آماليا حسن
منذ أكثر من عامين يتردد نورس عدنان دهام (40 عاماً) يوميّاً إلى بحيرة «سد الحسكة الجنوبي» بغية صيد الأسماك، المهنة التي بات يعتمد عليها بعد قرار أصدرته الإدارة الذاتية بمنع تجوال الدراجات النارية داخل مدينة الحسكة، إثر أحداث «سجن الصناعة» أواخر كانون الثاني/يناير 2020.
قبل ذلك، كان دهام، وهو من سكان قرية الميلبية على الأطراف الجنوبية لمدينة الحسكة وتتألف عائلته من 7 أفراد، يعمل في نقل الركاب باستخدام دراجته النارية، وهي وسيلة نقل كانت شائعة في الحسكة.
مع قلة فرص العمل وتراجع القطاع الزراعي في تلك المنطقة شكّل سد الحسكة الجنوبي مصدر رزق لكثير من سكان قرى جنوب الحسكة، مثل قرى الميلبية وقانا والكرامة والخمايل والطقطاقة والدحام وتل الذهب وتل طابان، وغيرها.
نشأت هذه البحيرة الاصطناعية بعد تشييد «سد الباسل» في منطقة الشدادي جنوب مدينة الحسكة على مجرى نهر الخابور، ضمن سلسلة من السدود والقنوات تفرّعت عن «مشروع وادي الخابور» الذي انطلق في ستينيات القرن الماضي، بين قرى باب الخير، والسبع سكور، والميلبية جنوب وجنوب شرق مدينة الحسكة، وحتى قرى العريشة وتل الذهب وطابان، شمال مدينة الشدادي (ريف الحسكة الجنوبي).
يبلغ طول الخابور ضمن الأراضي السورية 320 كيلومتراً، يدخلها عند قرية المطلة شرق مدينة رأس العين (سري كانيه)، ويتابع مساره إلى بلدة تل تمر شمالي الحسكة، ويكمل متجهاً نحو ريف الحسكة الغربي. ثم يدخل مدينة الحسكة بين حيي دولاب العويص شمالاً، والنشوة الغربية جنوباً، ليكمل مسيره ضمن أحياء النشوة الشرقية، وغويران، والمرديان، ويصبّ في سد الحسكة الجنوبي بالقرب من قرية سبع سكور. ثم يتابع النهر مساره بالقرب من بلدة العريشة متجها جنوباً نحو العجاجة واصلاً مدينة الشدادي جنوبي الحسكة، ومنها إلى ناحية الصور في الريف الشمالي لدير الزور، ثم يسير في الريفين الشمالي والشرقي لدير الزور، ليندمج أخيراً مع نهر جقجق، ويصبا في الفرات قرب مدينة الميادين في دير الزور، ثم إلى الأراضي العراقية.
ملاذ أخير للرزق
يسرد نورس دهام بعضاً من شريط حياته المهنية «في السابق كنت أعمل في مهنة طينة الجدران (الزريقة، أو التلييس)، ومن ثم سائق دراجة نارية دخل مدينة الحسكة، قبل أن تتراجع حركة الأولى وتُحظر الثانية».
لا تُمارس الزراعة في محيط السد، لأن الأراضي المحيطة تنقسم بين كلسية وصخرية، وبفعل وجود كثير من الوديان في المنطقة، غير أن «البحيرة وما تحتويه من أسماك باتت مصدر الرزق لسكان المنطقة، وقد اتجهت بدوري لممارستها».
يقطع الرجل يومياً نحو 7 كيلو مترات في طرق غير مُعبدة ليصل ضفاف السد، بعدما يكون قد جمع بقايا فتات الخبز المتبقي في منزله، فضلاً عن شراء كمية من علف الأسماك لتكون الطعم خلال عملية الصيد.
طرق متنوعة للصيد
يستقل سامي العثمان (39 عاماً) قاربه قبل غروب شمس كل يوم يرافقه شقيقه الأصغر، ليمدا شباك صيدهما التقليدية، على أن يعودا لسحب الشباك مع حلول فجر اليوم التالي.
يوضح العثمان، وهو من سكان قرية قانا، أن البحيرة تحوي أنواعاً مختلفة من الأسماك، مثل الزازان، والمالطا، والمشط، وأم حميدي، والسلور، والكرب، والسرنك، وحتى القريدس، مشيراً إلى أن طرق الصيد «تختلف تبعاً للإمكانات المادية المتاحة».
يُعتبر فصلا الشتاء والربيع «أفضل الأوقات لصيد الأسماك نتيجة تدفق كميات كبيرة من مياه نهر الخابور نحو البحيرة، ما يدفع الأسماك نحو سطح البحيرة بعيداً من الأعماق، بحثاً عن مزيد من الغذاء».
ومع مشاعية صيد الأسماك، يحتاج الصيادون بعض المعدات الأساسية، من قارب وسنارات وشباك تقليدية وغيرها، وتتباين الأسعار بحسب فاعلية الأدوات وجدواها في الصيد، على أنها تراوح بين 650 – 950 دولاراً بحسب العثمان الذي يعتمد على الشباك التقليدية في صيده.
فيما يعتمد آخرون على «الصيد بالجرافة»، من خلال وضع العلف والطعم في بقعة منتقاة من البحيرة لمدة تراوح بين ساعة وساعتين، تُمد الشباك في محيط المنطقة التي وضع العلف فيها بشكل دائري، ثم تُسحب الشباك نحو اليابسة لتجمع الأسماك التي علقت في الشباك.
يوضح العثمان أن طريقة مد شباك الجرافة هي «الأكثر نفعاً» ولكنها تتطلب أدوات بقيمة 300 دولار أميركي، لا يمتلكها.
في انتظار العابرين
على الطريق السريع بين مدينة الحسكة وناحية «السبعة وأربعين» غرب مدينة الشدادي، يعرض أحمد علي العماش (40 عاماً) الأسماك التي اصطادها للبيع، شأنه شأن صيادين آخرين، يجمعون ما اصطادوه من الأسماك بواسطة أسلاك معدنية، وينتظرون زبائن من سائقي السيارات العابرة.
يؤكد العماش، وهو من سكان قرية الكرامة، أن «بيع الأسماك للتجار في الحسكة أو الشدادي أقلّ جدوى لأن التجار يفرضون أسعاراً متدنية». يعزو الرجل إقبال الزبائن على شراء الأسماك من الصيادين على هذا الطريق إلى رخص الأسعار، وضمان أن الأسماك طازجة، على عكس مختلف أنواع الأسماك التي تُجلب إلى الحسكة من الرقة ومنبج.
ويراوح سعر الكيلوغرام الواحد من السمك بين 10 - 20 ألف ليرة سورية (0.68 إلى 1.33 دولار أميركي) حسب النوعية والحجم.
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0