لمى نور
هل يمكننا حقاً امتلاك حريتنا بالمطلق؟ تدرك كل امرأة في مجتمعنا جيداً أن سعيها إلى الحرية قد يعني فقدانها الأمان ثمناً لكل خطوة تسلكها.
كثيرات هن الفتيات اللواتي قررن في لحظة من حياتهنّ التمرد على القيود التي تعيق حركتهنّ، والمغامرة بأمانهن في سبيل معرفة أكبر وتجربة أغنى، لكن من تمكنّ من المضي للأقصى كنّ أقلّ، فيما بقيت الغالبية عالقة في المنتصف بين رغبة بالحرية وخوف من الخسارات التي ترافق ذلك، وفقدان الأمان والتحديات التي قد تواجهها.
تتحدث لميس (اسم مستعار) عن خوفها من تذوق الحرية، قائلة: «في بداية العشرينيات من عمري كنت أشعر بالحماس تجاه الحياة، وأحب اختبار كل شيء. عندما بلغت الثلاثين وجدت نفسي لم أنجز الأشياء التي أردتها لأسباب كثيرة أهمها؛ عدم قدرتي على تجاوز الحدود التي وضعت لي، حتى إنني كنت عاجزة عن أفعال بسيطة بسبب الخوف، كأن أقود دراجة هوائية أو أرتدي الثياب التي أحبها».
تنقسم الضغوط التي تتعرض لها المرأة إلى خارجية ترتبط بالضوابط والمعتقدات والأخلاقيات السائدة والسلطات بأنواعها، وأخرى داخلية وهي الأهم، تتمثل بنظرة المرأة إلى ذاتها وقدراتها وخوفها وشجاعتها وإيمانها بنفسها.
الخارج وتأثيره على حرية النساء
يبدو صعباً الفصل بين الحريتين الفردية والمجتمعية، فمن غير الممكن أن تكون المرأة حرة في مجتمع يتصف بعكس ذلك، ومهما حاولت تخطي الحدود التي رسمها لها؛ تبقى مقيدة بردود فعله على تصرفاتها وتصنيفها أخلاقياً بما يتناسب مع مبادئ هذا المجتمع.
الحرية تعني أن تحمل المرأة مسؤولية حياتها كاملة، وأن تسعى وراء أهدافها الخاصة، أن تنجح وتفشل وتخطئ. يمكن لبعض النساء في مجتمعنا أن يكن حُرّات في التعلم والعمل وتحقيق طموحاتهنّ، لكن تلك الحرية تسقط عندما يرتكبن خطأ ما تفرضه عليهن التجربة والحياة.
لذلك تحاول كثير من النساء أن يكن حذرات في كل خطوة، وإذا تخلين عن ذلك؛ يواجهنَ وصمهنّ بصفات سلبية من قبل مجتمعاتهنّ. هذا الحذر مصدره الخوف مما يمكن أن يحدث أو يقال أو يواجهن به، فحريتهن تبقى دائماً محكومة بالقلق، ويتراجعن عن المضي فيها عند أي معوق يعترض طريقهن.
يبدأ طريق الحرية بتفكيك بنية النظام الأبوي، لكن هذا يستدعي الدخول في معارك أكبر وأشرس، وقد يُعد جريمة تحاسب عليها الأنثى بمختلف أشكال العنف
تتحدث سمر (اسم مستعار)، وهي طالبة في كلية التربية عن تجربتها في تجاوز قوالب المجتمع: «نحاول أنا وغيري من الفتيات أن نكون حُرّات في حياتنا وقراراتنا، ولكن لا يمكن أن نتجاوز كل القيود دفعة واحدة. أرغب في تحمل مسؤولية حياتي والقدرة على اتخاذ أي قرار، لكنني أخاف دائماً من العواقب».
الأمان الاقتصادي سبب آخر للخوف
ربما كان أهم شروط فوز أي فرد بالحرية هو تحقيقه للأمن الاقتصادي، أي قدرته على كسب دخل ثابت يؤمن له جميع حاجياته المعيشية الأساسية، يقف هذا الأمر عائقاً أمام النساء في تحقيق حريتهن الفردية، فكثيرات منهن لا يُسمح لهنّ بالتعلم أو العمل أو حتى ممارسة مهنة، وذلك لأسباب تتعلق بأعراف مجتمعاتهن وطرائق تفكيرها.
أما اللواتي تجاوزن هذه الحدود واستطعن ممارسة العمل والخروج والحصول على مردود مادي، فاصطدمن بغلاء المعيشة والصعوبات في إيجاد فرص عمل مناسبة مع تدني الأجور وارتفاع الأسعار، الأمر الذي قد يدفع بعض النساء إلى التخلي عن السعي لتحقيق هذه الحرية، والخضوع لأسلوب الحياة التقليدي بإيجاد زوج وتكوين أسرة والاكتفاء بكون واحدتهنّ ربّة منزل.
أسباب نفسية وراء الخوف
وُصمت المرأة عبر الزمن بـ«الدونية»، فهي عاشت لعصور حبيسة فكرة مفادها أنها أقل ذكاء من الرجل ولا يمكنها التصدي للمهمات التي نٌّمطت ضمن أدوار ذكورية، لتتوارثها الأجيال وتضع النساء ضمن قوالب جاهزة صنيعة المجتمع.
وحتى إن وصلن إلى قناعة بقدراتهن وما يمكنهن إنجازه، قد تخرج هذه الفكرة من العدم لتخلق لديهن خوفاً في حياتهن حتى وإن كنّ قد حققن الكثير من الإنجازات. لا ينطبق هذا الكلام على جميع النساء، لكن هذا الخوف يعتريهن أمام كل تجربة جديدة متمثلاً في الشك الدائم بمقدراتهن.
الناشطة النسوية والطبيبة النفسية مرح عزقول تشرح الأسباب النفسية وراء الخوف: «تميل بعض المراجِعات اللواتي أشاهدهن في العيادة النفسيّة، على اختلاف ثقافاتهنّ، إلى القبول بالعيش في ظروف اجتماعية ضاغطة، وضمن جو أسري مشحون بالمشكلات والصعوبات، وتحمّل كل هذه الأعباء بسبب خوفهن من اتخاذ قرار الانفصال الذي يحمل مسؤولية أكبر، حتى في ظل تحقيق الاستقلال المادي، تخاف بعض النساء من فكرة بقائِهنّ وحيدات، بسبب نظرة المجتمع المقيتة إلى المرأة غير المتزوجة أو المطلّقة، والحاجة الماسة إلى وجود شريك وإن كان يفرض هيمنته الذكورية».
وعن العوائق أمام حرية النساء تقول عزقول: «تتوق النساء إلى الحرية وخاصة في ظل نظام أبوي يقمع حرياتهن ويفرض قيوداً عديدة في المجالات كافة، وبداية طريق الوصول إلى الحرية هي تفكيك بنية هذا النظام، إلا أن ذلك يستدعي الدخول في معارك أكبر وأشرس، فأي محاولة للخروج من كنف هذا التحكم تعتبر تمرداً، وقد تُعد جريمة تحاسب عليها الأنثى بمختلف أشكال العنف الجسدي والنفسي والاجتماعي».
التوق إلى الحريات الفكرية والجنسية والاجتماعية أمر جذّاب، لكن الخسارات التي ترافق السعي خلف هذه الحرية تعزز القلق والخوف وانعدام الأمان والشعور بالعزلة وفقدان المعنى، ما قد يدفع النساء للقبول ببعض هذه القيود للتماهي مع محيط لا يحبذ الاختلاف.
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0