وضاح ذ. الأشقري
بشغف بالغ، يتابع أبو حمدو، الكهل الخمسيني ابن مدينة دمشق، القرارات الصادرة عن السلطة السورية الجديدة خلال الفترة الماضية، عازياً شعور الفرحة الذي يساوره إلى أنه «وأخيراً باتت لدينا سلطة تعيش همومنا». يشاطره الرأي مواطنون آخرون ممن يستندون إلى أن «كادر السلطة وموظفيها الجدد نابع من الناس ولا يتكون من شخصيات شبه ملكية ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب».
يشعر أبو حمدو، ونظراؤه بالرضا عن كل ما فعلته السلطة حتى الآن، وعلى رأس هذه الملفات مؤتمر النصر الذي نصب أحمد الشرع رئيساً، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ومسودة الإعلان الدستوري، يضاف إلى ذلك التغييرات الواسعة التي لحقت بيروقراطية الدولة الإدارية والعسكرية، مع كونها قد أدت إلى تسريح آلاف الموظفين والموظفات، بيدَ أن الزاوية التي ينظر من خلالها هؤلاء إلى القضية هي زاوية «بناء دولة جديدة»، على ما يؤكد كثر منهم.
في المقلب الآخر، تبدو مشاعر السرور التي يظهرها أبو حمدو «عاطفية وليست نابعة عن محاكمة منطقية محايدة». وهناك من يرى أن مؤتمري النصر والحوار عبارة عن «مسرحية ظاهرة الفشل»، وانغماس السلطة الجديدة في تحييد قسم كبير جداً من موظفي الدولة يعد «قراراً خاطئاً ومنبثقاً عن جهل بأدوات الحكم»، كما يهدف إلى «انتهاز الفرص لتعيين كوادر من لون واحد».
ماجد (اسم مستعار) واحد من أصحاب هذا الرأي، وهو موظف حكومي سابق من إدلب، كان يقيم في دمشق حيث يعمل موظفاً في البريد، وقد سُرح من وظيفته على خلفية اعتباره مؤيداً للنظام السابق.
ينتقد ماجد التسريحات التي شملت الموظفين المدنيين، معتبراً أنها «قرارات ظالمة وجائرة» مع تفهمه لتسريح آلاف العسكريين؛ لأن «أي سلطة جديدة تسعى إلى تثبيت أركانها وتلافي أي محاولة انقلابية صادرة عن العسكر»، لكنه يتساءل: ما ذنب الموظفين المدنيين؟
غالباً ما يجري تحليل المجتمع السوري ضمن أطر ضيقة، دينية وطائفية أو عرقيّة، مع إغفال حقيقة أن انقسام الجغرافيا إلى ما يشبه كانتونات مُغلقة قد يكون أحد حوامل تباين المواقف تجاه السلطة الجديدة
ليلى، (اسم مستعار) سيدة مهجرة من ريف دمشق، تقبل بالشرع رئيساً انتقالياً، لكن بشرط «تحديد مدة هذه المرحلة»، وأن تكون مستندة إلى مبادئ وأسس واضحة ومؤقتة.
كانت ليلى تنشط في إحدى منظمات المجتمع المدني في إدلب، وانتقلت أخيراً إلى الريف الدمشقي، ولا تخفي هواجسها المتعلقة بتغول السلطة في المجتمع المدني، خصوصاً في ظل تعيينات «شملت عدداً من النقابات والاتحادات التي يفترض أن ينتخب أعضاؤها وأمناؤها لا أن يجري تنصيبهم بواسطة السلطة»، لافتة إلى أن «هذه الإجراءات والتجربة القصيرة غير المثمرة لمؤتمر الحوار الوطني قد تخبرنا عن نوعية الحكم الذي ينتظرنا في المرحلة الانتقالية وربما المراحل اللاحقة لها».
إحدى المبررات لهواجس ليلى هي تجربة حكم «هيئة تحرير الشام» وحكومة الإنقاذ في إدلب، فتغوّل الأمن العام كان أحد أبرز مظاهرها، ومن هذا المنطلق تخشى تكرار التجربة على نطاق أوسع.
بعض المواطنين لا يزالون في وضع الحياد تجاه السلطة، وهذا قد يعبر عن وجهة نظر قسم كبير من سكان المناطق التي كانت تحت إدارة النظام السابق، وهو موقف مبرر نظراً لكونهم يتابعون مجريات الأحداث ليحكموا على نوعية وشكل الحكم الجديد، قبل أن يبدوا أي موقف سياسي مؤيد أو معارض للسلطة.
يعتبر نبيل، (اسم مستعار) وهو صاحب متجر غذائيات وتبغ في مدينة حلب، أن الوقت لا يزال مبكراً للحكم على السلطة واتخاذ موقف منها، وبرغم ذلك لا يخفي سعادته بالتخلص من «النظام المافياوي الذي كان يدير البلد بمنطق العصابة»، وفقا لتعبيره.
يؤكد الرجل أن المطالبة بحكم ديمقراطي ودولة المواطنة والمساواة، كما يقولون على فيسبوك، هو أمر مثالي يصعب تحقيقه في بلد مدمر؛ كان وربما لا يزال يعيش صراعاً يحمل بعداً طائفياً ولو كان غير معلن، مؤكداً أن «البلد بحاجة إلى فترة استراحة.. الاقتصاد الآن أولوية أما المسائل السياسية فلها أصحابها».
ينطلق ضيوف هذا التقرير في التعبير عن آرائهم ومواقفهم السياسية من بيئات مختلفة نوعاً ما، ولا يعني ذلك بالضرورة أنها ذات لون ديني أو قومي أو إثني، بل هناك مجتمعات جديدة كرستها الحرب وفق ثنائية «مناطق الثورة ومناطق النظام»، وهي لا تحظى بالملاحظة الفعلية أثناء تحليل المجتمع السوري، إذ جرت العادة على تحليل الثنائيات المتضادة ضمن أطر ضيقة غالباً ما تكون دينية وطائفية أو عرقيّة، مع إغفال حقيقة أن انقسام الجغرافيا إلى ما يشبه كانتونات مُغلقة قد يكون أحد حوامل تباين المواقف تجاه السلطة الجديدة.
وبناء على هذه الثنائية، تُمكن ملاحظة أن سكان الشمال السوري مثلاً يبنون معارضتهم للسلطة الحالية أو تأييدهم لها على مواقفهم التي سبق أن كوّنوها من خلال تجربة إدلب، بينما يلجأ كثير من سكان مناطق النظام السابق في الأغلب إلى الحياد أو التأييد الشكلي للسلطة بدافع الخوف من وصمهم بصفة «الفلول»؛ المصطلح المتداول بكثافة وبدون تدقيق في أحيان كثيرة.
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0