× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

نهب الآثار مستمرّ برعاية «تحرير الشام».. هكذا يُنظم التنقيب

حكاياتنا - خبز 22-04-2024

تتسع دوائر مهنة البحث والتنقيب عن الآثار في محافظة إدلب والشمال السوري، وتضيع اللقى الأثرية بين تجار محليين وإقليميين وعالميين، في مشهد ترعاه «هيئة تحرير الشام» على ما يبدو.

الصورة: (معرض لقطع أثرية مُستردة في المتحف الوطني بدمشق قبل عامين/ وكالة أنباء شينخوا)

انقلبت حياة عُدي رأساً على عقب بعد انتقاله من العمل في مجال البناء إلى البحث والتنقيب عن القطع الأثرية في المعالم التي لا تكاد بلدة أو قرية من قرى الشمال السوري تخلو منها.

يقول: «تحسّن وضعي المادي بشكل كبير بعد انتقالي إلى العمل في المجال وبعدما كنت أعاني من وضع مادي سيئ للغاية، تمكنت حديثاً من شراء منزل وسيارة وسددت الديون المتراكمة علي».

عُدي واحد من مئات الشبان الذين انتقلوا إلى العمل في البحث والتنقيب عن القطع الأثرية، بعدما تركوا أعمالهم السابقة. يستخدمون أجهزة بحث مخصصة لرصد الآثار على أعماق متفاوتة، كما يعملون في بيعها إما إلى تجار في الداخل، وإما عبر تصديرها بطرق غير شرعية إلى الخارج حيث تباع إلى مهربين وتجار بهدف جني أموال طائلة.

يقول عدي: «هدفنا من البحث هو العثور على الحلي والنقود المعدنية والقطع النحاسية التي يكشفها الجهاز، وهي كنوز متوسطة القيمة». ووفقاً له، «توجد كنوز باهظة الثمن» ولكنها تحتاج إلى خبراء ومختصين يبحثون مطوّلاً في فك رموز وإشارات وطلاسم مثل التي توجد على الذهب والزجاج والتماثيل ولوحات الفسيفساء والألواح الطينية والفخارية والرقميات التي تعود إلى حضارات سابقة، «وهي نادرة وصعبة المنال».

بدأت ظاهرة البحث العشوائي عن القطع الأثرية في محافظة إدلب منذ العام 2011، بعدما استغل البعض عموم الفوضى وغياب الرقابة عن المواقع الأثرية في المحافظة. غير أن دوائر الظاهرة بدأت تتسع بشكل أكبر وتأخذ شكلاً ممنهجاً عقب سيطرة «هيئة تحرير الشام» على المنطقة مع بداية العام 2017.

مذّاك، تعرضت مواقع أثرية وتاريخية مهمة إلى عمليات تنقيب غير شرعي، ما تسبب بتدمير العشرات منها بعد استخراج ما يتوقع المنقبون بيعه بمبالغ طائلة، وبتكسير ما تبقى مثل الفخار والرسومات وأساسيات الجدران.

مُنقِّبون بحصانة عسكرية!

لم تقتصر عمليات البحث والتنقيب على الأهالي فحسب. فعقب سيطرة «تحرير الشام» على المنطقة باتت مهنة البحث عن الآثار فرصة عمل للكثيرين من عناصرها ومن عناصر الفصائل الأخرى، لا سيما «المهاجرون» منهم، بعدما خفّت وتيرة المعارك والتفت معظم العناصر إلى مهن وأعمال مختلفة.

في بلدة باريشا حيث تتربع مجموعة من أهم المواقع الأثرية السورية وسبق إدراجها في لوائح منظمة اليونسكو للتراث العالمي، ثمة العديد من العناصر يمشطون الأراضي ذهاباً وإياباً بواسطة أجهزة تنقيب حديثة. يبحثون عن قطع أثرية ثمينة، فيما تشي هيأتهم العامة ولباسهم العسكري واللغة التي يتحدثون بها، إضافة إلى سحنة الوجه، بأنهم ينتمون إلى «الحزب الإسلامي التركستاني» و«كتيبة الإمام البخاري» الأوزبكية، وهما فرقتان مقاتلتان تنتميان إلى «تحرير الشام».

حاولنا التقدّم منهم لمعرفة ما يفعلونه، ولكن قبل بلوغهم بقرابة مئة متر صرخ أحدهم بكلمات غير مفهومة وأومأوا لنا بالانصراف وعدم الاقتراب أكثر.

كل عمليات البحث تلك تجري رغم وجود «مخافر شرطة» لا تبعد سوى مئات الأمتار من مناطق التنقيب، وهو ما يوحي بحصول أولئك المقاتلين على الضوء الأخضر من تلك المخافر.

تواصلنا مع مديرية الآثار والمتاحف (التابعة لحكومة الإنقاذ) من أجل الاستفسار عن جملة من الموضوعات التي تتعلق بالبحث عن الآثار واتخاذها مهنة للكثير من الأشخاص، وهل باستطاعة الجميع البحث عن الآثار أم أن الأمر محدود بشريحة معينة؟ وهل يحتاج الأمر إلى ترخيص من قبل المديرية أم أنه ممنوع بشكل كلي؟ وما هي مخالفة من يقبض عليه أثناء عمليات التنقيب والبحث عن الآثار وتداولها إما لبيعها والإتجار بها وإما لتصديرها إلى الخارج؟

غير أننا لم نتلقَ رداً، واكتفت المديرية بأن الخوض في الحديث والتطرق إلى الموضوع «معيب» بحق المنطقة الأثرية.

يعزز اكتفاء المديرية بهذا الرد شهادات بعض العاملين في التنقيب وفي تداول القطع الأثرية، كانوا قد قالوا فيها إنهم ينقبون ضمن تلك المواقع «بناء على اتفاق ضمني بينهم وبين قادة عسكريين وأمراء بالحصول على نسب من اللقى الأثرية، في مقابل إطلاق أيديهم».

تنقيب بنسب ضمنية

وفق من التقيناهم، فإن الاتفاق لا يجري بشكل مباشر مع سلطات الأمر الواقع، وإنما يكون مع أذرعها في المنطقة بمن فيهم أمراء في مراكز رفيعة في «الهيئة»، أو تجار الآثار الذين تربطهم علاقات قوية بالسلطة وتتمثل مهامهم بشراء الآثار من الأهالي وتصديرها إلى الخارج وبيعها.

يفيد عمر، وهو اسم مستعار لأحد الأشخاص الذين يعملون في البحث والبيع، بأن رحلته في المجال بدأت قبل ست سنوات إبان عمله ضمن أماكن أثرية موجودة في أملاك خاصة، وقد نجح في العثور على بعض اللقى الأثرية. وهذا ما دفعه للبحث خفيةً ضمن مواقع أثرية عامة، قبل أن يتم اكتشاف أمره بعدما «اشتكى ضده أحد الأهالي». وقد توقف عقب ذلك عن العمل في تلك المواقع.

يقول عمر: «بعد أشهر تعرفت إلى أحد تجار الآثار الذين تربطهم علاقة قوية بأحد أمراء الهيئة، فمنحني الضوء الأخضر في البحث في مقابل نسبة من قيمة اللقى، وقد قال لي: إنت اشتغل واترك الباقي عليّ، بس كل شي بيبقى اتفاق بيني وبينك».

يروي بعض العاملين في البحث والتنقيب أن المجال مفتوح أمام الآخرين، ولكن «بحسب علاقاتهم بالسلطات والأمراء النافذين لدى هيئة تحرير الشام». ويوضح هؤلاء أنه «توجد أماكن محظورة على الآخرين ولا يمكنهم الاقتراب منها مثل المدافن والكنائس الأثرية، إذ خصصت الهيئة شبكات منظّمة حصرية من تجار وسماسرة ووسطاء مرتبطين بمكتبها الأمني، ولهم علاقات متشعبة مع مناطق النظام وقسد وتركيا».

أين تُصرّف الآثار؟

يتحكم في عملية بيع القطع الأثرية وشرائها وتحديد أسعارها بضعة أشخاص يُعدّون من «الحلقة الضيقة» وتربطهم «علاقات رفيعة بالجهات المسيطرة في الشمال السوري». ويتفرع منهم عدد من التجار الصغار الذين يعملون في جمع الآثار من الأهالي وبيعها إلى التجار المسيطرين على السوق تمهيداً لبيعها في الخارج.

يجري تهريب اللقى الأثرية في الغالب إلى تركيا ولبنان، تمهيداً لنقلها إلى معارض أو أشخاص في شتى أصقاع العالم

وفق ع.م، وهو ترميز لأحد التجار الفرعيين يرفض الكشف عن اسمه الحقيقي، فإن «رحلة القطع الأثرية في الشمال السوري تكون عبر طريقتين، إحداهما محلية تتعلق بالمصاغ الذهبي على غرار قطع النقود والسبائك الذهبية، ويجري تصريفها عبر بيعها إلى شركات سباكة وتصنيع الذهب». فيتم شراؤها من قبل الصاغة تمهيداً لصهرها وإعادة تدويرها على شكل قطع ذهبية تباع في السوق من جديد.

كما توجد بعض الأصناف مثل النقود المعدنية الرخيصة أو المتوسطة الثمن، وتباع لهواة مختصين بجمع العملة أو لمعارض أثرية متواجدة في الداخل السوري.

أما بالنسبة إلى القطع الأثرية التي تصدّر بواسطة مهربين، فتتمثل بالنقود المعدنية النادرة والتماثيل والمنحوتات الحجرية والزجاجية واللوحات الفسيفسائية وبعض أصناف الفخاريات وغيرها من القطع الثمينة.

يقول ع.م إن «عمليات التهريب لا تقتصر على التجار فقط، فهناك الكثير من الأشخاص العاملين في المجال والمهربين إلى تركيا، خاصة بعد عجزهم عن إيجاد سعر حقيقي بسبب كثرة الوسطاء والخوف من المكاتب الأمنية التابعة للهيئة والخشية من مصادرة القطع الأثرية والتعرّض لخطر الاعتقال والمحاكمة».

أما عن وجهة التهريب، فهي «إلى دولتين تمهيداً للنقل إلى معارض أو أشخاص في شتى أصقاع العالم». ويفيد من التقيناهم من أفراد يعملون في المجال وتربطهم علاقات وطيدة بتجار الآثار في المنطقة، بأن «المحطة الأولى للتهريب هي تركيا، بواسطة مهربين مختصين عبر الشريط الحدودي وبالاتفاق مع تجار في الداخل التركي يجري التنسيق معهم عبر الإنترنت بعد عرض القطع الأثرية عليهم». ثم من هناك تباع اللقى في السوق السوداء وتنتقل إلى دول متفرقة.

أما المحطة الثانية، فهي لبنان «عبر وسطاء أمنيين وعسكريين أو تجار موجودين ضمن مناطق سيطرة دمشق، ويجري التنسيق معهم مسبقاً». ففي مقابل نسبة أو مبلغ مادي، يجري التهريب إلى حماة ومنها إلى حمص والحدود اللبنانية حيث تنقل هناك إلى «تجار في الداخل اللبناني».

كما أن هناك محطة ثالثة، وهي عبر تهريب القطع الأثرية إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية مروراً بمناطق «درع الفرات»، ومن هناك «تهرَّب إلى العراق، أو يعاد إدخالها إلى مناطق النظام لتأخذ طرقاً مختلفة». غير أن هذه الطريقة محدودة لدى تجار الآثار في الشمال السوري.

وفي جميع الحالات، فإن القطع الأثرية التي تهرّب إلى تلك الدول عبر وسطاء مرتبطين بشبكات تجار ومهربين، لتباع في النهاية إلى تجار ينقلونها إلى أوروبا ودول أخرى، بحسب الطلب على القطع الاثرية وحسب خصوصيتها الأثرية.

الواقع القانوني عند «الإنقاذ» وفي الدستور

سبق أن أصدرت «حكومة الإنقاذ» تعميماً تحذّر فيه من القيام بأعمال الحفر والتنقيب عن الآثار في أي معلم أثري، إلا إذا كان الغرض علمياً، ولا بد في هذه الحالة من الحصول على موافقة خطية من «مديرية الثقافة» والمصادقة عليها من رئاسة مجلس وزراء الحكومة، تحت طائلة المساءلة القانونية.

في حين تأخذ تلك الإجراءات شكلاً أكثر صرامة في قانون الدولة السورية، إذ تنص المادة 56 من قانون الآثار على أنه يعاقَب بالاعتقال من 15 سنة إلى 25 سنة وبالغرامة من خمسمئة ألف ليرة إلى مليون ليرة كل من هرّب الآثار، أو شرع في تهريبها.

أما عقوبة التنقيب عن الآثار من دون ترخيص، فقد نصت عليها المادة 57 من القانون، وجاء فيها أنه يعاقَب بالاعتقال من عشر سنوات إلى 15 سنة وبالغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة سورية كل من نقّب عن الآثار خلافاً لأحكام هذا القانون.

760 موقعاً أثرياً

تُعدّ تجارة الآثار واحدةً من أبرز واردات «هيئة تحرير الشام»، إذ لا تزال عمليات التنقيب مستمرةً في مواقع عديدة وحساسة مدرجة على قوائم التراث العالمي. وتبقى معظم القوانين الصادرة خلال المدة السابقة مجرد حبر على ورق في ضوء ما تتعرض له المواقع الأثرية من حفر وتنقيب وتهريب للقطع الأثرية على مرأى من القوى الأمنية القائمة والمخافر التابعة لها، ودون أي مساءلة تذكر.

وفي العام 2022 نقلت وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» عن مصادر سورية رسميّة قولها إن دمشق «استردّت نحو 35 ألف قطعة أثريّة مسروقة خلال الحرب».

يبلغ عدد المواقع الأثرية في محافظة إدلب 760 موقعاً أثرياً بحسب مديرية الآثار المحلية، وهي تحوي ما يُقدر بثلث الآثار في سوريا ويعود تاريخها إلى حقب زمنية مختلفة. وتبقى الكثير من المواقع الأثرية الأخرى المجهولة عرضه للتخريب، إضافة إلى المدن المنسيّة البالغ عددها 40 قرية أثرية تشكل خمس «باركات» مسجلة في قوائم التراث العالمي.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها