آماليا حسن
تُعد «سوق الخردة» من أقدم أسواق القامشلي، وتشكل مصدر عيش لمئات العائلات التي تعتمد في عملها على شراء الخردة، سواء من الباعة المتجولين أو المركبات القديمة المتهالكة، ليُصار إلى تفكيكها وصيانة القطع كل على حدة وبيعها مرة أخرى، أو بيعها في صورة خردة لتجار يعملون في مجال صهر المعادن.
عملٌ مُتوارث
يجلس محمد بشير البالغ من العمر 36 عاماً في محله الصغير الواقع على أطراف السوق، منتظراً أحد الزبائن عله يقوم ببيع بعض القطع المستعملة من قبيل «زاوية حديد»، أو «بوري»، بعدما انتصف النهار و«لم نبع أو نشترِ شيئاً».
يشرح بشير، الذي يعمل في سوق الخردة منذ 20 عاماً، أنه ورث المهنة عن والده، وأنه يشتري قطع الحديد والصاج القديمة، وببيع القطع المستعملة.
تراجعت حركة البيع والشراء في السوق منذ شهور، على حد قول بشير، وهو بانتظار «التاجر الوكيل» لشراء ما لديه من خردة متراكمة في محله. يشتري هذا التاجر البضائع بالجملة، لصالح مصانع تعمل في صهر المعادن وإعادة إنتاجها.
قطع غيار مستعملة
يعتمد عمل سامي محمد (63 عاماً) في سوق الخردة على بيع قطع التبديل المستعملة للجرارات والحصادات الزراعية. يشتري الرجل الآليات المعطلة والمتهالكة التي لم تعد صالحة للعمل لقدمها، ويعمل على تفكيكها، ليعيد إصلاح وصيانة كل قطعة قابلة للإصلاح ومن ثم إعادة الاستخدام، ويقصده أصحاب الآليات القديمة لشراء قطع الغيار المستعملة، وذلك لعدم توافر الجديد منها، ولرخص ثمنها مقارنة بالجديدة إن وجدت.
أما بقايا الآليات التي يفككها، فهي عادة ما تكون غير قابلة للصيانة وللاستعمال، فيبيعها خردةً للتجار، شأنه في ذلك شأن معظم العاملين في السوق.
فرز وإعادة تدوير
يعمل كانيوار حسين داوود (35 عاماً)، في سوق الخردة منذ أكثر من 12 عاماً، فيشتري ويبيع خردوات الحديد والبلاستيك، من الباعة المتجولين، أو من أصحابها الذين يقصدون السوق لبيع أغراض لم يعودوا بحاجتها.
يتجاوز عدد عمال الورشة عشرة، وتشكل النساء النسبة الأكبر بينهم، يجهدن لتأمين لقمة عيشهن، ويتمحور عملهن حول فرز الخردة بسحب الأنواع والمواد.
مع توقف عمليات التصدير بسبب ظروف الحرب، صارت الأسعار خاضعة لتحكم أصحاب شركات صهر المعادن في المنطقة، الذين باتوا يحتكرون السوق
وفق كانيوار، هناك شركتان عاملتان في المنطقة تشتريان الخردة بالجملة، وكلما «بلغت الكمية لدينا عشرين طناً نبيعها، يراوح سعر الطن الواحد بين 65-70 دولاراً أميركياً».
يضيف قائلاً: «هذا بالكاد يؤمن لنا لقمة العيش، فلا فوائد كبيرة نجنيها من هذا العمل الشاق».
ومهن أخرى
يجمع بعض قدامى العاملين في السوق، مثل فاغيت هرانت توماس (58 عاماً) بين شراء القطع القديمة وصيانتها وإعادة بيعها، وبين تصنيع ملحقات الآلات الزراعية، إذ ورث الأخيرة عن والده الذي كان معروفاً بهذه المهنة التي تُدعى «السكب»، ويسمّى العامل فيها «السكّاب».
يشرح هرانت أن والده كان يعمل «في سوق الخردة القديم قرب الجامع الكبير على الأطراف الشمالية للمدينة على مدى ثلاثة عقود»، ثم انتقل إلى هذه السوق الجديدة منذ 40 عاماً.
يُصنع هرانت مختلف ملحقات الآلات الزراعية، مثل «السكك، البزارات، الهاروات، البلاوات»، كما «نشتري قطع الغيار المستعملة ونعيد بيعها بعد صيانتها».
يضيف متحسراً: «كان لدينا في السابق معمل لسكب المعادن، مثل الفونت، والألمنيوم، والبرونز. كنا نشتري القطع العتيقة، ثم نعيد تصنيعها من جديد»، ولكن لعدم توافر اليد العاملة، توقف خط الإنتاج هذا.
لا يزال آخرون يعملون في مجال «السكب» في سوق الخردة، ومن هؤلاء مسعود محمد (69 عاماً) الذي يعمل سكّاباً منذ خمسين عاماً، وضمن هذه السوق منذ العام 2005.
يتركز عمل محمد على تصنيع قطع الغيار للآليات، تحديداً تلك التي لا تتوافر في الأسواق، وذلك عبر صهر المعادن وإعادة تصنيعها.
يشرح قائلاً: «يقصدنا الزبائن عندما لا تتوافر قطع غيار لآلياتهم، فنعمل قوالب من خلال الحفر في الرمل، ومن ثم نسكب المعدن المصهور سواء كان الفونت، أو الألمنيوم، أو النحاس في تلك القوالب»، مشيراً إلى أنه عمل «يعتمد على نوع من الفن».
صعوبات وتحديات
يقول مسعود محمد، إن أبرز الصعوبات التي تعترض العمل قلة توافر مادة المازوت، وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، الأمر الذي ينعكس بدوره على أسعار القطع التي يصنعونها. يُضاف إلى ذلك عدم توافر التيار الكهربائي بشكل كافٍ.
فيما يرى أحمد حسين (70 عاماً) وهو أحد العاملين في السوق، في انخفاض الأسعار «أهم الصعوبات»، ويشرح أن توقف عمليات التصدير بسبب ظروف الحرب ترك الأسعار خاضعة لتحكم أصحاب شركات صهر المعادن في المنطقة، الذين باتوا يحتكرون السوق، ويفرضون «أسعاراً متدنيّة لا تزيد عن 70 دولاراً أميركياً للطن الواحد، في حين يباع في المحافظات الأخرى بـ 200 و250 دولاراً». كما يشير الرجل السبعيني إلى أن حركة العمل تراجعت عن السابق، معللاً ذلك بسبب عدم استقرار سعر الدولار، ناهيك بعدم توافر الكهرباء والمازوت.