× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

انتهاكات الملكيّات في ريف حلب: لا روادع ولا حساب

حكاياتنا - خبز 23-09-2024

بات الاعتداء على الأملاك والحقوق شكلاً من أشكال الانتهاكات التي ترتكبها جميع سلطات الأمر الواقع التي تقتسم الأراضي السورية. في ريفي حلب الشمالي والشرقي مثلاً، تتزايد الانتهاكات بشكل متسارع، وتأخذ أشكالاً مختلفة من السيطرة والاستيلاء، مروراً بالنهب والتخريب، ووصولاً إلى فرض خوّات و«ضرائب»

الصورة: (متداول على مواقع التواصل الاجتماعي)

يشكو الأهالي في مناطق متفرقة من ريفي حلب الشمالي والشرقي من عمليات الاستيلاء التي تطاول العقارات والأملاك الخاصة التي تعود ملكيتها لعائلات سورية لاجئة ومغتربة، وأخرى تقيم في مناطق سيطرة مختلفة، إذ يمارس قادة بعض المجموعات والكتائب التابعة لفصائل «الجيش الوطني» المدعوم تركياً، انتهاكات تصل حد الاستيلاء على العقارات، وسط تجاهل كلي لحقوق الناس في أحقية التصرف بأملاكهم وأرزاقهم الخاصة، وغياب دور الجهات القانونية الحقوقية.

ينحدر عمران من قرية كلجبرين، على الطريق بين مدينتي اعزاز ومارع شمالي حلب، ويشرف على إدارة أرض زراعية تعود ملكيتها لقريبه اللاجئ منذ العام 2012 في لبنان.

يشرح الرجل لـ «صوت سوري» أن قريبه كان يعمل في لبنان قبل العام 2011، ومع اندلاع الحراك الشعبي، ثم تحوله إلى نزاع مسلّح عزف عن العودة إلى بلاده، وطلب من عمران إدارة الأرض الزراعية التي يملكها، وتبلغ مساحتها الإجمالية 6.5 هكتاراً، فضلاً عن 100 شجرة زيتون.

وبالفعل، أشرف عمران على إدارة الأرض أربعة مواسم متتالية، بين العامين 2012 - 2016، بل أن تصبح المهمة مستحيلة من جرّاء تحول المنطقة إلى خطوط تماس بين فصائل مسلّحة مُعارِضة من جهة، وبين تنظيم «داعش» المتطرف من جهة أخرى.

هيمنة «ميليشاوية»

في آب/أغسطس 2016 شنت فصائل «الجيش الوطني» مدعومةً بقوات تركيّة عملية عسكرية (درع الفرات) نحو مناطق سيطرة «داعش» شمالي وشرقي حلب. وعلى إثرها استعاد الرجل الأرض الزراعية، وحرثها لاستقبال الموسم الزراعي الأول بعد اندحار «داعش»، لكنه سرعان ما أجبر في الموسم التالي على ترك الأرض لصالح أحد قادة الكتائب العسكرية التابعة لـ «الجبهة الشامية» إحدى مكونات الفيلق الثاني في «الجيش الوطني».

لم تنته القصة هنا، إذ أُجبر عمران على حراثة أرض قريبه، وبشكل مجاني لصالح قائد الفصيل الذي سيطر على الأرض! لاحقاً، عمد المستولي إلى قلع أشجار الزيتون لبيعها حطباً، ثم باع هكتاراً منها لقائد فصيل آخر بنى فوقه مزرعةً للترفيه عن نفسه!

لم يستطع عمران تقديم أي شكوى لأية جهة، لأنه مُهدّد بمخاطر عديدة في حال طالب بالأرض أو رفع دعوى قضائية، ما أجبره وقريبه إلى التخلي عنها.

العمشات «ترثُ» الجميع

خسر أبو محمود (65 عاماً) أرضه الزراعية في قرية كفرغان، التابعة لناحية صوران في منطقة اعزاز.

«لم أترك باباً إلا وطرقته كي أستعيد أرضي، لكن الذي استولى على الأرض يده واصلة، والتهمة جاهزة بأنني عميل لقوات سوريا الديمقراطية»

يشرح الرجل أن قائد مجموعة عسكرية تتبع فصيل «سليمان شاه» المعروف باسم «العمشات» استولى على الأرض التي تبلغ مساحتها ثمانية هكتارات، بذريعة أن «ابني كان عنصراً في صفوف تنظيم داعش». ويوضح أن قائد ذلك الفصيل «استغلّ أنني كنت وقتذاك نازحاً إلى أحد المخيمات قرب معبر باب السلامة على الحدود السورية – التركية.. ورغم مقتل ابني خلال الاشتباكات، وعودتي إلى القرية للمطالبة بأملاكي لم أستطع استعادة شبر منها».

يختم الرجل قائلاً: «لم أترك باباً إلا وطرقته كي أستعيد أرضي، لكن الذي استولى على الأرض يده واصلة، والتهمة جاهزة بأنني عميل لقوات سوريا الديمقراطية».

متى بدأ الاستيلاء؟

بدأت عمليات السيطرة على العقارات والملكيات الخاصة في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، مباشرة عقب طرد تنظيم «داعش» المتطرف من المنطقة في الربع الأول من العام 2017، وقتذاك استولى فصيل «السلطان ملكشاه» على مزارع ومنازل تعود ملكيتها للمدنيين في مدينة الباب.

وبرغم المطالبات المتكررة من الأهالي لاستعادة ممتلكاتهم، وخروج مظاهرات في المدينة، لم يتغير شيء على الأرض. لاحقاً تدخّلت «هيئة ثائرون للتحرير» وهي تشكيل يضم بضع فصائل تابعة لـ «الوطني»، استطاعت في العام 2022 إعادة الأراضي إلى أصحابها باتفاق يضمن أولوية البيع لها (للهيئة) في حال رغب أصحابها في بيعها، حسب موقع «عنب بلدي».

يوضح أحد أصحاب المكاتب العقارية في منطقة اعزاز شمالي حلب (شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية)، أن عقارات متنوعة عُرضت للبيع، بين منازل وأراض زراعية في مناطق متفرقة، ومعظمها يغيب عنها ملاكها الحقيقيون، وتقف خلف بعضها جهات عسكرية.

يشرح الرجل أن كثراً من المالكين خسروا عقاراتهم بعد اتهامهم بالانتماء إلى تنظيم «داعش» المتطرف، أو العمالة لـ «قسد»، أو دمشق، لكن معظمها أملاك خاصة لمدنيين غير متربطين بأي جهة.

ويضيف: «هناك أشجار قُطعت، وأبنية هُدمت، مع حرمان أصحابها حرية التصرف بها، أو الاستفادة منها بأي شكل».

..و«الحواشي» أيضاً

لا تقتصر عمليات اغتصاب الملكيات على قادة المجموعات والفصائل العسكرية فحسب، بل ينضم إليهم أيضاً بعض عناصرهم وأتباهم، وحتى بعض أقاربهم من المدنيين الذين يتصرفون بحماية مباشرة من الفصائل، ويستولون على أملاك الناس.

ورغم قلة عمليات الاستيلاء على العقارات والملكيات الخاصة طيلة السنوات الماضية في مناطق «درع الفرات» إذ ما قورنت بمناطق «غصن الزيتون» (عفرين ومحيطها)، إلا أنها باتت تشهد زيادة ملحوظة بقوة السلاح.

في شباط / فبراير الماضي، وثقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» انتهاكات الحق في السكن والأراضي والملكية، وعمليات النهب والسلب، والاستيلاء على الممتلكات والابتزاز، وسط فشل محاولات المساءلة في الحد من الانتهاكات أو تقديم تعويضات للضحايا، بناءً على لقاء 36 شخصاً تعرضوا لانتهاكات حقوق السكن والأراضي والملحية بالتعاون مع «لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا».

وعلاوة على انتهاكات بعض قادة ومنتسبي الفصائل، وحواشيهم، وُثقت أيضاً انتهاكات للملكية على يد الجيش التركي، و«نقاط المراقبة» التابعة له، وفقاً لتحقيق استقصائي نشره موقع «سيريا انديكيتور».

ورغم إصدار المجالس المحلية في منطقة عفرين، قراراً قبل بضع سنوات حول موسم الزيتون، وتحويل الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها لغائبين إلى إشراف المجالس المحلية، إلى جانب استفادة الفصائل المسيطرة على المنطقة بنسبة محدودة من الأراضي التي تعود ملكيتها لأشخاص مرتبطين بـ «قسد» فإن القرار لم ينفذ، وبقيت الفصائل تستثمر الأملاك الخاصة.

وشكلت «وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة» الشرطة العسكرية، بهدف «مكافحة انتهاكات الفصائل العسكرية» المنضوية تحت مظلة «الوطني»، إلا أنها لم تُحقق أثراً فعليّاً في الحد من الانتهاكات التي وصلت حدّ مشاركة الناس قوت يومهم، كما حصل في قرية ياخور التابعة لناحية المعبطلي، حيث فرض فصيل «سليمان شاه» (العمشات) ضريبة تصل إلى ثمانية دولارات على كل شجرة تعود ملكيتها لأشخاص لا يقيمون في المنطقة، وتدار من أقاربهم.

ويدفع الأهالي أثماناً باهظة نتيجة تردي الواقع الأمني والانتهاكات المتواصلة التي تمارس بحقهم بشكل مباشر من قبل سلطات الأمر الواقع، دون وجود آليات واضحة لمتابعة الانتهاكات في المؤسسات القضائية العسكرية والمدنية