× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مزارعو التبغ في الساحل: الدولة مثل إقطاعيّ يريد محصولنا ببلاش!

حكاياتنا - خبز 23-04-2024

يعاني مزارعو التبغ في الساحل السوري إزاء الأسعار الزهيدة التي تشتري بها الحكومة محاصيلهم، إلى درجة أن بعضهم يرون أن العمل لدى الدولة بصفة مزارعين مياومين طوال عملية الإنتاج التي تستمر عاماً، سيكون مجزياً أكثر

في أرض صغيرة لا تتجاوز مساحتها 400 متر مربع في ريف جبلة، تكدح جنان (65 عاماً) في زرع التبغ، الذي يعدّ من بين أبرز محاصيل ريف الساحل السوري. لكن سرعان ما يسيطر الخوف على هذه المعلمة المتقاعدة التي تعاني من أمراض مزمنة، مع قدوم «المُخمّن» أو «المراسل».
فمهمة هذا القادم من شركة «الريجي» هي تقدير الإنتاج المتوقع من الأرض، حتى يكون الرقم مُلزماً للمزارعين. فإذا قدِّر الإنتاج بمئة كيلوغرام مثلاً، سيكون أصحاب الأرض ملزمين ببيع هذه الكمية إلى الحكومة بسعر زهيد.

في السنوات القليلة الماضية، لم يكن المخمّن يحدد أرقاماً عالية، بل يكتفي برقم بسيط لا يتجاوز الـ25 كيلوغراماً لكل دونم. غير أن كلاماً تسري بين مزارعي قرى الساحل يفيد بأن التخمين سيكون مختلفاً هذا العام، وبأن الكميات ستُحدد قياساً بالإنتاج الفعلي، أي نحو مئة كيلوغرام لكل دونم.

تفضّل فئة واسعة من المزارعين بيع المحصول إلى زبائن خاصين يمنحون أسعاراً قد تعادل خمسة أضعاف السعر الحكومي. فجِنان، مثلاً، تزرع النوع البلدي «شك البنت»، الذي حددت الحكومة سعره بـ27 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد، فيما يباع في السوق بسعر 150 ألف ليرة تقريباً.

تقول جنان التي انتظرت الانتهاء من زراعة شتولها لكي تجري عملية قسطرة قلبية في مطلع هذا الشهر، إن مواردها تقتصر على راتب تقاعدي بسيط، وما تنتجه قطعة الأرض، وهي بالكاد تؤمن احتياجاتها الأساسية من غذاء وأدوية.

تضيف: «العمل باليد شاق ولكنني مضطرة. إذا استعنت بخدمات عامل\ة، فإن المردود لن يسد حتى ربع احتياجاتي الأساسية».

يتقاضى العمّال ما بين 50 - 75 ألف ليرة، في مقابل العمل منذ السابعة صباحاً حتى الظهر، وما بين 75 - 100 ألف ليرة في حال استمرارهم حتى الساعة الرابعة عصراً. فتحرص غالبية العائلات العاملة في زراعة التبغ على تقاسم أفرادها العمل في ما بينهم، لتوكل في الغالب مهمة غرس الشتول إلى الرجال، والسقاية إلى النساء، فيما يكتفي الصغار بمناولة الشتول إلى زارعها، أو ما يسمى شعبياً بـ «الفت».

أما جنان فتضطر إلى القيام بتلك الأعمال كلها، خاصة أن أشقاءها منشغلون بأراضيهم.

تكاليف تتجاوز الأسعار

يستفيض موظف القطاع العام علاء (34 عاماً) في الحديث عن حجم الظلم الذي يتحمله مزارعو التبغ. يود لو تستحوذ الدولة على المحصول كاملاً، وتتحمل كلفة الزراعة، في مقابل حصول المزارعين على معاشات يومية تقدّر جهدهم وتعبهم. يرى أن مشروعاً مماثلاً «أفضل بكثير» من الأسعار التي تدفعها الحكومة.

يقول الشاب، وهو ابن شقيق جنان، إن كل دونم يحتاج إلى أن يحرث أربع مرات قبل أن يزرع، بتكلفة إجمالية تناهز خمسمئة ألف ليرة. أيضاً يحتاج إلى مئة كيس من روث الأبقار، بتكلفة مليون ونصف المليون. ويتطلب 50 كيلوغراماً من السماد الكيميائي الثلاثي بسعر 300 ألف ليرة، وكمية مشابهة من مركّب اليوريا، يشترونها من السوق السوداء بسعر 600 ألف ليرة، لأن المصرف الزراعي لا يوفرها بالسعر الرسمي.

بعد عملية الزراعة التي تُستكمل عادة مع نهاية شهر آذار/ مارس، ولكنها صارت تمتد حتى الأيام العشرة الأولى من نيسان/ أبريل بسبب الظروف المناخية، يحتاج الدونم إلى كيس جديد من اليوريا، وإلى منتج مكافحة الأمراض التي تصيب الشتول على غرار «الحوارة»، بتكلفة 250 ألفاً. أيضاً سيكون لزاماً توفير ليتر واحد من مبيد «تريفلان»، بتكلفة 300 ألف ليرة، الذي يُستخدم لمنع نمو النبتة أكثر من اللازم.

في حال لم يبع المزارعون الحكومةَ الكمية المُخمّنة سابقاً، فإنهم سيضطرون إلى دفع ثمن كل كيلوغرام ناقص

بعد أن ينمو المحصول ويُقطف، تأتي عملية الصف أو «الشك» في خيطان قنب خاصة، مع العلم أن إنتاج الدونم الواحد يحتاج إلى كيلوغرام من الخيطان، بسعر 120 ألف ليرة.

هذا يعني أن كلفة زراعة كل دونم من نوع «شك البنت» تناهز أربعة ملايين ومئتي ألف ليرة، فيما يُنتج الدونم ما بين 75 - 120 كيلوغراماً، بحسب علاء. بالتالي، «إذا حسبنا أن وسطي الإنتاج مئة كيلوغرام، فإن كلفة كل كيلو تساوي نحو 42 ألف ليرة».

يتساءل الشاب «كيف نبيع الكيلوغرام الواحد بأقل من كلفته ومن دون احتساب جهدنا وتعبنا لمدة عام كامل؟»، مؤكداً في الوقت نفسه: «كُلنا مضطرون إلى بيع جزء من المحصول بالسعر الحر من أجل تعويض خساراتنا وتعبنا».

جهد على مدار العام

تشدد الستينية ملكة أحمد على صواب ما يقوله علاء، وتتمنى لو أنّ الدولة تتكفل بالإنتاج و«تشغلنا مياومين». هذه المرأة التي أفنت عمرها في العمل الزراعي، ستكون مسرورة بحصولها على مئة ألف ليرة يومياً، عوضاً عن تعرضها للخسارة في آخر الموسم.

«لا يدعموننا، ويريدون أخذ موسمنا ببلاش»! تقول أحمد. وتتساءل كيف يمكن أن يُباع كيلوغرام التبغ بـ27 ألف ليرة فيما يبلغ ثمن علبة سجائر «الحمرا» الوطنية ستة وسبعة آلاف ليرة؟

كما توضح أنهم في حال لم يبيعوا الحكومة الكمية المُخمّنة، فإنهم سيضطرون إلى دفع ثمن كل كيلوغرام مفقود. فإذا كانت قيمة التخمين 60 كيلوغراماً وقدموا خمسين كيلوغرام مثلاً، سيلزمون بدفع ثمن 10 كيلوغرامات للمؤسسة. لكن ملكة تؤكد أن «هذا أوفر من بيع المحصول كاملاً لهم».

يُعرف عن زراعة التبغ أنها تتطلب جهداً مستمراً على مدى عام كامل. ففي البدء في شهر كانون الثاني/ يناير، تُزرع البذار في مساكب خاصة، ثم حين تغدو شتولاً بين شباط/ فبراير وآذار/ مارس، تنطلق عملية الغرس في الأرض. وفي نهاية نيسان/ أبريل، يعمل المزارعون على حفر التربة من حول الشتلة بأداة تسمى «القدوم»، قبل قطع رأس النبتة ومدّها بأدوية تمنع النمو أكثر من الحد اللازم.

ومع حلول منتصف أيار/ مايو، تبدأ عملية القطف وصفّ الأوراق في خيطان القنب. ثم تليها عملية تعريض الخيطان للشمس خلال شهرين أو ثلاثة أشهر، قبل إعادتها من جديد إلى أقبية المنازل من أجل توضيبها تمهيداً لبيعها في الربع الأخير من العام.

في الغالب تكون زراعة التبغ بعليةً، فلا يروى سوى عند غرس الشتول. لكن في حال عدم تعرضه للأمطار بكمية كافية، يلجأ البعض إلى السقاية.

تراجع إنتاج محافظة اللاذقية من محصول التبغ في العام 2023 بنحو 30 بالمئة، مقارنة بالعام 2022، بحسب تصريح سابق لمدير المؤسسة العامة للتبغ أيمن قره فلاح، وهو أمرٌ يعتقد بعض المطلعين على الملف أنه «تراجع وهمي» ينتج عن إحجام الفلاحين عن بيع محصولهم كاملاً للمؤسسة نتيجة السعر المتدني.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها