كميل أبو الطيب
الصورة: (تظهر أشخاصاً يتفقدون مبنى متضرراً جراء غارات صاروخية إسرائيلية قرب دمشق في 2022/AFP)
منذ تولي الرئيس الهارب بشار الأسد الحكم في سوريا في 17 تموز/يوليو2000 إثر تعديل الدستور بطريقة عابرة للقوانين، وحتى سقوطه بعد 24 عاماً في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي نفّذ الاحتلال الإسرائيلي مئات الهجمات في العمق السوري، بعضها حمل الطابع الأمني، وبعضها طابعاً عسكرياً مباشراً. حتى العام 2013 كانت وتيرة تلك العمليات منخفضة نسبية، لكنّها فاعلة سياسياً وميدانياً وأمنياً بشكل واضح.
معسكر عين الصاحب
في 5 تشرين الأول/أكتوبر، أغارت طائرات «إسرائيلية» على موقع تدريب مقاتلين فلسطينيين قرب موقع عين الصاحب بجوار العاصمة دمشق، وجاءت إثر عملية تبنتها «حركة الجهاد الإسلامي» قبل يومٍ واحد استهدف مطعماً في مدينة حيفا الفلسطينية. أدى الاستهداف «الإسرائيلي» إلى دمار في بنية المعسكر الفلسطيني ومقتل عدد من المتواجدين داخله.
جلعاد شاليط
في أواخر شهر حزيران/يونيو 2006 حلقت طائرات «إسرائيلية» فوق القصر الرئاسي في ريف اللاذقية، في رسالة مباشرةٍ للأسد وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي حينها لحركة «حماس» رداً على جلعاد شاليط، وفق ما أكده حينها متحدث باسم جيش الاحتلال قائلاً: «هذه العملية بسبب ما تقدمه سوريا من دعم وحماية إلى حماس المسؤولة عن خطف جنودنا، وإلى منظمات إرهابية أخرى». واكتفت سوريا بالردّ ببيان رسمي عبر وكالة الأنباء الرسمية مؤكدةً الخبر ومضيفة أنّ مضاداتها الجوية تصدت لطائرتين وأجبرتهما على الفرار.
الكبر.. دير الزور
في أيلول/سبتمبر 2007 شنت مقاتلات «إسرائيلية» غارات جوية على ما قالت إنّه موقع سري لمفاعل نووي قيد الإنشاء في محيط مدينة دير الزور شرق سوريا بمساعدة إيرانية – كورية شمالية.
وقتذاك سمّى الاحتلال العملية بـ «عملية البستان»، حصل الاستهداف بعيد منتصف ليل السادس من أيلول/سبتمبر، وجاء بحسب الاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية» والوحدة 8200 الاستخباراتية والمتخصصة بفك الشيفرات «بعد طول مراقبة وتحليل بيانات للاتصالات السرية بين الجانبين السوري والكوري الشمالي».
وفق الرواية السائدة، كانت الاستخبارات «الإسرائيلية» بين 2004 - 2007 قد تعقبت نشاط ضباط سوريين استخدموا هويات مزيفة في التنقل الخارجي واللقاءات وخلُصت إلى نتيجة قطعية مفادها «تقديم الدعم التقني والفني واللوجستي من كوريا الشمالية لصالح إنشاء محطة نووية سورية، مع توفير مليار دولار من إيران لصالح المشروع، في حال لم تتمكن الأخيرة من إتمام تخصيب اليورانيوم على أراضيها وإتمام مشروعها النووي، لتكون سوريا بديلاً محتملاً». بعدها لم تفكر دمشق وحلفاؤها بالمضي قدماً في مشروع مشابه، ولم يُعلّقوا على العملية، بينما أماطت «إسرائيل» اللثام عنها قبل بضع سنوات.
«الحاج رضوان»
لم يمض سوى بضعة أشهر على تدمير مفاعل دير الزور النووي حتى أقدمت «إسرائيل» في 12 شباط/فبراير 2008 على اغتيال القيادي الأبرز في «حزب الله» آنذاك ومؤسس القوى العسكرية فيه عماد مغنية في دمشق (الحاج رضوان – الاسم الحركي).
وقع الاغتيال في حي كفرسوسة وسط العاصمة دمشق وعلى بعد أمتار من المربع الأمني الذي كان يضم أهم المقار الأمنية (مثل إدارة أمن الدولة وشعبة المخابرات العسكرية). اغتيال مغنية كان سقطةً أمنية استخباريةً كبرى في تاريخ سوريا. وفي 2010 قالت إحدى الوثائق التي سربّها موقع «ويكيليكس» إنّ «حزب الله يعتقد بتورط سوريا في اغتيال القيادي».
نفت «إسرائيل» وقتذاك علاقتها باغتيال مغنية، جاء ذلك حينها على لسان المدير السابق لـ«الموساد» داني ياتوم، الذي اعتبر العملية واحدةً من أكبر الإنجازات العسكرية والأمنية عامةً، مساوياً بين مغنية وأسامة بن لادن في الخطورة، ولاحقاً اعترفت مصادر «إسرائيلية» بالوقوف وراء العملية.
عقب الاغتيال تحدثت مصادر عن تورّط العميد السوري محمد سليمان، مدير مكتب الأسد الخاص، ومسؤول ارتباط الأنشطة النووية والبيولوجية الخارجية، وضابط ارتباط سوريا بحلفائها الخارجيين، وكان المكلف بحماية مغنية.
في 2 آب/ أغسطس 2008 وخلال قضاء إجازته الصيفية في فيلا يملكها في منطقة الرمال الذهبية (طرطوس)، وخلال جلوسه على التراس الخارجي تلقى العميد محمد سليمان ثلاث رصاصات كانت كفيلة بقتله ومحو أثره والأسرار التي يحوزها. وقتذاك أذاع التلفزيون السوري نبأ مقتل اليد اليمنى للرئيس السابق بشار متهماً «إسرائيل»، دون تقديم معلومات إضافية، فيما تقول نظرية أخرى إن تصفيته جاءت بسبب تورطه باغتيال مغنية.
عودٌ على بدء
توقفت الاعتداءات مقتاً، قبل أن تعود بضراوة إبّان تحول الحراك الشعبي في سوريا إلى حرب مفتوحة. بدءاً من العام 2013 انطلق استهداف مكثف للبنى التحتية والمطارات المدنية والعسكرية والمنشآت الحساسة والبحوث العلمية والرادارات، ومنظومة الدفاع الجوي.
كذلك؛ تكررت العمليات الأمنيّة «الإسرائيلية» فاغتالت في 19 كانون الأول/ديسمبر 2015 عميد الأسرى المحررين اللبنانيين سمير القنطار في مدينة جرمانا بريف دمشق، وقبله جهاد عماد مغنية نجل القيادي في حزب الله عماد مغنية (الحاج رضوان) في القنيطرة في 18 كانون الثاني/يناير 2015.
في آذار/مارس 2017 أعلن الجيش السوري إسقاطه مقاتلة «إسرائيلية» وصلت إلى تدمر، كان ذلك عقب شنّ مقاتلات «إسرائيلية» هجوماً واسعاً على نقاط مختلفة من الأراضي السورية.
توسع نحو «الحلفاء»
عاماً تلو الآخر كانت الاعتداءات تزداد شراسةً وقدرة على النفاذ إلى أهدافها، مع تدمير واسع لمنظومة الدفاع الجوي السوري، ثم راحت تشمل كبار قيادات الحرس الثوري الإيراني، و«حزب الله»، و«الجهاد الإسلامي»، ومخازن ومعدات ومستودعات استراتيجية للجيش السوري في مختلف المحافظات السورية، ولم تعد تستثني حتى الأحياء السكنية، ثم قصفت مبنى السفارة الإيرانية في دمشق في 1 نيسان/أبريل 2024.
ظلّت «إسرائيل» على هذا المنوال في التدمير الممنهج والقتل لكلّ من وما تعتقد أنّه خطر على أمنها القومي والاستراتيجي، وكثفّت تلك الغارات عقب «طوفان الأقصى»، إلّا أنّ كل ذلك لم يرقَ لما فعلته بعد سقوط النظام السوري.
ممنوع تشكيل جيش جديد
ظلت «إسرائيل» في موقع المتفرج نسبياً على معارك الـ 11 يوماً التي أطاحت بنظام الأسد، وما إن سقط حتّى شنت نحو 400 غارة جوية خلال 48 ساعة على كلّ ما بقي من معدات للجيش السابق، مدمرةً ما يُقدر بـ 70 إلى 80 من قدراته العسكرية المتبقية، بحسب «مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح» (ACLED).
وحتّى اليوم لا تزال الاعتداءات مستمرةً بوتيرة متصاعدة ما يرشح ارتفاع النسبة المئوية للخسائر لتصل إلى حدود 90 بالمئة حسب عسكريين مطلعين، كان آخرها ضرب مخازن ومستودعات وآليات تتبع مباشرةً للجيش السوري الجديد في درعا جنوب سوريا.
وبمعزل عن القانون الدولي وموقف قوات فض النزاع والمعاهدات المشتركة واتفاقية فض الاشتباك للعام 1974، يبدو جليّاً أنّ «إسرائيل» لا ترغب بالاستقرار في سوريا، وتسوق ذرائع مختلفة، بدءاً بطبيعة السلطة المسيطرة في سوريا حالياً والخشية من وجود متطرفين على حدودها، مروراً بذريعة «حماية الدروز».
«اللون الواحد» يخدم
يعكس كل ذلك مدى تعقيد المشهد وضبابيته لجهة وضع سوريا في المعادلة الإقليمية، بل وانعكاس ذلك على الوحدة الترابيّة (النظرية بكل أسف) للبلاد، مع صعوبات هائلة تعترض إعادة بناء جيشها الجديد القائم على أنقاض جيش الأسد الذي حُلّ وقُوضت قدراته ودُمر عتاده.
ما يُصعب المهمة أكثر أنّ الجيش الجديد وقواه الأمنية من لونٍ واحد، ما يعزز مخاوف داخلية وخارجية لا سيما بعد مجازر الساحل السوري في آذار الماضي، التي حتّمت طرح أسئلة حقيقية عن قدرة وزارة الدفاع الجديدة على ضبط الفصائل المتطرفة، معطوفة على أسئلة أخرى حول الدول التي قد تقبل بتسليح ودعم هيكلة هذا الجيش، ما دامت الإدارة مصرة على اللون الواحد. وحتى الجارة الشمالية (تركيا)، التي تبدو أشبه بـ«عرّاب» وصول «هيئة تحرير الشام» إلى قصر الشعب، تتريث، خشية صدام حقيقي مع «إسرائيل».
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0