمني على القرار.

انقسام وجبهة مقابلة

مقابل الحشود التي ينظمها المناهضون للهيئة، تحشد السلطة أنصارها من العسكر والأمنيين والموظفين الحكوميين والمشايخ والأفراد العاديين، إذ يحتمي الجولاني بمؤيديه ويجهزهم تحسباً لأي تصعيد، وفق حديث عبد الرحمن، وهو أحد المشاركين في المظاهرات. 

يرى عبد الرحمن (28 عاماً) أن «مسألة سقوط إدلب بسقوط الجولاني هي الشماعة التي تستند إليها بروباغندا السلطة، والبيروقراطية الخاصة بها من المقربين والمستفيدين والكوادر البشرية المتعددة، وهي تعني شيطنة غير معلنة للمتظاهرين وهنا تكمن الخطورة».

بالموازاة مع وجهتي نظر الهيئة ومعارضيها هناك طرف ثالث آثر الوقوف على الحياد ويشكل الغالبية، ويرى نفسه «لا في العير ولا في النفير» على حد تعبير أبي عبد الحميد، وهو أحد سكان إدلب. يقول: «تعزيز انقسام الشارع سيشكل خطراً على المنطقة... المنطقة مستقرة والأمن مستتب، فماذا يستفيد الناس من الصراع بين الأطراف المختلفة التي تريد السلطة والنفوذ؟».

أزمة مستعصية

تعاني «تحرير الشام» من أزمة داخلية سببها فشل الجولاني في التعامل مع «ملف العملاء»، وهذا يفسر الإفراجات المتتالية للمتهمين بالعمالة بسبب الضغوط الكبيرة التي تمارسها الكتل المساندة والداعمة لهم. 

يشرح ناشطون يشاركون في المظاهرات المناهضة له أن الفرصة متاحة للتغيير لأن الهيئة تضعف، وهذا سيقود إلى نوع من التراخي للقبضة الأمنية، ما يعني استمرار الاحتجاجات دون لجوء الجولاني إلى العنف ضد المتظاهرين. 

يقول أحمد (30 عاماً) إن لدى جزء من المتظاهرين مطالب سياسية مثل فصل السلطات، ومجلس شورى منتخب، فيما ينادي القسم الآخر بالعودة إلى منازلهم في حمص ودرعا ودمشق، مضيفا: «لكن الجميع متفقون في النهاية على مطلب مشترك هو سقوط الجولاني». 

تتخوّف آراء كثيرة من أن الجولاني لن يترك السلطة مهما حدث، حتى لو وصل انقسام الشارع إلى ما يشبه الحرب الأهلية

وحفزت المظاهرات المئات من مقاتلين مهمشين، وناشطين مضطهدين، ومثقفين باحثين عن الديموقراطية، بل تكتلات بأكملها داخل الهيئة ممن تعرضوا أو تعرض أقاربهم للاعتقال والتعذيب بتهمة العمالة في سجون الهيئة.

هذا الخليط غير المتجانس يمكن أن يعزز استمرار المظاهرات حتى مع الوعود التي أطلقها الجولاني بالإصلاح والتغيير والمحاسبة، كون معظم المتظاهرين يتفقون على مطلب رئيس هو رحيله وانتخاب قيادة جديدة للمنطقة. 

خيارات محدودة

يبدو أن خيارات الهيئة أمام استمرار الحراك ضدها في إدلب ستكون محدودة، وجميعها تصب في سياق التهدئة ومنع تمدد المظاهرات وزيادة حجم المتظاهرين.

على الأرجح، ستراوح الخيارات بين تشكيل اللجان التي تجري جولات واجتماعات بهدف الحفاظ على «شعرة معاوية»، وبين الوساطات من طرف ثالث كالمشايخ والقياديين الحياديين، التي تهدف إلى ردم الفجوة بين الجناح الأمني والعسكري، ومختلف الكتل المتصارعة ضمن الهيئة، وصولاً إلى تقديم بعض التنازلات للجناح العسكري المساهم في تحريك قسم من المظاهرات، ويعاني التهميش على مدار سنوات. 

تتضمن هذه التنازلات إعادة تشكيل مجلس الشورى ليضمن الجناح العسكري والكتل المهمشة مقاعد فيه، مع إحداث تغييرات في «الأمن العام»، وبالفعل جرى إلحاق الجهاز بوزارة الداخلية التابعة لـ«الإنقاذ»، وذلك وفق القرار رقم 54 للعام 2024، الذي ينص على إحداث إدارة الأمن العام تحت إشراف "الداخلية".

يمكن اختصار مشهد القوى في إدلب بهذه الاصطفافات: كتلتي إدلب ومهجري المحافظات الداخلية ودمشق، ويتكون منهما معظم الإداريين والأمنيين، وكتل الشرقية وحلب وحماة التي يتكون منها الجناح العسكري، وبعض القيادات العسكرية والشرعيين المهمشين، والمجموعات المقاتلة من الفصائل العسكرية التي جرت تصفيتها على مدار السنوات الماضية، وهناك الشبان المحتجون والمطالبون بالحريات وبعض الأجواء الديموقراطية.

في الواجهة، يقف أبو محمد الجولاني «الجهادي العالمي»، ثم المحلي، ثم رجل التوازنات في الهيئة وحاكم إدلب الفعلي، ينتظر مصيراً مجهولاً. لكن معظم من تحدثنا إليهم متأكدون من أنه لن يترك السلطة مهما حدث، حتى لو وصل انقسام الشارع إلى ما يشبه الحرب الأهلية.