× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«التقزّم» في الشمال السوري: أزمةٌ تهدّد مستقبل جيل كامل

حكاياتنا - خبز 27-11-2024

تتصاعد بشكل مثير للقلق ظاهرة تقزّم الأطفال في شمال غربي سوريا. هي أزمة صحية واجتماعية خطيرة تهدد مستقبل آلاف الأطفال، وتشكل مؤشراً بارزاً على التدهور الشامل في المنطقة من جرّاء الحرب، بينما تتطلب الحلول تعاوناً واسع النطاق لحماية مستقبل الأطفال

الصورة: (طفلة تخضع لفحص بغرض الكشف عن سوء التغذية في حلب / يونيسيف)

لا يوحي مظهر الطفل عُمَر بأن سنّه بلغت الحادية عشرة، بسبب قصر قامته ونعومة جسده، ولهذا قرّر والداه عرضه على طبيب متخصص في أمراض التغذية.

يشرح والد عمر أن حجم طفله لم يتغيّر منذ نحو أربعة أعوام إلا بشكل طفيف جداً، شخّص الطبيب الحالة بسوء تغذية حاد ومتأخر. ورغم اتباع الطفل نظاماً غذائيّاً متكاملاً، وتلقيه علاجاً دوائيّاً مُساعداً لم يتغيّر شيء جوهري، ليخلص الطبيب إلى أن «الغضاريف المساعدة على النمو قد توقفت نتيجة تعرضها لسوء تغذية حاد استمر مدة طويلة أبطأت نموه».

ظاهرة مُقلقة

تشير تقارير عديدة صدرت أخيراً عن منظمات مختلفة إلى أن معدلات التقزم في إدلب قد ارتفعت بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة.

في العام الماضي قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن «أكثر من 609,900 طفل دون سن الخامسة يعانون من التقزم في سوريا». وفي العام 2020 قال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، إن «نحو 34 % من الأطفال تحت سن الخامسة في إدلب من التقزم»، وهي نسبة تفوق بكثير المعدلات المقبولة دولياً. 

يُقصد بالتقزم قصر القامة في سنّ معينة بشكل غير طبيعي مقارنةً بالمعايير العالمية لتلك السن. تتنوع مسببات التقزم من اضطرابات جينية، إلى الوراثة، إلى سوء التغذية، إلى حالات غير معروفة السبب، لكنّ شيوع الحالة ضمن نطاق جغرافي محدد وبشكل مستجد يشير – على الأرجح - إلى ارتباطها بسوء التغذية المزمن الذي لا يقتصر تأثيره على الطول فحسب، بل يمتد ليشمل التأثير على نمو الدماغ، والقدرات الإدراكية، والصحة العامة للأطفال مع مرور الوقت، ليصبح من الصعب تعويض الفاقد في النمو العقلي والجسدي، ما يضع الأطفال في مسار مستمر من التأخر.

سوء التغذية وانحسار الدعم 

تعزو مصادر صحيّة مواكبة للظاهرة في إدلب شيوع حالات التقزم بين الأطفال إلى سوء التغذية الذي قد يلحق الأطفال في السنوات الخمس الأولى من أعمارهم، إضافة إلى غياب الثقافة الصحية ما يؤدي إلى إغفال مراقبة صحة الأطفال ما لم تكن هناك أعراض مرضيّة مباشرة. 

تشرح رانيا جواد، وهي أخصائية في مجال التغذية ضمن منظمة «غلوبال» أن حالات التقزم «تتزايد بشكل ملحوظ، ونلمس ذلك في الجولات الميدانية التي يجريها الفريق بين المخيمات لا سيما المخيمات العشوائية التي تفتقر الى دعم صحي وغذائي وتغيب عنها الخدمات».

تضيف: «سابقاً كنا نصادف حالة أو حالتين من بين كل عشرة مراجعين لأطفال دون سن السادسة يعانون من سوء تغذية متوسط ونادراً قد يكون حاداً، أما اليوم فنسبة الحالات التي تعاني سوء تغذية حاد ارتفعت لتبلغ ما بين 7 - 9 حالات من كل عشر مراجعات».

فكرت لين، وهي طفلة في الثالثة عشرة من عمرها، بترك الدراسة نهائياً بسبب عبارات السخرية المستمرّة من قصر قامتها

توضح جواد أن دعم تلك الحالات يكون عبر تقديم مكملات غذائية تتمثل في أصناف من حلاوة الفيتامين وبعض العصائر التي تُقدم للأطفال، لكنها «لا تغني عن مراجعة طبيب مختص في التغذية وهو ما يتجاهله كثير من الأهالي أو يغفل عنه»، وفي كثير من الحالات يفوت الأوان بعد تجاوز الطفل سن السادسة. 

تصطدم معظم الجهود المرتبطة بالصحة العامة، ومن بينها جهود مكافحة سوء التغذية، والتقزم، بعقبة «نقص التمويل»، فكثير من المنظمات باتت تعاني من قلة الموارد، ما يحد من قدرتها على توسيع نطاق برامج التغذية والعلاج في المنطقة.

ويقول مسؤول الموارد في «جمعية الوفاء الخيرية» موسى عاشور إن «الفرق الجوالة المختصة بمكافحة سوء التغذية لأطفال المخيمات انخفضت من خمسة فرق إلى فريق واحد وبدعم محدود بشكل كبير، وينطبق الأمر على معظم المنظمات التي تقلص دعمها بنسب وصلت 80% أو توقف بشكل كامل».

تبعاتٌ نفسيّة

لا تقتصر آثار ظاهرة التقزم على هيكلة الجسم الخارجية فقط، بل تسبب أضراراً نفسية تصيب الطفل المتقزم بحالة من الاكتئاب والإحباط، لا سيما لدى مقارنته نفسه بأقرانه. 

لين طفلة في الثالثة عشرة من العمر مصابة بالتقزم، وتجهل سبب إصابتها. أصيبت لين بنوبة اكتئاب بعد تشخيص إصابتها، لا سيما أنها باتت محل سخرية لبعض زميلاتها. «فكرت بترك الدراسة نهائياً نتيجة ما أسمعه من عبارات ساخرة على طولي مثل: "أنت مكانك بالصف الرابع شو عبتعملي بالصف السابع"؟ أو عبارة "انتبهي لا حدا يدوس عليك ومو شايفك" وغيرها من العبارات»، تقول الطفلة.

يؤكد الطبيب مصطفى الشيخ، المتخصص في أمراض الأطفال وعلاجها أن «التقزم لا يؤثر فقط على الأفراد المصابين، بل له تداعيات كبيرة على المجتمع بأكمله، فالأطفال الذين يعانون التقزم يواجهون تحديات طويلة الأمد تتعلق بالنمو الجسدي والعقلي، ما يحد من قدرتهم على التعلم ويقلل من إنتاجيتهم في المستقبل». 

يُحذر الشيخ من تفاقم هذه الظاهرة، ومن أن الشمال السوري قد يشهد في ظل تفاقمها «جيلًا من الأطفال يعانون من إعاقات تنموية متفاوتة، كما أن ارتفاع معدلات التقزم سيزيد العبء على النظام الصحي المنهار بالفعل، ما يُعمق الأزمة الصحية في المنطقة».

تكمن الحلول، وفق الشيخ، في تعزيز برامج التغذية وتوسيع نطاق الرعاية الصحية، وخاصة في المناطق الريفية والنائية ومناطق المخيمات، إضافة إلى دعم المراكز الصحية المحلية لتقديم خدمات الرعاية والتوعية الغذائية للأسر، وكذلك توفير المكملات الغذائية الضرورية.

كان فريق «منسقو استجابة سوريا» قد أصدر في الرابع من آب/أغسطس تقريراً قيم خلاله الأوضاع الإنسانية في شمال غرب سوريا. وجاء في التقرير أن نسبة العائلات الواقعة تحت خط الفقر بلغت 91.18%، في حين بلغت العائلات الواقعة تحت خط الجوع 41.05 % من إجمالي العائلات الواقعة تحت خط الفقر.

كما أشار التقرير إلى أن جميع القاطنين ضمن المخيمات المنتشرة في المنطقة «تحت خط الفقر بشكل كامل»، في حين صنف 33.18% من نازحي المخيمات تحت خط الجوع.

وخلُص إلى أن انخفاض المساعدات الإنسانية المقدمة إلى المنطقة وتوقف عشرات المشاريع في المخيمات أسهم في زيادة عدد المحتاجين الى المساعدات الإنسانية بشكل ملحوظ خلال الأشهر القليلة الماضية.

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0