× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

بين التحالف مع النصرة والتحالف مع قيصر: ما الذي اختلف؟

عقل بارد - على الطاولة 26-06-2020

سبق أن بررت بعض قوى المعارضة لنفسها «التحالف مع الشيطان» يوم جلست في خندق واحد مع الرايات السود. اليوم، تعيد بعض القوى الكرّة، تتحالف مع «شيطان جديد»، بما يعطي فرصة لدمشق لتبريرها عجزها الاقتصادي، من موقع «المقاوم الصامد»، لا «العاجز المستبد»

الصورة: (Nogaraphotography1 - فليكر)

«أتحالف مع الشيطان ضد هذا النظام». 
أعتقد أنّ معظمنا سبق له أن سمع هذه العبارة في معرض حديثه مع أحدهم، تحديداً في سنوات 2012 -2013-2014.
الجملة التي تحولت إلى مفصل هام من سردية العلاقات والتحالفات والآراء، التي بُني عليها انقلاب خطير في سياق الحدث السوري، وأسهمت ببساطة في سقوط القوى الديمقراطية والوطنية وعودتها خطوة إلى الخلف، في مقابل تقدم الرايات السود والخطاب الراديكالي الإسلامي إلى الواجهة! 
ولأن التاريخ يتمتع ببنية توثيقية هائلة التماسك، لم يستطع كثر تهميش توثيقات تثبت أنهم كانوا متحالفين مع قوى كان من المفترض أنهم يقفون تماماً على النقيض منها في فترات سابقة، وكي يسمحوا لأنفسهم بالتحالف معها ويبرروه، راحوا يستخدمون أسطوانة التحالف مع الشيطان، فيبيحونه.
لكن المشكلة في هذا التحالف، أنه غير مبني على عقد ولا على حب. هو ليس كتعاقد فاوست مع الشيطان لأجل الحب، هو نوع آخر، هو «انصياع الثورة للرايات السود» في معادلة ميكافيليّة أحد عرابيها الحقد.
مشكلة الحقد هنا أنه يصيبك بالعمى، فلا تنتبه إطلاقاً إلى أنه سيودي بك إلى التهلكة، لأنه سيودي بعقلك.
طيب، ما هي نتائج التحالف الفظيع الذي عقدته بعض القوى المعارضة مع الحركات الراديكالية؟؟ 
ببساطة، كان على رأس نتائجه إفراز أكبر عملية شرعنة للسلطات في دمشق، بعدما كانت الأخيرة متورطة في مواجهة مظاهرات سلمية، ليس لها أي حجة في مواجهتها! لتتحول المعادلة من «سلطة تقمع المواطنين» إلى «سلطة تحارب الإرهاب»، وتستخدمه حجة في بقائها واستعادة شرعيتها، حتى أمام بعض حلفائها!
هل كان ذلك خطأ السلطة، التي أنتجت نظاماً أمنياً محكماً عاد وسيطر عليها؟ أم خطأ تكتيك التحالف مع الشيطان آنف الذكر؟ كيف لعاقل أن يعطي خصومه كل هذه القوة من خلال منحهم فرصة تاريخية كهذه؟!
كيف لا ينتبه المرء إلى أن تحالفه مع الشيطان، ينسي الناس من هو خصمه، لتصبح صفته الأبرز أنه حليف الشيطان؟ فيربح خصمه جولة هامة لأنه مُنح فرصة ليكون «عدو الشيطان»؟؟
المفارقة الحقيقية، جاءت بعد هزيمة الحركات المتطرفة وبيعها ساحات القتال بالجملة والمفرق، ونهبها مال الدعم، وخروج قادتها إلى تركيا وأوروبا لبناء ممالكهم. حينها، صار العديد من المناصرين السابقين لتلك الحركات يتنصلون من دعمها ومدحها وتمجيدها، بل لعلهم راحوا يبلغون عن مقاطع الفيديو المنشورة على يوتيوب، وعلى المقالات التي تثبت تحالفهم السابق، ليخفوا تلك الوصمة التاريخية! بينما امتلك بعضهم الشجاعة ليعترف بأنه أخطأ، شجاعة يحمدها البعض، ويعتبرها آخرون جاءت متأخرة. لكن المعترف أفضل من المنكر، شاء من شاء وأبى من أبى.

بينما كان على المعارض الذي يقرأ السياسة جيداً أن يتحالف مع الجياع، ويبني على الصراع الطبقي مقتضاه، راح يتهمهم بجوعهم، بل ويشمت بهم!

تعالوا نُعد الكرّة!!!
في التجربة الأولى خسرت بعض القوى المعارضة جولتها، بحيث ساهمت بدعم تغيير هوية الصراع من «شعب – سلطة»، إلى «مجموعات متطرفة – سلطة». بالتالي؛ كل من كان يمتلك حجة لتعرية السلطة وقمعها الشعب، خسر جزءاً كبيراً من قوة حجته لأن السلطة صارت تجيب بأنها «تحارب الإرهاب». 

وبذريعة «الإرهاب» لا شك مات كثير من الأبرياء والمدنيين، في بيوتهم، وفي المعتقلات.

هل من المبالغة القول إنّ من دعم الحركات المتطرفة، كان شريكاً في قتلهم عبر منح الحجة لقاتلهم؟ (هذا لا يعني أن القاتل لم يكن ليفعلها في كل الأحوال، هذه على الأرجح مسلّمة لا تحتاج نقاشاً، نحن هنا نتحدث عن شركاء - بشكل أو بآخر - في الجريمة).
اليوم، وبعد أن شارفت سلطات دمشق على إعلان نفسها «منتصرة على الإرهاب»، وبالتالي أوشكت تفقد حجة مواجهة المطالب المعيشية والخدمية والسياسية بالعنف والتخوين، وبعد أن أصبحت منهكة اقتصادياً، والمنظومة الاقتصادية عاجزة عن إيجاد الحلول، وبعد أن تراجعت قيمة الليرة إلى أدنى مستوياتها بفعل عوامل عدة، من بينها الخلاف الشهير مع رامي مخلوف، جاء قانون قيصر ليقدم خدمة لا يبدو أنها تقل إرضاء لدمشق، عن خدمة وجود المجموعات الراديكالية!
في التجربة السابقة رمت دمشق الكرة في حضن «الإرهاب» وبررت قمعها به، الآن وهي العاجزة اقتصادياً عن فعل أي شيء، وفي لحظة بدا فيها الشارع (حتى المؤيد) جاهزاً لنقمة شعبية على أسس معيشية، تعود المنظومة لترمي الكرة في حضن «قيصر»، وبدلاً من أن يهاجمها شارعها المؤيد لتيقنه من سوء إدارتها للدولة، راح يهاجم قيصر! وعادت بعضت شرائحه إلى تمجيد السلطة التي «تحارب الإمبريالية»!
وبينما كان على المعارض الذي يقرأ السياسة جيداً أن يتحالف مع الجياع، ويبني على الصراع الطبقي مقتضاه، راح يتهمهم بجوعهم، بل ويشمت بهم!

قد يقول بعض القراء إن في كلامي مبالغة، وقد تستفزهم مفردات مثل «شرعية». لكن في الحقيقة، وبهدوء، وبنظرة سريعة للتاريخ، وبحياد ومن دون تعجرف، سنكتشف أن شرعية هائلة قد تكسبها إذا ما كان الأميركي خصمك. 
هل سألنا أنفسنا كم صمد القذافي، وحشد خلفه من مؤيدين فقط بعد «طزّه» الشهيرة بأميركا؟؟ نعم، قد لا أبالغ إذا قلت إن عبارة «طز بأميركا» كانت إحدى أدوات القذافي لحكم ليبيا سنوات طويلة إضافية، وحكم شعب طيب يرى في أميركا عدوه التاريخي، ويرى أن «الوطن يستحق كل ثمين في وجه هذا العدو». كذلك أحيت صواريخ صدام المتساقطة في الأرض المحتلة أنفاسه، وجعلته «قائداً فذاً»، وكذلك لم تثر العقوبات الاقتصادية نقمة عليه، ولم تسقطه.
بالقياس نفسه، يمكن القول إنه برغم كل ما ترتكبه دمشق من تجاوزات قانونية وانتهاكات يومية، وسياسات تجعل العاقل يجزم بأنه أمام منظومة لا يمكن إصلاحها، فإن الله منَ عليها ببعض القوى المعارضة التي تساهم في «شرعنتها» يوماً بعد يوم، من خلال استدعاء الشيطان لمواجهتها، لتتحول من منتهك إلى عدو الشيطان! 
وعلى مايبدو فإننا أمام لعبة «إطالة أزمة» جديدة، ستنتهي غالباً بحذف مقابلات ومقاطع يوتيوب، وتبليغات على مقالات، يحاول عبرها البعض محو تحالفاتهم، كما فعلوا في التجربة السابقة يوم تحالفوا مع الرايات السود، مفضلين الخيبات والحسابات الخاطئة، على أن يمحوا من قواميسهم تلك العبارة المجنونة التي لا تؤدي إلا إلى الفشل: «أتحالف مع الشيطان».


هامش
يشتهر أوتوستراد المزة في سوريا بأنه واحد من أكثر الطرق السريعة خطورة في البلاد، مع ذلك اعتاد بعض الشبان عبوره من دون استخدام الأنفاق أو الجسور. راح ضحية ذلك السلوك العديد ممن ماتوا دهساً، ومع ذلك ظلت التجربة تتكرر.
مرة حاولنا عبور الأوتوستراد أنا وأحد الأصدقاء. تجاوزنا المسار الأول من الأوتوستراد، وجلسنا على الجزيرة في المنتصف، ننتظر الفرصة لتجاوز المسار الثاني. بقينا هناك نحو نصف ساعة، لانستطيع أن نرجع، ولا نستطيع أن نتقدم.
لا أتذكر ما المقامرة التي جعلتنا نقرر إكمال طريقنا، وأدت إلى نجاتنا بأعجوبة، لكنني عاهدت نفسي يومها: «لن أصل إلى جزيرة كتلك مرة أخرى»


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها