وضاح ذ. الأشقري
الصورة: (من أحد أسواق إدلب في رمضان - صفحة محافظة إدلب على فايسبوك)
لم تكن أم حسن، التي تقيم في ريف إدلب، تدرك أن حرمان طفلها البكر من «الخرجية» سيدفعه إلى سرقة مصاغها الذهبي وبيعه في السوق للحصول على بعض المال، فلطالما اعتقدت أن «الحرمان هو أفضل وسيلة للتربية» كما تقول لـ «صوت سوري»، ضاربة عرض الحائط بكل النظريات التربوية التي تدعو إلى الاعتدال المادي مع الأبناء.
وإذا كانت أم حسن قد قلصت «خرجية» طفلها لأسباب غير مادية، كونها تنحدر من أسرة ميسورة الحال، فإن آلاف الأطفال في المحافظة الشماليّة لا يحصلون على مصروف يومي كاف من ذويهم، شأنهم شأن أطفال عديد المحافظات السورية الأخرى، إذ يُرخي الفقر بظلاله على النسبة الأكبر من السكان، وفق ما تؤكده الرقام والإحصاءات المحليّة والدوليّة.
على قدر بساطك..
«ليرتان (تُركيتان) لا تكفيان، لكن ما باليد حيلة» تقول لمى، وهي ربة منزل، اعتادت أن تُنفق عشر ليرات تركيّة يوميّاً «خرجيّات» لأطفالها الخمسة.
تقول لمى: «خرجية الطفل لا يجب أن تقل عن 10 ليرات (تركية) يوميّاً، لكن الظروف المادية القاسية التي تعيشها أسرتي تجبرني على جعل أطفالي يتقاسمون مصروف طفل واحد»، مشيرة إلى أن «الخرجية القليلة أفضل من عدم منح المال للطفل، على أمل أن تتحسن ظروفنا المادية يوماً ما وأعطيهم أكثر».
لا تقتصر أسباب التفاوت على الأحوال الماديّة لذوي الطفل، بل يُضاف أيضاً عدد الأطفال داخل الأسرة الواحدة
أما ردينة، وهي أم لثلاثة أطفال، فتلجأ إلى منح «الخرجيّة» لأطفالها مرّة كل يومين، في ظل حالة التردي المعيشي التي تعانيه أسرتها، وتشرح قائلة: «يحصل كل طفل على 5 ليرات، هذا مبلغ قليل، لكن كما يقول المثل: على قدر بساطك مد رجليك».
ثلث الراتب للأطفال
يراوح المصروف اليومي للطفل في إدلب من ليرتين إلى 25 ليرة (تركية)، ورغم أن أعلى سقف للـ«خرجية» يعتبر كبيراً محلياً، فإنه فعليّاً لا يتجاوز 70 سنتاً أميركيّاً.
ومع ذلك، يشكو الآباء، لا سيما العاملون بالمياومة، وهم الشريحة الأوسع انتشاراً في الشمال الغربي، من عدم قدرتهم على دفع «خرجيّات» أولادهم خاصة في حال كان عدد أفراد الأسرة كبيراً.
يؤكد أبو عدنان، أحد العمال في ورشة للخياطة بريف إدلب، أن مجموع مصاريف أطفاله الأربعة يعادل 30% من دخله اليومي، لافتاً إلى أنه لا يريد حرمان صغاره من «الخرجية» برغم أنها تستهلكه ماليّاً، فالطفل «يشعر بحرمان شديد عندما يشاهد زميله في المدرسة، أو جاره في الحارة يشتري الأكلات الطيبة والمشروبات والآيس كريم.. وهذا ما أحاول تجنيب أطفالي إياه».
المدارس تفاقم المشكلة
رغم أن معاناة الأهالي مع «الخرجية» تستمر ما دام مستوى الدخل محدوداً، فإنها تكون شديدة الوقع على الوالدين والطفل على حد سواء عند افتتاح العام الدراسي، إذ يطّلع الأطفال على المستويات المتفاوتة لما بجعبة كل أحد منهم، ما يوقع التلاميذ الفقراء في حالة نفسية سيئة.
حول هذه الفكرة توضح لمياء، وهي معلمة في إحدى المدارس العامة بمدينة إدلب أن «مصاريف العام الدراسي لا تتوقف عند القرطاسية وتأمين الكتب والملابس والأقساط السنوية للتعليم الخاص، بل هنالك عبء مالي يومي يتمثل في مصروف الطفل، الذي غالباً ما يجعله عرضة للمقارنة بأطفال آخرين».
تضيف لمياء أنها دائماً ما تتلقى شكاوى من بعض أولياء أمور التلاميذ تطلب إيجاد حل لمسألة مصاريف الأطفال المنحدرين من عائلات غنية أو ميسورة، لأن «هؤلاء الأطفال يصرفون مبالغ كبيرة مقارنة بزملائهم المعدمين، أو يحضرون معهم فاكهة وحلويات وسندويشات تسيل لعاب زملائهم وتشعرهم بالحرمان».
ولا تقتصر أسباب التفاوت على الأحوال الماديّة لذوي الطفل، بل يُضاف أيضاً عدد الأطفال داخل الأسرة الواحدة، فالهوامش التي يتيحها الدخل المحدود ليست كبيرة، والفارق يظهر حين توزّع الأسرة هذه الهوامش المالية بين طفلين، أو بين خمسة أطفال مثلاً.
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0