نور اليحيى
الرّسم: (Galym Boranbayev - كارتون موفمينت)
مرحباً.. اسمي نور اليحيى، عمري 16 عاماً. أعيش في مخيمات قاح في الشمال السوري.
نشأتُ في قرية صغيرة، نائية وجميلة اسمها «حاس». كنت أعيش مع أسرتي في بيت بسيط، كانت حال عيشنا متوسطة. تتألف أسرتي من ستة أفراد: أبي وأمي، وأنا وإخوتي الثلاثة، أنا الأخت الكبرى، أخي مصطفى هو الأخ الأصغر مني سنّاً، يأتي بعده أخي محمد، ثم أختي رهف، وآخر العنقود أحمد.
كانت حياتنا جميلة يغمرها الحب، لا نفترق أبداً. ذات يوم، حين كنت في الصف الخامس الابتدائي راحت الطائرات تقصف بلدتنا الصغيرة. شيئاً فشيئاً صارت الأمور تزداد سوءاً، تكرّرت أيام القصف، وبدأ النزوح من القرية. عانينا الكثير من الخوف والجوع والألم، ثم حسمنا أمرنا وقررنا مغادرة بيتنا وقريتنا، لكن قبل المغادرة وقعت الفاجعة. كان يوماً من أيّام شهر رمضان المبارك، خرج شقيقاي مصطفى ومحمد ليلعبا أمام المنزل، لكنهما لم يعودا أبداً، فقد ذهبا إلى رحمة ربهما بسبب قصف الطيران المجرم.
بعد مُدّة من خسارتهما نزحنا؛ أنا وأختي رهف، وأخي الصغير مع والدينا. توجهنا شمالاً إلى قرية صغيرة منسيّة. عانينا فيها كثيراً بسبب فصل الصيف الحار والفقر والتهجير والخوف، وبعد شهرين انتقلنا إلى شقة في مدينة إدلب. كانت الشقة في الطابق الخامس، وكنّا نخاف السقوط منها لشدة ارتفاعها.
كنت قد انقطعت عن الدراسة تماماً. خصّص والديّ غرفةً لي ولأختي الصغيرة رهف التي صارت تذهب إلى الروضة. كانت تحب نفسها وتحب الروضة، كانت تحلم كثيراً، وتشاركني أحلامها وكل ما تحب. نجلس معاً في غرفتنا ونتشارك أفكارنا وكلّ ما في حياتنا رغم فارق العمر بيننا.
رتّبنا أنا ورهف ملابس الغد، خطّطنا لما سنفعله صباح العيد.. بعد قليل ذهبت رهف إلى الشرفة، تبعتُها، جلست بجانبها وتحدّثنا قليلاً، لكنها اختفت فجأة!
انتقلنا إلى شقة أخرى أقل ارتفاعاً في مدينة إدلب أيضاً. كانت في الطابق الثاني. اقترب عيد الأضحى، وكنا أنا ورهف متحمستين جداً، اشترى لنا والدي ملابس العيد وحلوياته رغم وجود غصة كبيرة في حياتنا بعد استشهاد شقيقيّ الاثنين.
في يوم الوقفة رتّبنا أنا ورهف ملابس الغد، خطّطنا لما سنفعله صباح العيد، ثم خرجنا إلى غرفة الجلوس وتفرّجنا على الكرتون المفضل لدينا. بعد قليل ذهبت رهف إلى الشرفة، تبعتُها، جلست بجانبها وتحدّثنا قليلاً، لكنها اختفت فجأة!
لم أفهم ما حصل، كدت أغيب عن الوعي، وحين استوعبت ونظرتُ إلى أسفل الشرفة شاهدتُ لحظة ارتطامها بحافة الدرج ثم سقوطها على أرض الطابق السفلي. صرخت بأعلى صوتي، ناديت أبي وأنا أبكي منهارة، حين فهم أبي ما أقول ركض حافياً، نزل إلى الطابق الأرضي، طرق الباب لكن لم يفتح أحد بسبب وجود امراة لوحدها في المنزل، اضطرّ أبي إلى خلع الباب ودخل محاولاً إنقاذ أختي، كانت تتنفس، حملها وركض إلى الخارج، وضعها في سيارة أحد جيراننا وانطلقا لإسعافها، رفضت المشافي القريبة استقبالها، أخيراً قبلوا إسعافها في مشفى المحافظة.
ظلتّ رهف في العناية المركّزة أياماً، وخضعت لعمليات عديدة. في رابع أيام العيد كانت على موعد مع آخر عملية جراحيّة، كانت عمليّة حاسمة ومصيريّة. بعد نصف ساعة خرج الطبيب من غرفة العمليّات محبطاً ومنهكاً وأخبرنا أن رهف ماتت.
أظلمت الدنيا في عيوننا، الناس فرحون بالعيد ونحن نبكي دماً. انهارت أمي، وأبي كُسر ظهره. وأنا أصبحت كزهرة يابسة وسط صحراء.
أختي رهف كانت طموحة جداً، كانت دائماً ما تحلم أن تصبح معلمة. لم أكن أتخيل يوماً أنها ستتركني وحيدة. أشتاق إليها. أختي، جميلتي، وصديقتي، وتوأم روحي التي لا أنساها ما حييت. (وما هي إلا اتّكاء روح على روح).
♦ نور اليحيى: مدوّنة سوريّة يافعة - مخيمات قاح
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0