× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

صحافيات تحت وصاية قفص الزوجية!

حكاياتنا - ملح 01-05-2025

رحت أفكر لو كان عمل الصحافيات كان متاحاً دون قمع المجتمع والسلطة، ماذا يمكن أن يغيرن؟ نعم يمكنهن تغيير كل شيء؛ تحسين الواقع، والمدافعة عن الحقوق والحصول عليها ليس فقط بالشعارات. ولكن كيف سيحدث ذلك في مجتمع يقرر وأد حتى الكلمة؟!

الصورة مولّدة باستخدام الذكاء الاصطناعي

طلب مني يوماً أحد المواقع الصحفية التي أعمل معها، أن أكتب مقالاً يخص عمل الصحافيات بعد الزواج، خاصة أولئك اللواتي يعشن في الشمال السوري حيث أقطن. 

كانت الفكرة مناسبة وجديدة وجميلة بالنسبة إلي، لكنها بحاجة للعمق والدخول إلى عالم الصحافيات الخاص، ومعرفة العقبات التي قد تحوّل النشيطة منهن إلى كتلة من الجمود وتبعدها عن العمل.

لا أخفيكم أن جميعهن اتفقن معي أن الزوج هو السبب، ويعود ذلك إلى غيرته على زوجته التي اختارها أساساً وهي صحافية، وبدأ تدريجاً بمنعها من العمل والتعبير عن رأيها وحتى الظهور أمام الكاميرا، وهنا تقف الصحافية على مفترق طريقين أو خيارين؛ إما أن تختار حياتها الزوجية وأطفالها وتقبع تحت سيطرة الزوج الذي يعدّ رأيه أهم من رأيها، هي التي تدافع عن القضايا وتتابع المشكلات ولا أحد يمسك بيدها عندما يصل الأمر لحياتها ومشكلاتها، أما الطريق الآخر فأن تختار عملها أو المستقبل الذي تعبت كثيرا حتى وصلت إليه، وتخسر بالمقابل...

تحدثت مع كثير من الزميلات، فقبلن أن أنقل آراءهنّ لكن مع أسماء مستعار وإضافة بعض التفاصيل الوهمية كمكان السكن وعدد الأولاد حتى لا يقرأ الزوج ويعرف أن زوجته هي من قالت ذاك الكلام. هنا توقفت كثيراً، كيف لنا نحن من نطالب بحقوق المجتمع؛ أن نرضى العيش مسلوبات الرأي فقط حفاظاً على ذلك المنزل الذي يقع تحت سلطة الزوج والمجتمع؟ وراحت كثير من التساؤلات تدور في رأسي.

رحت أفكر لو كان عمل الصحافيات كان متاحاً دون قمع المجتمع والسلطة، ماذا يمكن أن يغيرن؟ نعم يمكنهن تغيير كل شيء؛ تحسين الواقع، والمدافعة عن الحقوق والحصول عليها ليس فقط بالشعارات. ولكن كيف سيحدث ذلك في مجتمع يقرر وأد حتى الكلمة؟!

بعد أن اتفقنا على الكتابة لنقل جزء من الحقيقة؛ بعض الزميلات قلن إنهن توصلن قبل الزواج إلى صيغة محددة مع الزوج من أجل العمل، بعض الأزواج بقي على العهد فأكملن عملهن تحت وصايته، والجزء الآخر منهن أجبرن على ترك العمل بشكل نهائي أو جزئي، ولكن لم يُعد يسمع لهن صوت، حتى ولو عبر منشور في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ بات الأمر «محرجاً» للزوج، خاصة إذا تلقت الصحفية السابقة تعليقاً ساخراً أو غير مناسب في نظر المجتمع. ذلك برأي الزوج «سيجعل منه أضحوكة» في المجتمع الذي يعيشه، وهذا عار بالنسبة له، وبالتالي يرفض أي رأي قد تكتبه الزوجة، ويجب أن تلتزم بأعراف المجتمع الذي لا يتقبل أن تنتقد فيه المرأة، وإلا تعرضت للسخرية وسببت الإحراج لزوجها.

تحدثت مع كثير من الزميلات، فقبلن أن أنقل آراءهنّ لكن مع أسماء مستعار وإضافة بعض التفاصيل الوهمية كمكان السكن وعدد الأولاد حتى لا يقرأ الزوج ويعرف أن زوجته هي من قالت ذاك الكلام

نقلت بعض التفاصيل في مقالتي، ودائماً كنّ ينبهنني: لا تكتبي الكثير ودعي القارئ يفهم ما نقصده.

ما الذي يمكن أن يفهمه القارئ؟ سألت نفسي. يفهم أن تلك الصحافية تعيش حياة لازوردية، وأنا التي أكتب؛ اقتحمت عالمها وبدأت بصياغة شيء يختلف عن الواقع البائس الذي تعيشه؟ كل ما أردت قوله الحقيقة، ولكن دائماً ما أجد فيها رمداً أو عمى جزئياً لا يمكن أن يراه إلا أصحاب العقول النيرة.

أنهيت مقالتي، وعدلت فيها الكثير من التفاصيل كما أرادت الصحافيات، لكنني لم أكن مقتنعة بها، لم تشبه كتاباتي التي اعتدت دائماً أن أظهر فيها الحقيقة، وحتى لو حاول المحرر اختزال الكلمات؛ تبقى الحقيقة واضحة. قلت لنفسي: سأرسلها وقد يقتنع المحرر بأنها مناسبة للنشر، وبالفعل هذا هو الواقع أو لنقل هذا جزء من الواقع الذي أردت الحديث عنه.

طلب مني المحرر بعض التعديلات، وكنت أشعر بثقل هذه المقالة عليّ، كأنها كابوس يجب أن أتخلص منه وأنشر ذاك الجزء الذي أريد، ولكن ملاحظات المحرر كانت، حسب ما تخيلتها، نظرات حذرة تسألني: لماذا لم تكتبي كل شيء فاطمة؟ ما الذي تغير؟ وغيرها الكثير من التساؤلات. تجاهلت تلك التخيلات التي تدور في رأسي وأجريت التعديلات هروباً من الواقع وأرسلتها.

ما زالت مقالتي حتى اليوم تقبع في المستند ذاته وتحت الاسم نفسه مهملةً، وكلما وجدتْ طريقها نحوي ابتعدتُ عنها، ولم أحاول أن أسأل لماذا لم تنشر، أو لماذا وُضعت على ذلك الرف المهمل حتى اليوم؟ أنا الصحافية التي ابتعدت كثيراً ولسنوات عن عملها، وكانت تحتاج رؤية تلك المقالة تنشر تحت اسمها، ويتجدد الأمل داخلها بأنه الفرصة ما زالت قائمةً لتحلم وتعمل وتبني المستقبل ولو بمقالة بسيطة كتلك.

♦ فاطمة حاج موسي: صحافية سوريّة - إدلب

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0