× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

سجّل أيها الصوت السوري.. أنا لست سوريّة!

حكاياتنا - ملح 04-05-2025

هل أنا سوريّة؟ أم فلسطينية؟ أم أردنية؟ تلك المعضلة التي طالما عانيت منها. ولدت في سوريا، وأنا من أصول فلسطينية وأحمل الجنسية الأردنية، إلا أنني لم أحسب على أي بلد منهم، ولم أستطع الانتماء إلى أي وطن. ربما كان عليَّ الانتماء إلى أولئك الذين يُسجل بجانب أسمائهم «بلا وطن».

الرسم: (محمد عفيفة - كارتون موفمينت)

وُلدت وعشت ودرست الصحافة في سوريا، وعوملت على أنني مواطنة سوريّة، إلا أنني لم أستطع في يوم من أعوامي الثلاثين أن أعبر عن رأيي في ما يحدث في هذه البلاد، أو حتى المشاركة في الثورة، بل كان عليَّ دائماً الصمت تجاه ما يحدث، سواء هنا أو في فلسطين حتى، فأنا لست سوريّة!

أنا من أصول فلسطينية، إلا أن ضم الضفة الغربية في العام 1948 إلى الأردن، أعطى الحق للسلطات الأردنية بمنح أهلها الجنسية بدون سؤالهم حتى، فحملتها معي دون إذن مني، وفي كل حرب ومجزرة تحدث في فلسطين؛ كنت أشعر بشيء يُقيد فمي، وإحساس الذنب دائماً يرافقني، فلا أحمل بطاقة تؤكد أنني من فلسطين، وأن الدفاع عنها واجب عليّ، ولكن كيف وأنا في سوريا التي عشت وأُحب؟ تارة أشعر بألا ذنب لي، فأنا لم أختر هويتي، ولم أقل هذه البلد التي أريد، فولدت في سوريا، وترعرعت فيها، وكنت شاهدة على كل ما يحدث دون أي صوت يصدر مني، دون أي رأي يخرج مني، فأنا لست سورية!

كيف لهم منعي من إطلاق صوتي، وأنا التي عانيت كل ما مرّ به الشعب السوري منذ أن خُلقت؟ فتعرضت لكل أنواع الظلم المعيشي، والسياسي، إلا أن ذلك لم يُحسب لي، بل بقيت في نظر الدوائر الرسمية «أجنبية»، فأنا لست سورية!

عندما أنهيت دراستي الجامعية؛ قررت السفر إلى الأردن، فأنا في نظر الأوراق الرسمية مواطنة أردنية، وحين قطعت الحدود؛ شعرت بأن روحي بقيت في دمشق التي عشتها وعاشتني، إلا أنني أريد حقي في الرأي والمشاركة السياسية، فكان الأردن هو الوجهة، لكن لم أستطع البقاء أكثر من يومين، وكيف لي أن أبقى وتلك البلاد هي التي جعلتني بلا وطني الأم فلسطين؟ عدت أدراجي إلى سوريا التي احتضنتني فأطعتها، وعصتني، فلم تعطني الحق بالانتماء، ولا الهوية، فأنا لست سوريّة!

كيف لي أن أُخرج الصوت السوري الذي بداخلي وأقول إن سوريا ليست أموية، ولا عباسية، ولا إفرنجية

في العام 2015 تعرّضنا أنا وعائلتي للحصار من قبل النظام البائد لمدة عام كامل، عشنا تلك الفترة بلا كهرباء وتدفئة، ولا قوت يوم نحافظ به على أرواحنا إلا ما ندر، كنت أذهب إلى منطقة محاذية لمكان عيشنا، وهي «مساكن الحرس» بدمشق، فأسأل العساكر هناك الحصول على بعض الخضار أو حتى ربطة خبز واحدة لعائلتي، وبعد مباحثات تدوم ساعات؛ يأتي العسكري ويفصح عن القرار بإحدي طريقتين: إما يومئ برأسه للأعلى، أو يشير لي بيده بسرعة للدخول، ويقول: «معك عشر دقائق فقط ها»، فأدخل مهرولة لمنطقة النظام من أجل ربطة من الخبز. وعندما سمحوا للناس بالخروج من تلك المنطقة بعد انعدام أسباب الحياة فيها بشكل مطلق، أذكر كيف أخبرني عنصر الحاجز حينها أن صلاحية بطاقة إقامتي انتهت ويجب علي تجديدها فأنا لست سورية!

«إقامة مؤقتة» تلك العبارة التي تحفر رأسي كل عام، حين يتوجب علي الذهاب إلى دائرة الهجرة والجوازات من أجل استخراجها، ومدتها سنة فقط، يمنحونني إياها لأنني ولدت في سوريا. تلك البطاقة التي كانت تُذكرني دائماً ألا مكان لي هنا، ووجودي مؤقت فقط، ريثما أعثر على وطن. 

ما هو الانتماء؟ كيف لي ألا أنتمي لدمشق وأنا التي ولدت فيها؟ ألا أنتمي لفلسطين وأنا التي أحمل دماءها وترابها داخلي؟ كيف أرفض الانتماء للأردن وهي الهوية الوحيدة التي أملكها؟

من الذي يعطي الحق لأي إنسان بالانتماء للوطن الذي يريد؟ كيف لي أن أُخرج الصوت السوري الذي بداخلي وأقول إن سوريا ليست أموية، ولا عباسية، ولا إفرنجية؟

كيف البوح بأن سوريا لي ولكل شخص عاش فيها ولم يغادرها رغم كل ما حصل؟ كيف أصرخ في وجه «سايكس – بيكو» وكل الاتفاقيات والتقسيمات التي جعلتني بلا هوية، وجعلتنا دويلات فقط تجمعها اللغة العربية؟ كيف أعود إلى فلسطين ولا حق لي بالعودة إليها؟ كيف أعيش في سوريا وأنا لا أستطيع حتى التعبير عن الرأي فيها؟.. 

سجل أيها الصوت السوري؛ أنا لست سوريّة.

♦ هيا حمارشة: صحافية فلسطينية تحمل الجنسية الأردنية وتعيش في دمشق

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0