رنيم غسّان خلّوف - كاتبة ضيفة
الصورة: سوري يبيع المازوت على الطريق في مدينة الرقة السورية تشرين الثاني/نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)
لم يكن يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، في سوريا كأي يوم آخر، إذ انقلبت الحياة رأساً على عقب، وشمل ذلك وضع الوقود في المناطق التي كانت تخضع للنظام السابق.
سابقاً؛ كان الحصول على 10 ليترات من البنزين، يتطلب محادثاتٍ سرية وقطع مسافات طويلة في بعض الأحيان، أما اليوم فينتشر الوقود بكثرة على الأرصفة وفي الشوارع والأزقة الصغير والكبيرة، حتى في الساحات العامة، إذ طاله «التحرير» أيضاً، وفاحت رائحة البنزين والمازوت في معظم الشوارع!
لم يلبث الطلب على المازوت أن انخفض بحكم أننا دخلنا فص الصيف، غير أن الشتاء ليس بعيداً، ولدى السوريين «عطش» متراكم للحصول على هذا السلعة «العزيزة»، فكيف سيكون المشهد في شوارع مدننا مع عودة الشتاء؟ وكيف سينعكس الأمر على البيئة والصحة؟
مؤشرات مقلقة
تلاحظ مصادر طبيّة أن شهور الشتاء الأخير شهدت تزايداً في وتيرة الشكايات التنفسيّة. يؤكد الطبيب المتخصص في أمراض الصدر علي محمد، أن عيادته الكائنة في دمشق شهدت ارتفاعاً في حالات الأطفال المصابين بالتهاب القصبات الحاد في الشتاء الأخير، ويعزو ذلك حسب تحليله إلى «استخدام نوع من المازوت الأسود لتشغيل المدافئ».
يؤكد على هذه الفكرة الخبير البيئي المصري مجدي علّام قائلاً: «أول الأضرار التي يخلفها انتشار الوقود في الشوارع تكون على الأطفال والحوامل والبيئة، وهو ينتقل بتأثيراته السلبية بين طبقات الأرض والجو، لكن لا يمكن الاستغناء عنه، فماذا نفعل إذاً؟».
تقسم الدراسات مصادرة التلوث بالمشتقات النفطية إلى أربع مجموعات:
يُعد النفط ومشتقاته مصدر خطورة سمية عالية، نظراً لانبعاث الغازات عند التبخر وتحلل الجزئيات المنسكبة، لاحتوائه على غازات سامة مثل «كبريتيد الهيدروجين/H₂S» وغيره.
يقول الخبير في مجال البيئة والمناخ أديب الأسطى، لـ«صوت سوري» إن «استخدام الوقود ذي الجودة العالية والمطابق للمواصفات القياسية؛ يحسِّن كفاءة الاستهلاك ويقلل الانبعاثات الضارة»، وهو أمر لا تتيحه الأصناف المباعة عشوائيّاً في شوارع سوريا، وتنقسم وفق مصدرها، إلى سوري ولبناني وأوروبي ربما قادم من تركيا.
يضيف الأسطى «تتفاوت تأثيرات الوقود المُباع على الطرقات تبعاً لجودة الوقود ومكوناته الكيميائية». نستعرض أدناه الفروقات التقنية بين هذه الأنواع وأضرار استخدام كل منها
تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن تلوث الهواء يقتل ما يزيد عن 7 ملايين شخص سنوياً، ووفق دراسة أجرتها مؤسسة (IQAIR) كانت مصر أكثر الدول العربية التي تعاني من تلوث الهواء في 2024.
سابقاً؛ لم تكن سوريا من بين هذه الدول، لكن في العام 2019، باتت من بين 18 أكثر البلدان تلوثاً في العالم، وبرغم ذلك لا تتوافر إحصائيات رسمية سورية تتحدث عن نسب التلوث في البلاد، وخصوصاً الناجمة عن الوقود.
تأثيرات مركبة
تشير الأمم المتحدة إلى أن الوقود الأحفوري (الفحم، والنفط، والغاز) يسهم بدرجة كبيرة في تغير المناخ وتمثل أكثر من 75 بالمئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، ونحو 90 بالمئة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ونظراً لوجودها في الغلاف الجوي للأرض؛ تسبب انبعاثات غازات الدفيئة حبس حرارة الشمس، ما يؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
يقول الأسطى: «الوقود ذو الجودة المنخفضة قد يُنتج انبعاثات أعلى من الجسيمات الدقيقة التي تسهم في تدهور جودة الهواء».
وعلى امتداد سنوات الحرب شهدت العديد من المدن السورية فوضى واضطراباً في ما يخص المشتقات النفطية، بدءاً بتضرر كثير من الآبار من جرّاء القصف والأعمال العسكرية، مروراً بتكراره بطرق بدائيّة، وليس انتهاءً ببيعه على الأرصفة، لينضم هذا الملف إلى كثير من المُسببات الأخرى التي تراكمت خلال الحرب، وتركت بصمات بالغة السوء على البيئة والمناخ في البلاد.
قانون قاصر واقتصاد هش
في العام 2009 صدر في سوريا المرسوم التشريعي 14، الذي نصّ على «إنشاء المؤسسة العامة لتكرير النفط وتوزيع المشتقات النفطية» لتُشرف على عمليات تكرير النفط وتوزيع المشتقات النفطية في البلاد. تشرح المحامية سهى العلي أن غاية المرسوم كانت «تنظيم قطاع النفط والمشتقات النفطية لضمان توفير هذه المواد الحيوية بشكل مستدام وآمن، عن طريق ضمان إدارة فعّالة وآمنة لهذا القطاع».
برغم ذلك؛ «لا توجد نصوص قانونية صريحة تمنع الأفراد من ممارسة تجارة المشتقات النفطية، وبالتالي ليس هنالك قانون ناظم للمحاسبة مختص بهذا القطاع، وكله يندرج ضمن قانون العقوبات السوري المعمول به حتى اللحظة»، وفق العلي.
لا تقتصر التحديات على القانون والصحة والبيئة فقط، بل تصل إلى الاقتصاد. يشير الخبير البيئي أديب الأسطى إلى أن «نسبة الفروق السعرية بين القنوات الرسمية لبيع الوقود والبسطات 40% أقل لصالح البسطات، وحسب وزارة النفط والثروة المعدنية تنتج سوريا نحو 10000 برميل من النفط الخام يومياً، وهو ما يغطي نحو 5% فقط من احتياجات البلاد، إذ يُقدر الاستهلاك المحلي بنحو 200000 برميل من النفط الخام يومياً».
يترك هذا انعكاسات اقتصادية، يتحدث عنها الخبير الاقتصادي علي محمد قائلاً: «مع توجّه المستهلكين نحو شراء الوقود من السوق غير الرسمية بسبب انخفاض أسعاره، ستنخفض مبيعات المحطات الرسمية، ما يؤدي إلى تراجع الإيرادات الحكومية من الضرائب والرسوم المرتبطة ببيع المشتقات النفطية، وزيادة النشاط في الاقتصاد غير الرسمي».
يضيف: «هذا يسبب صعوبة في مراقبة وتنظيم القطاع، وفقدان الدولة السيطرة على جزء من النشاط الاقتصادي، علاوة على مواجهة أضرار في المركبات والمعدات، وزيادة تكاليف الصيانة على الأفراد والشركات».
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0