× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«سوريا الجديدة».. أحلامٌ مؤجّلة؟

عقل بارد - على الطاولة 29-01-2025

لم تدُم «الفرحة الصافية» التي عمّت الشارع السوري عقب سقوط النظام السابق طويلاً، فسرعان ما راحت أنباء الانتهاكات تتسارع إلى حدّ دخولها نفق الإعدامات الجماعيّة في ريف حمص، ما يفتح الباب على أسئلة عريضة عن «سوريا الجديدة» التي تفاءل كثرٌ أنّ الشروع في بنائها بات مسألة وقت لا أكثر

الصورة: (من حملة أمنية في ريف دمشق/صفحة وزارة الداخلية السورية على فايسبوك)

كانت الأيام الأولى التي تلت سقوط النظام السوري السابق مبشّرة في ظل المسار الهادئ الذي ألزمت به «إدارة العمليّات العسكرية» عناصرها، والسيطرة السلسة على المدن التي دخلتها. لكن سرعان ما بدأت حالات الاختطاف والقتل والتغييب القسري والتنكيل تتحول إلى خبر شبه يومي. وحتى تاريخ 25 كانون الثاني/يناير الحالي أحصينا أكثر من 200 واقعة من هذا النوع. 

من المفهوم أن الحاجة إلى الانتشار في العديد من المدن تستدعي الاستعانة بفصائل مختلفة، لكن السؤال هنا: إن لم تكن الإدارة قادرة على ضبط هذه العناصر اليوم، فمن يضمن ألا تتفاقم الفوضى والمشكلات الناجمة عنها بتقدّم الوقت؟ وهل كان من الحكمة الإطاحة بآلاف ضباط وعناصر الشرطة خاصة أن هؤلاء لا يغلب عليهم لون مناطقي أو طائفي واحد خلافاً لحال الفروع الأمنية؟

«حالات فردية» جماعيّة!

لا يختلف عاقلان على أنّ مقاربة القضية من زاوية «نظرية المستفيد» تقود إلى استبعاد احتمال ضلوع «هيئة تحرير الشام» العمود الفقري للإدارة الجديدة في تلك الانتهاكات، وهي التي ترزح تحت المجهر الإقليمي والدولي نظراً للخلفية «الجهادية» وإرثها الثقيل، لكنّ العبرة في ضبط الجماعات المتحالفة مع «الهيئة»، وهذه مسؤوليتها بكل تأكيد.

لم تضبط الإدارة الجديدة جميع حلفائها حتى الآن (أو أنها لم تُفلح بعد)، وهي مستمرّة في تحميل مسؤولية معظم الانتهاكات لـ «حالات فردية»، حتى بات المصطلح مثاراً للتندر رغم خطورة وفداحة الانتهاكات المرتبكة إلى حدّ باتت معه تشكل تهديداً واضحاً للسلم الأهلي في عموم البلاد، ورغم وقوع معظمها في محافظة حمص فإنّ أصداءها سرعان ما تنعكس على محافظات أخرى.

نظرة على حمص

في مطلع العام قررت السلطات الجديدة تمشيط العديد من أحياء حمص بحثاً عن السلاح والمطلوبين. كان مستغرباً أنّ الحملة شهدت تناقضات لافتة في أسلوبها: انتهاكات وترهيب في هذا الشارع، والتزامٌ وانضباط واحترافية في شارع مواز، بينما شارع ثالث يكاد التفتيش فيه يكون صوريّاً أو «رفع عتب»!

تُشكل العدالة الانتقالية الوصفة المفتاحيّة للعبور نحو استقرار أي بلد خارج من حالة نزاعٍ دامٍ، لكن المؤكد أن ما تشهده سوريا لا يمكن تصنيفه ضمن هذا الإطار

في المحصلة أسفرت الحملة عن اعتقال مئات الرجال، ولاحقاً صار يطلق سراح مجموعات متتالية منهم، وحتى اليوم لا يزال الكثير منهم محتجزاً، ليترسخ في ذهن كثير من السكان أنّ هدف الحملة هو بسط القوة والسيطرة وبث الرعب في نفوس الساكنين لا تفتيشهم وتمشيط أحيائهم فعلاً.

تُوجت تلك الحملة بإغلاق بعض أحياء حمص بحواجز إسمنتية تمنع دخول وخروج السيارات إلّا عبر مسارب محددة، وقد راج في الأيام الأولى سؤال كل من يدخل أو يخرج «ما هي طائفتك؟»، ثم تغيرت الأحوال ووصلت إلى العناصر تعليمات مشددة بتحاشي هذا السؤال.

ريف حمص: انتهاكات وجرائم

جاء دور الأرياف في الحملة وصولاً إلى الريف الغربي في الأيام الأخيرة، وهنا تتالت الأنباء عن انتهاكات وإعدامات ميدانيّة واعتقالات بالجملة، ولا سيما في فاحل، مريمين، الشنية، القبو. 

ورغم مسارعة العديد من الصفحات العامة والشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالتشكيك والنفي والتكذيب، صدر بيان عن المكتب الصحفي لمحافظة حمص يؤكد حصول الانتهاكات والتجاوزات، ثم تلته تصريحات تُقر بحصول إعدامات ميدانية خارج القانون. 

تواصلنا مع «محافظة حمص» للحصول على معلومات إضافية عن المرتكبين، والمحاسبة، لكن المسؤولين اكتفوا بتأكيد أنّهم «توصلوا إلى بعض الفاعلين وأُلقي القبض عليهم وسيُحالون إلى القضاء المختص». في صياغة فضفاضة لا تنطوي على معلومات محددة وواضحة: من هؤلاء؟ ومن يتبعون؟ وأمام أي محكمة سيُحاكمون؟ ومتى؟

«ثورية»؟ «انتقاميّة»؟ أم «انتقالية»؟

بين العدالة الثورية والانتقالية أشواط من التباين.

تُشكل العدالة الانتقالية الوصفة المفتاحيّة الأهم للعبور نحو استقرار أي بلد خارج من حالة نزاعٍ دام وطويل. لكن المؤكد أن ما تشهده البلاد راهناً لا يمكن تصنيفه ضمن هذا الإطار، فللعدالة الانتقالية شروط ومواصفات عديدة بدءاً بمن المخوّل إقرار شكلها وتفاصيلها، ثم آليات تنفيذها ومراقبتها، ومراحلها، ومستوياتها.. إلخ 

أما «العدالة الثورية» فمسألة مختلفة حتماً، لكن ما تشهده سوريا لا ينتمي إليها أيضاً، إذ كيف لعدالة ثوريّة أن تنام أياماً طويلة ريثما يتاح الفرار لكبار المنتهكين الذين لم يفروا ليلة سقوط النظام، ثم تلتفت إلى عناصر بينهم من جُنّدوا إلزاميّاً في الجيش السوري قبل شهر من سقوط النظام (تشرين الثاني/نوفمبر) وهو موعد السحب الدوري؟ كثر من هؤلاء لم يُنهوا «دوراتِ الأغرار» حتى! وآخرون لم يشاركوا في أي معركة على الإطلاق.

ثم؛ ألم يؤكد «قائد الإدارة الجديدة» في تصريحات عديدة أن «الثورة انتهت، وهذه مرحلة بناء الدولة»؟ وأيّ دولة قد تُبنى على أرضيّة تسود فيها انتهاكات على أسس طائفيّة ومناطقية جليّة؟ 

والأهم: هل نحن أمام حقبة جديدة بالفعل؟ أم أمام تكرار لسيناريو قديم يقوم على استمرار الرهان على شرعيّة تُحصّل من الخارج وتبني معه، بدلاً من الرهان على الشارع والبناء معه بعقلية الدولة لا الثأر؟

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0