× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

هكذا سخّرت منظومة الأسد قرارات الاستملاك لمنافع خاصّة

حكاياتنا - خبز 24-02-2025

لعقود طويلة ظلّ قانون الاستملاك أداة السلطات السورية لنزع ملكيّات خاصة من أصحابها، بُغية «تنفيذ مشاريع ذات نفع عام». لكن قد يمر نصف قرن من دون تحقق المنفعة العامة المزعومة، أو يكون الاستملاك أداة عقابيّة للسكان. يغوص هذا التحقيق في كواليس استملاكات الشريط الساحلي في اللاذقية، وبلدة عين الفيجة في ريف دمشق، ويستقصي الدوافع الحقيقية وراءها، وفُرص رفع الظلم وجبر الضرر بعد سقوط النظام السابق

كان عمّار قعقع في الثانية عشرة من عمره عندما صدر قرار استملاك أرضِ وبيت أسرته في قرية ابن هانئ في ريف اللاذقية الشمالي، شأنها شأن أملاك عشرات سكان القرية التي وُضعت إشارات استملاك عليها لصالح وزارة السياحة بُغية تشييد منشآت سياحية.

يدخل عمّار الآن عامه الثاني والستين وما زالت إشارة الاستملاك مفروضةً، بينما لم تُحرك وزارة السياحة ساكناً ولم تبنِ أيّ منشأة برغم مرور خمسين عاماً من منع الأهالي التصرف بممتلكاتهم، أو زراعة أراضيهم واستثمارها.

ضررٌ شامل

في العام 1975 شهدت محافظة اللاذقية عملية استملاك واسعة النطاق لصالح وزارة السياحة، وشملت مساحات واسعة من شريطها الساحلي بموجب المرسومين 2196 و2198، واستناداً إلى قانون الاستملاك ذي الرقم 20 للعام 1974.

امتدّت الاستملاكات من جنوب مدينة اللاذقية حتى شمالي رأس البسيط، بطول تجاوز 35 كيلومتراً، بشكل شبه متصل، وبعرض تراوح بين 1.5 و3 كيلومترات في محاذاة البحر، لتطال قرى وبلدات عديدة منها: وادي قنديل، والبدروسيّة، ورأس البسيط. 

منعت إشارة الاستملاك ترميم البيوت الآيلة للسقوط، أو توسيعها بسبب زيادة أفراد الأسرة على مدار ثلاثة أجيال، أو الاستفادة من الأراضي الزراعية الخصبة، أو الاستثمار في المناطق السياحية ما حرم السكان، وحتى الدولة من واردات هائلة. وعلى امتداد عقود لم تنفع اعتراضات الأهالي على القرار المجحف، فلا رُفعت إشارات الاستملاك، ولا عُدّلت البدلات المالية الزهيدة التي رفض كثير من أصحاب العقارات استلامها. 

يضرب عمار لـ«صوت سوري» بعض الأمثلة قائلاً: «خمّنوا منزل والدي مع أرض ديار كبيرة وبئر عربي بـ 12 ألف ليرة سوريّة (نحو 3000 دولار وفق سعر الصرف حينها)، وكان عمي يملك أرضاً مساحتها أربعة دونمات وفيها بيت من ثلاثة طوابق فخمّنوها بـ 130 ألفاً. رفض عمي وكثير من أبناء القرية استلام المبلغ».

«منفعة عامّة».. مع وقف التنفيذ

تؤكد المحامية غرام الحبش أن «استملاك هذه المساحات الشاسعة غير منطقي، وأدى إلى إفقار المجتمع وحرمانه من حقه الطبيعي في التملك، وهذه من سمات الأنظمة الشمولية». 

تشرح الحبش أن قرار الاستملاك «ينبغي أن يقوم على المنفعة العامة»، بينما لم تُستخدم الأراضي لصالح أي مشاريع ذات نفع عام طوال خمسين عاماً، وعليه «يجب أن يُلغى القرار» تقول الحبش.

من بين عيوب القانون الكثيرة نصُّه في المادة 35 على أنّه «إذا استُملكت عقارات للنفع العام وخُصصت في الواقع لذلك ثم زالت صفة النفع العام عن العقارات المستملكة فتعتبر تلك العقارات من الأملاك الخاصة للدولة، ويجري تسجيلها في السجل العقاري باسم الجهة العامة المستملكة بناء على قرار من الجهة التي كانت قد استملكت العقارات للنفع العام، ويحق لهذه الجهة التصرف بهذه العقارات بكل وجوه التصرف». 

دأبت الجهات العامة على استغلال هذا البند، وفق المحامية الحبش، «لكي تتملك العقارات بمبالغ زهيدة، هكذا خسر المواطن أرضه وما يعود عليه استثمارها به من منفعة مادية، وحُرم المجتمع فرص عمل في مشاريع زراعية أو سياحية، وأُهدرت عوائد مادية محتملة للخزينة العامة».

من اللاذقية إلى عين الفيجة.. حوّل 

رغم أنّه محامٍ، لم يستطع أحمد يوسف إيجاد منافذ قانونيّة تحول دون استملاك أرض والده في عين الفيجة، البلدة التي تضم أهم نبع يزود العاصمة دمشق بمياه الشرب. «أرضي تسلب مني وأنا عاجز عن رفع المظلمة عن عائلتي، وعن أهالي بلدتي»، يقول الرجل لـ«صوت سوري».

يروي أحمد كيف هُدمت كثير من عقارات البلدة، ثم وضعت عليها إشارة استملاك لصالح «المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في محافظة دمشق»، وبغض النظر عن نوع الملكية (زراعية أو طابو أخضر).

يقول الرجل: «لم يكن أمامنا سوى طريق القضاء الإداري لإلغاء القرارات، قانون الاستملاك صدر بمرسوم ولذلك لا يُلغى إلا بموجب مرسوم، لكن واجهنا صعوبات كبيرة عرقلت التحرك قضائياً، لأن الأمر عبارة عن "تشبيح"، هُددنا بأننا سنحرم من دخول البلدة نهائياً إذا واصلنا في طريق المحاكم».

انتقامٌ «مقونن»

في العام 2018 صدر القانون رقم 1 الخاص بـ«إنشاء حرمين حول نبع الفيجة: حرم مباشر، وحرم غير مباشر». على أن يضم الحرم المباشر الأرض الواقعة حول المصدر المائي، التي تتيح الوصول إليه لصيانته والحفاظ على سلامته ومنع تلوثه. أما الحرم غير المباشر فيضم الأراضي المحيطة بالحرم المباشر للمصدر المائي، وتُحظر فيها نشاطات محددة لمنع تلوثه واستنزافه. 

قضى القانون باستملاك العقارات وأجزاء العقارات الواقعة ضمن الحرم المباشر وفق المخططات المرفقة بالقانون، وبموجب «تعويض معادل للقيمة الحقيقية للملكية»، حسب المادة الثالثة من القانون.

«واجهنا صعوبات كبيرة عرقلت التحرك قضائياً، لأن الأمر عبارة عن "تشبيح"، هُددنا بأننا سنحرم من دخول البلدة نهائياً إذا واصلنا في طريق المحاكم»

بذريعة «تنفيذ القانون» هدمت السلطات السورية السابقة منازل وأحياء سكنية كاملة في عين الفيجة، وحُرم كثير من السكان حقّ العودة إلى بيوتهم. 

ومع الأخذ في الاعتبار سياق المجريات الميدانيّة، يبدو قرار الاستملاك أقرب إلى كونه إجراءً انتقاميّاً. كانت المنطقة قد أُخضعت منذ العام 2012 لحصار خانق إثر خروجها عن سيطرة النظام، ولوحت فصائل المُعارضة أكثر من مرة بقطع المياه عن دمشق في سبيل الحصول على متطلبات أساسيّة تخفف من مفاعيل الحصار. في أواخر 2016 شنّت قوات النظام السابق وحلفاؤها عملية عسكرية أفضت إلى تضرر النبع والمنطقة بالعموم من جرّاء القصف المستمر، ثمّ دخلتها إثر اتفاق قضى بتهجير أكثر من 2000 شخص إلى الشمال السوري.

يعتقد أحمد أنّ إنشاء حرم حول النبع لم يكن سوى ذريعة، مؤكّداً أنّ النبع «لم يسبق له أن تلوّث بسبب الأهالي». 

في 28 آب 2022 أرسلت «المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي» في محافظة دمشق كتاباً إلى مختار بلدة عين الفيجة بريف دمشق، لتبليغ أصحاب عقارات في منطقتي دير مقرن وعين الفيجة العقاريتين، قرارَ استملاك عقاراتهم، استناداً إلى المادة التاسعة من قانون الاستملاك ذي الرقم 20 للعام 1983. صدر قرار الاستملاك عن مجلس الوزراء، وعدّ مئات العقارات «ذات نفع عام»، وقرّر استملاكها بصفة مستعجلة، لتنفيذ مشروع حرم حماية نبع الفيجة، ونُشِر القرار في الجريدة  الرسمية في عددها رقم 31 بتاريخ 24 آب 2022.

تؤكد المحامية غرام الحبش أنه «لا يحق للحكومة مباشرة إجراءات الهدم والتجريف قبل استكمال الإجراءات القانونية، كما أن القوة القاهرة التي وقعت على أبناء المنطقة وعرقلت مطالبتهم بحقوقهم أدت إلى ضياع الحقوق وسلبهم حقهم الدستوري والقانوني في حماية ممتلكاتهم». وتشير إلى أن القانون «ينص على تقدير قيم العقارات المستملكة، وإيداع البدل النقدي، ويؤدي عدم التقدير والإيداع إلى خلل في التطبيق»، وبناء على هذا الخلل «يُفترض أن يُبطل القرار».

انتهاك دستوري 

ينصّ دستور العام 2012 الذي كان نافذاً حتى سقوط النظام السابق على صون الملكيات الخاصة، وعدم جواز نزعها إلا للمنفعة العامة وفق مرسوم ومقابل تعويض عادل يجب أن يكون مكافئاً للقيمة الحقيقية للملكية (المادة 15). كما نصت المادة 154 من الدستور ذاته على بقاء «التشريعات النافذة والصادرة قبل إقرار هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تُعدل بما يتوافق مع أحكامه، على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية». 

يؤكد د. نجم الأحمد وزير العدل السابق أن قانون الاستملاك ينطوي على شبهات دستورية عديدة. ويشير على سبيل المثال إلى المادة 7 التي تنص على أن «مرسوم الاستملاك يصدر مبرماً لا يقبل أي طريق من طرق الطعن والمراجعة»، وهذا يخالف الفقرة 4 من المادة 51 من الدستور التي نصت على «حظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، بالتالي هذه المادة تخالف صراحة الدستور». 

لكن؛ لماذا لم يُدفع طوال أربعة عشر عاماً بعدم دستورية بعض مواد قانون الاستملاك؟ يجيب الدكتور خالد محمد الأستاذ المساعد في كلية الحقوق بجامعة دمشق بأن الأمر عائد إلى «عدم وجود إرادة حقيقية لتعديل قانون الاستملاك»، لأن هذا القانون «كان الأسلوب المتبع للاعتداء على الملكيات والأراضي، خاصة أن جهات وأشخاصاً متنفذين استفادوا من هذا القانون». 

كذلك؛ يشير محمد إلى أن القضاء السوري دأب على «النظر إلى قرارات الاستملاك بوصفها قرارات سيادية تصدر عن السلطة السياسية، ولم يستطع أن يأخذ مواقف جريئة بهذا الاتجاه، مع تدني المسؤولية الأخلاقية والمعنوية والأدبية والوطنية لدى المسؤولين»، فضلاً عن أن مفهوم المنفعة العامة «مفهوم غامض تستطيع الجهات العامة استخدامه بالطريقة التي تريدها، فالقانون منح في مادته الثانية حق الاستملاك لكل جهات القطاع العام بلا استثناء، وهذا يشمل حتى حزب البعث»!

أين المخططات والدراسات؟

حين تصدر قرارات استملاك تسلب الأملاك الخاصة، وكثيراً ما تطرد السكان من أملاكهم بذريعة «المنفعة العامة»، فأبسط ما يُفترض وجوده دراسة فعلية للمشاريع المرتبطة بخدمة المصلحة العامة المُراد تنفيذها، وهذا أمرٌ يغيب عن كل قرارات الاستملاك، وفق ما يؤكده د.خالد محمد، الذي يوضح أن «أهم الوثائق لم ينص عليها قانون الاستملاك، وهي مخططات للمشروع المراد تنفيذه والدراسات الإنشائية والإمكانات المادية وآلية تنفيذ هذه المخططات»،  بينما يقتصر القانون في مادته السابعة على الإشارة إلى «مخططات المساحات المراد استملاكها دون أي مخططات للمشروع».

«بعد هدم منازلنا في عين الفيجة وتحويلها إلى أنقاض، سرقوا الحديد ونقلوه إلى معمل م. ح في عدرا»

من أشد المظالم التي تتكرر في معظم حالات الاستملاك، تبرز المبالغ الزهيدة التي تُحدّد تعويضاً عن سلب الملكية، مع منح الجهة المستملكة سلطةً تقديرية مطلقة بدون أي ضابط. يرى د.نجم الأحمد وجوب أن «يكون التعويض عادلاً، لا بالسعر الذي تقدره الدولة أو الإدارة جزافاً، بل بناء على أسس موضوعية»، فيما على أرض الواقع تأتي معظم التعويضات «بخسة ولا توازي القيمة الحقيقية وفق السعر الرائج، وهذا أمر يخالف الدستور». 

وعلاوة على ذلك، ينص القانون على أن تسدد قيمة العقارات المستملكة لأصحاب الاستحقاق أو إيداعها في المصرف خلال خمس سنوات من تاريخ مرسوم الاستملاك، في انحياز للجهة المستملكة على حساب مالك العقار، بما يتنافى مع المبادئ التشريعية. يرى الأحمد أن السنوات الخمس «مدة طويلة»، إذ يجب أن يكون التعويض «عادلاً ويُدفع فوراً وفق السعر الرائج وقت الاستملاك، أو خلال مدة لا تتجاوز سنة في أحسن الأحوال بسبب تقلبات السعر والتضخم».

«المنفعة العامة» في الفيجة: الفرقة الرابعة

تتباين أهداف الاستملاك (المُعلنة والمُضمرة) بين منطقة وأخرى، تبعاً لمجموعة عوامل مثل أهداف الإدارة التي استملكت، والمنفعة العامة التي تريد تحقيقها، لكن عندما تمر مدة زمنية طويلة من دون وجود أي بوادر لتحقيق النفع العام، تغدو الحاجة ملحة للتساؤل عن السبب الحقيقي للاستملاك، لا سيّما أن نتائج الاستملاك أيضاً تختلف من منطقة إلى أخرى، ففي بعض المناطق تكون النتائج كارثية، مثل تهجير السكّان، ومنعهم التصرف بأملاكهم، أو هدمها بشكل كامل، ما يمهد الطريق لشخصيات متنفذة فاسدة للاستفادة منها.

يقول الطبيب باسم مصطفى وهو من سكان عين الفيجة: «لا يتلوث النبع بالقصف، وبتفجير ديناميت داخله (كما فعلوا)، لكنه يتلوث بسبب منازل وأراضي المواطنين القاطنين منذ مئات الأعوام؟!». يضيف مصطفى مؤكداً: «بعد هدم منازلنا وتحويلها إلى أنقاض، سرقوا الحديد ونقلوه إلى معمل م. ح في عدرا».

تتيح المادة 14 من قانون الاستملاك، للمالك أن يهدمَ بيته بنفسه خلال المدة التي تحددها له الجهة المستملكة، ويكون له الحق في هذه الحالة بأن يأخذ الأنقاض مقابل ذلك، أما إذا لم يُنفذ الهدم خلال المدة المحددة، فتتولى الجهة المستملكة هدم البناء وأخذ انقاضه. هذه المادة انتُهكت في حالة عين الفيجة، إذ باشرت السلطات إجراءات الهدم والتجريف قبل استكمال الإجراءات القانونية المرافقة لقرار الاستملاك، فلم تسمح للمواطنين بالدخول إلى البلدة نهائيّاً لا قبل الهدم، ولا أثناءه، ما تسبّب بـ«تعفيش» المنازل وسرقة أثاثها قبل الهدم، ثم أخذ الأنقاض بعد الهدم، ولا سيّما المعادن.

أنُشئ القصر الرئاسي في اللاذقيّة على أرض خاصة جرى استملاكها «للمنفعة العامة» بموجب مرسوم رئاسي صادر عن حافظ الأسد، ونُقلت الملكية من دون سداد ثمن الأرض لصاحبتها

يشرح تقرير لمعهد الجامعة الأوروبية بعنوان «شبكة اقتصاد الفرقة الرابعة خلال الصراع السوري» أن للفرقة الرابعة شركاء في تجارة الخردة، أبرزهم هو محمد حمشو المقرّب من ماهر الأسد. وفق التقرير «فرض المكتب الأمني للفرقة على الوسطاء المحليين بيع خردة المعادن المستولى عليها من مناطق العمليات العسكرية في دمشق وريفها بشكل حصري وبأسعار زهيدة» لشركة تتبع رجل الأعمال المشار إليه. 

تقع الشركة في منطقة عدرا الصناعية، حيث كانت المعادن تُصهر ويُعاد إنتاجها. يُقدر التقرير قيمة الأرباح المتحصلة من هذه التجارة بملايين الدولارات شهريّاً، ويخلص إلى أن «كميات الحديد المعاد صهرها أُبقيت في المستودعات لتغطية الطلب المحلي راهناً ومستقبلاً خلال إعادة الإعمار، فيما صُدّر الجزء الأكبر من خردة النحاس المعاد صهرها، إلى تركيا عبر الموانئ التي تشرف عليها الفرقة الرابعة».

ووفق «مركز التجارة الدولية» احتلت صادرات النحاس «المرتبة الأول بين صادرات الخام المعدنية السورية في 2017، بقيمة قاربت 14 مليون دولار أميركي»، في حين كان القسم المتبقي من النحاس يذهب لتغطية طلب السوق المحلية، عبر تعاقدات حكومية تُجير لصالح رجل الأعمال نفسه.

المنفعة العامة في الساحل: قصر رئاسي!

في الساحل السوري قد يختلف السبب الحقيقي للاستملاك بين قرية وأخرى، برغم استملاك   7273 عقاراً في الشريط الساحلي وبمساحة تقارب 50 ألف دونم تقريباً بذريعة واحدة هي تشييد منشآت سياحية.

في العام 1975 استُملكت أرض تعود ملكيّتها لوالدة زياد إلياس، تبلغ مساحتها نحو ثمانية دونمات، وتقع بين قرى الشبطلية وبرج إسلام وصليب التركمان. يشرح إلياس لـ«صوت سوري» أن الاستملاك وقع على الأرض بذريعة تشييد منشآت سياحية، شأنها شأن بقية الأراضي والعقارات التي شملها قرار الاستملاك وقتذاك. لاحقاً، تبيّن للعائلة أن الغاية من الاستملاك كانت «بناء القصر الرئاسي في اللاذقية»، على ما يؤكده إلياس.

«وضعت إشارة استملاك على الأرض، ولم يدفعوا لنا قيمة الأرض، ثم نقلوا الملكية من اسم والدتي لصالح الجمهورية العربية السورية بموجب محضر انتقال، رفعنا كتاباً إلى رئاسة الجمهورية لأن حافظ الأسد هو الذي أصدر القرار، لكن لم نستفد شيئاً»، يضيف الرجل.

أما في وادي قنديل، فيبدو أن السبب الحقيقي لقرار الاستملاك كان الاستيلاء على الأراضي، وتحويل ملكيّتها استناداً إلى المادة 35 من قانون الاستملاك. 

يروي سلوان علو، وهو أحد سكان قرية وادي قنديل: «وُضعت إشارة استملاك على أراضي القرية، ومنها أرضي التي تضم مزرعة دواجن ومعمل أعلاف». في العام 2007 شُكلت لجنة لتقدير ثمن العقارات في وادي قنديل، لكن اللجنة «لم تضع تقديراً لأثمان المنازل أو منشآت الدواجن والأعلاف، لأنها اعتبرتها مُخالفة رغم وجود رخص نظامية». 

يؤكد علو أن السكان يعرفون أن الغاية النهائية من الاستملاك الاستيلاء على أراضيهم ثم بيعها لمتنفذين. ويشرح قائلاً: «وفق المرسوم رقم 2198 للعام 1975 تقرر الاستملاك للضرورة الملحة لتنفيذ المشاريع السياحية المقررة بالخطة الوطنية للسياحة»، لكن أي ضرورة مُلحة هذه وحتى اليوم لم يُنفذ أي مشروع سياحي بعد نصف قرن من المرسوم؟! 

يضيف علو: «السبب الحقيقي هو استملاك عقارات ومنازل قرية وادي قنديل، وتهجير أصحابها منها، ثم إعادة بيعها لأشخاص متنفذين، أو أصحاب رؤوس أموال، بموجب المادة 35 من القانون 20 للعام 1983، الذي يُجيز للجهة المستملكة إعادة بيع الأرض بالسعر الذي تحدده».

تنص الفقرة 1 من تلك المادة على أنه «إذا استُملكت عقارات للنفع العام وخُصصت في الواقع لذلك، ثم زالت صفة النفع العام عنها، فتعتبر تلك العقارات من الأملاك الخاصة للدولة، ويجري تسجيلها في السجل العقاري باسم الجهة العامة المستملكة، بناء على قرار من الجهة التي كانت قد استملكت العقار أو العقارات للنفع العام، ويحق لهذه الجهة التصرف بهذه العقارات بكل وجوه التصرف». 

فيما تقول الفقرة 2: «إذا كانت العقارات المستملكة التي زالت عنها صفة النفع العام أرضاً زراعية بالأصل، وتبيّن حين صدور قرار الجهة المستملكة بالتصرف بها بيعاً، وفقاً لما ورد في الفقرة الأولى من هذه المادة أنها ما زالت أرضاً زراعية صالحة للاستثمار، يكون لمالكيها السابقين التي استُملكت منهم أولوية في شرائها إذا قبلوا بالثمن الذي تُحدده الجهة المُستملِكة».

يقول علو: «المالك الأساسي لن يستطيع إعادة شراء أرضه التي استُملكت بأبخس الأثمان، وسيعاد بيعها بأسعار عالية ليس في مقدوره دفع ثمنها، وبذلك تكون أملاكه قد سلبت بطريقة قانونية. جميع المناطق المستملكة في الساحل تتمتع بمزايا سياحية مهمة، وجميع الأراضي صالحة للاستثمار الزراعي والسياحي». 

لا حلول سريعة

على امتداد عقود تضرّرت آلاف العائلات من قرارات الاستملاك في مختلف مناطق البلاد. اليوم، يأمل كثرٌ من المتضررين باستعادة حقوقهم المسلوبة، أو على الأقل الحصول على تعويضات عادلة بعد سقوط النظام الذي سنّ كل ما يلزمه من تشريعات للاستيلاء على الملكيات الخاصة. لكن، ما الحلول المتاحة في ظل الفوضى القانونية التي تعيشها البلاد؟ وهل هناك فرصةٌ بالفعل؟ ومتى قد يُمكن تعديل المسار؟

يقول المحامي والباحث القانوني عارف الشعال لـ«صوت سوري» إنّ «انتصار الثورة يُسقط الدستور ويُسقط معه السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكن القوانين تبقى سارية إلى أن تُعدل أو تُلغى من قبل جهة تتولى سلطة التشريع، تسميها السلطة الثورية عبر ما يعرف بالإعلان الدستوري».

حتى اليوم، مع انتصاف الشهر الثالث بعد سقوط النظام لم يصدر إعلان دستوري، وهذا يعني بالتالي «عدم وجود جهة تملك سلطة التشريع (القانوني)، وبالتالي لا يمكن إجراء تعديلات على أي قانون حالياً».

ما سبق، لا يعني أن الأمور يمكن حلّها بمجرد صدور إعلان دستوري، وإناطة سلطة التشريع بجهة مُحدّدة، فالموضوع «شائك ومعقد و يحتاج وقتاً طويلاً لمعالجته»، يقول الشعّال، ويضيف شارحاً: «لا بد من تشكيل لجنة من خبراء قانونيين، كقضاة مجلس الدولة، ومندوب عن مجلس الوزراء، وأساتذة في القانون العام، وممثل عن نقابة المحامين، لتدرس القانون ثمّ تعدّ توصيات بشأن تعديله، في بعض الحالات التي نُفِذ فيها الاستملاك ودُفع البدل ونُقلت الملكية إلى اسم الدولة وتصرفت الجهات المُستملكة بالعقارات يمكن إقرار تعويضات عن الضرر الذي وقع، لكننا نتعامل مع حكومة مؤقتة ولا تمتلك وفرة من المال للتعويض، الأمر قد يحتاج سنوات للنظر في هذا القانون، حتى تستقر الدولة وتستتبّ الحياة الدستورية».

أُنجز هذا التحقيق في إطار برنامج تدريبي لموقع صوت سوري

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0