× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

تعالوا نتعلم من تجربة وقفة المرجة

عقل بارد - على الطاولة 16-03-2025

من بين الدروس الأكثر أهمية التي ينبغي استخلاصها أن العمل الوطني بشكلٍ عام، وضمناً السياسي والإنساني، لا يمكن أن يحصل بشكلٍ متقطع، وكاستجابة فوريةٍ للظروف الطارئة؛ فمهما كان التحضير جيداً، سيبقى محصوراً في إطار «رد الفعل» على «فعلٍ» طارئ

أظنّ أنك شاهدت بعض الصور والفيديوهات، أو قرأت بعض الأخبار المكتوبة حول الوقفة التي نُظمت يوم الأحد 9 آذار/مارس، الساعة الثانية ظهراً في ساحة المرجة بدمشق.

القصة باختصار أن مجموعة من الناشطين والناشطات، ومن الجمعيات والمنظمات والأحزاب، وفي إطار التفاعل مع ما شهده الساحل السوري، دعت إلى وقفة صامتة في كلّ من ساحة المرجة بدمشق، وساحة الكرامة في السويداء. جاء في نص الدعوة: «نحن مجموعة من السوريين والسوريات، ندعوكم غداً لنعلن رفضنا وإدانتنا لكل الجرائم التي حصلت خلال الأيام الماضية بحق المدنيين/ات وعناصر جهاز الأمن العام في مناطق الساحل السوري. نعلن حدادنا على أرواح كل الشهداء. نطالب بتحييد المدنيين/ات عن أي عمليات عسكرية. فتح تحقيق بكل الانتهاكات الحاصلة. وقف التصعيد. محاسبة العناصر المسؤولة. والتأكيد على وحدة واستقرار البلاد».

في الموعد المحدد، تجمع عشرات ممن استجابوا للدعوة (ربما كان العدد أكبر من ذلك، لكنني لست خبيرة في إحصاء الأعداد). من الوجوه المعروفة التي شاركت، كانت الفنانة يارا صبري والفنان ماهر صليبي وعميد السجناء السوريين رغيد الططري الذي قضى 43 عاماً في سجون النظام السابق، إضافة إلى وجوه معروفة ضمن الأوساط الثقافية والفنية، وعدد من الناشطين والناشطات. وكانت السمة الغالبة على الحضور أن لمعظمهم مواقف معارضة واضحة وقديمة من النظام السابق.

أهم اللافتات التي رفعها المشاركون ضمن الوقفة:

  • «ضدّ استهداف المدنيين وقوى الأمن العام»
  • «ندين قتل المدنيّين والاستهداف الطائفي بكل أشكاله، كما ندين جرائم فلول الأسد»
  • «دم السوري على السوري حرام»
  • «ضد الطائفية، سوريا للجميع»
  • «لن يفرقنا دين أو طائفة»
  • «طائفتي سوريا وأخجل أمام أهلي في الساحل»
  • «لا لتخريب مشروع الدولة، نعم لإيقاف قتل الأبرياء»
  • «الثورة السورية لا تقبل الظلم»
  • «شعار ثورتنا الأول: الشعب السوري ما بينذل»
  • «الدم السوري أمانة، والمحاسبة هي السبيل للعدالة»
  • «دماء السوريين والسوريات ليست رخيصة! حاسبوا المجرمين»
  • «سوريا بدها ولادها عايشين مو تحت التراب»
  • «لا للتحريض الطائفي»
  • «لا نريد لأي أمّ سوريّة أن تعيش الفَقد»
  • «دفن الضحايا حق، وقف التصعيد واجب»
  • «أوقفوا القَتل، نريد أن نبني وطناً لكل السوريين»
  • «شهداء الأمن العام أولادنا، قلوبنا مع أمهاتهم»
  • «نريد محاكمة المجرمين»
  • «لا سلام حقيقي بدون عدالة انتقالية»

بعد وقت قصيرٍ من بداية الوقفة، اقترب شبّان كانوا في الساحة من المعتصمين، وفتحوا معهم نقاشاً راوح بين الهادئ والمتوتر، لكن سرعان ما ارتفع التوتر ليتشكل «شارعٌ مضاد»، ومن ثم ظهرت هتافات طائفية، رد عليها المعتصمون بهتاف «الشعب السوري واحد»، لتنزلق الأمور إلى هجومٍ غاضب من الشارع المضاد لتفريق المعتصمين، وليتدخل الأمن العام مطلقاً الرصاص في الهواء ومفرقاً الجميع، والحمد لله أنه لم تحصل إصابات خطيرة لأي من المشتركين أو المهاجمين أو عناصر الأمن العام.

من الأحداث الطريفة والموحية التي جرت، أن أحد الشبان الذين استفزتهم الوقفة وافترضوا أنها «معارضةٌ للسلطة الجديدة» أو أنها «مؤيدة للفلول»، وجه كلامه إلى رغيد الططري مقرّعاً إياه بالقول: «إنت وين كنت خلال الـ 14 سنة الماضية؟»، فرد الططري بابتسامة وادعة ومتفهمة يمتاز بها، وانبرى بعض من كان واقفاً حوله ليشرح للشاب الغاضب «وين كان» الططري خلال الـ 14 سنة الماضية.

تقييم النشاط

بعد انفراط عقد الوقفة بالشكل المؤسف الذي جرى، تفرق المشاركون والمشاركات وفي القلوب والحلوق غصة حارقة وحزنٌ أضيفَ إلى الحزن الذي كانوا يشعرون به أساساً بسبب الأحداث المؤسفة التي كانت دائرة في الساحل السوري.

مع ذلك، وبعد أن التقطوا أنفاسهم، تجمعوا في اليوم نفسه ضمن مجموعات صغيرة، في البيوت والمقاهي، لمناقشة ما جرى وتقييمه. وكان لي الحظ بأن أكون في إحدى تلك الجلسات التي ضمت نحو 10 ممن شاركوا.

هل ما جرى أمرٌ عفوي نتج عن عدم فهم أناسٍ عاديين كانوا في المكان للرسالة التي يحملها المعتصمون؟ أم أنه مدفوعٌ من جانب جهات في السلطة؟ أم هو مزيجٌ من هذا وذاك؟ 

لم يستطع الجميع، ضمن الجلسة التي كنت فيها، الوصول إلى اتفاقٍ على تقييمٍ موحدٍ واضح حول نجاح أو فشل النشاط في تحقيق غايته، ولكن الرأي الغالب كان أنه فشل.

بين العوامل التي عُدّت سبباً في فشل أو على الأقل عدم نجاح النشاط:

  • أولاً: اختيار المكان كان خاطئاً، لأنه شديد الازدحام مع العلم المسبق بأن عدد المشاركين لن يكون كبيراً بحيث يفرض جواً عاماً إيجابياً. ويوجد ضمن هذا المكان المزدحم بشكلٍ دائمٍ، عدد كبير من الشبان المتحمسين ممن هم في مقتبل العمر، ولا يمتلك كثير منهم خلفية كافيةً عن السنوات الـ14 الماضية أو ما قبلها، وما جرى خلالها.
  • ثانياً: اختيار التوقيت أيضاً كان خاطئاً، لأنه يعزز العامل الأول؛ فالثانية ظهراً هي ذروة للازدحام في هذا المكان.
  • ثالثاً: التحضير للوقفة لم يكن كافياً، وكان ينبغي الاتفاق على كيفية التعامل مع السيناريوهات المختلفة المتوقعة، ولكن الوقت كان ضاغطاً بشدة، ورأى المشاركون أن التأجيل لم يكن خياراً، انطلاقاً من المسؤولية الإنسانية والأخلاقية والوطنية.
  • رابعاً: تركيبة الحضور كانت ذات طابعٍ عامٍ متشابه إلى حدٍ ما؛ وكما أشرت في البداية، فقد كان هنالك عدد مهم من وجوه الثقافة والفن ومن الشباب الأكاديمي، أي أن طبيعة الحضور كانت «نخبوية» إلى حد ما. وكان مطلوباً تحقيق تنوعٍ أعلى ضمن الحضور، بحيث تشترك قطاعات أوسع من الناس، بما في ذلك أطباء مثلاً بزيهم الأبيض، وربما رجال دين، وإلخ..

كذلك لم يتمكن المجتمعون من الوصول إلى رأي موحد حول السؤال التالي: هل ما جرى هو أمرٌ عفوي نتج عن عدم فهم أناسٍ عاديين كانوا في المكان للرسالة التي يحملها المعتصمون؟ أم أنه مدفوعٌ من جانب جهات في السلطة؟ أم هو مزيجٌ من هذا وذاك؟ مع ترجيح الرأي الأخير بين المجتمعين.

رأي شخصي

رأيي الشخصي أن التجربة نجحت. هي على الأقل نجحت بوصفها تجربةً يمكننا التعلم منها لتكون تجاربنا اللاحقة أفضل وأنجح.

وعلاوة على اتفاقي إلى حدٍ بعيد مع الآراء التي نقلتها أعلاه، أعتقد أن بين الدروس الأكثر أهمية التي ينبغي استخلاصها أن العمل الوطني بشكلٍ عام، وضمناً السياسي والإنساني، لا يمكن أن يحصل بشكلٍ متقطع، وكاستجابة فوريةٍ للظروف الطارئة؛ فمهما كان التحضير جيداً، سيبقى محصوراً في إطار «رد الفعل» على «فعلٍ» طارئ. بينما المطلوب ليس عملاً «موسمياً»، بل عملٌ متواصل ويوميٌ ومنظمٌ. وربما بالأهمية نفسها، أن هذا العمل ينبغي ألا يبقى محصوراً في «الأطر النخبوية»؛ فأنا مقتنعة تماماً بأن معظم الشبان الذين هاجموا الوقفة قد فهموا الرسالة بشكلٍ خاطئ، ولو جرى التواصل معهم فرادى أو مجموعات، والنقاش الهادئ معهم في البيوت والساحات والمقاهي والمعامل وفي كل مكان، لكان من الممكن بالتأكيد إقناع جزء كبيرٍ منهم بأهمية الرسالة وبصلاحها وأحقيتها.

بعبارات بسيطة، يمكنني القول: إنّ النخب، مهما بلغ نبل الرسائل التي تعمل من أجلها، فهي إذا لم تتمكن من الوصول إلى عموم السوريين عبر تبسيط لغتها وتوضيحها، ولم تتمكن من إدماج عموم السوريين في النشاط الوطني العام المنظم بأشكاله المختلفة، ستفقد وظيفتها المفترضة، وتتحول إلى فئة معزولة قليلة القدرة على التأثير في مجرى الأمور.

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0