× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«لسنا عاجزين، النظام هو العاجز».. لا حقوق لذوي الإعاقة في سوريا

حكاياتنا - خبز 22-08-2025

في بلد صادق على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لكنه أبقى قوانينه حبراً على ورق، تتحول البطاقة الرسمية إلى ورقة بلا معنى أمام شوارع غير مهيأة، ومؤسسات مغلقة، وتشريعات تمييزية. هنا، تتقاطع قصص زاهر وأحمد وسواهما لتكشف أن الإعاقة في سوريا ليست في الجسد، بل في بيئة وقوانين عاجزة عن احتضانهم

أُصيب زاهر حيدر (36 عاماً) برصاصة في عموده الفقري العام 2015 خلال مشاركته في صفوف المعارضة المسلحة بمعارك داريا في ريف دمشق، ما أدى إلى شلل كامل في جزئه السفلي، مع بقاء الرصاصة عالقة في ظهره حتى اليوم. 

لم يحصل زاهر على أي دعم منذ إصابته، باستثناء دورة دعم نفسي استمرت 4 أشهر من الهلال الأحمر السوري، بينما اقتصرت المساعدات الأخرى على «الحفاضات الطبية» من جمعيات محلية، من دون شرح حقوقه القانونية محلياً أو دولياً. وبسبب المخاوف الأمنية، امتنع عن التصريح بإصابته أو السفر إلى دمشق للحصول على بطاقة إعاقة رسمية من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لكونه مطلوباً للتحقيق في فرع المخابرات الجوية.

بعد تسع سنوات، كشفت له رحلته الأولى إلى العاصمة دمشق عن إعاقة أعمق وأعم!

إهمال ممنهج وبيئة غير مهيأة

عقب سقوط النظام السابق دخل زاهر دمشق لأول مرة منذ إصابته، ليصطدم بغياب شبه تام لثقافة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. يقول: «لم أسمع حتى عن القانون رقم 34 للعام 2004 الذي يُعنى بحقوقنا». ورغم شعوره بتحسن نسبي في ما يتعلق بالأمان، اصطدم بواقع قاسٍ، إذ تفتقر شوارع العاصمة ودوائرها الرسمية لأبسط أشكال البنية التحتية الملائمة، مثل المصاعد أو المواصلات العامة المُهيأة.

هذا الواقع ليس حكراً على سوريا، فأحمد طراد، السوري الذي بُترت ساقه اليسرى في عرسال بلبنان، واجه العائق ذاته في المنفى. يصف أحمد تجربته في الجامعة اللبنانية قائلاً: «كانت الامتحانات في الطوابق العليا تعذيباً بسبب عدم وجود مصاعد».

تؤكد تجارب عديدة لذوي الإعاقة في سوريا أن القوانين التي تخص هذه الفئة - على قلتها - أشبه بحبر على ورق، بسبب غياب آليات المراقبة والتنفيذ، ووجود ثغرات عميقة في القوانين السورية. 

تشريعات قاصرة، وتمييز مزدوج

توضح المحامية رهادة عبدوش أن الإطار القانوني يعاني من قصور جوهري، فسوريا صادقت على «اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة» في العام 2009 مع إبداء تحفظات، أهمها على المادة 12 (تنص على: الاعتـراف بالأشخاص ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع آخرين أمام القانون). كما أن القوانين المحلية ما زالت تحتوي على مصطلحات تمييزية مثل «المعتوه» و«السفيه»، وتفرض «وصاية قضائية» على فئة الصم والبكم.

تُشخص عبدوش الوضع قائلة: «سوريا لديها إرث تشريعي جيد نظرياً، لكن الحرب حوَّلته إلى أداة لإخفاء الإخفاقات».

«ليس هناك قانون حقيقي لذوي الإعاقة، بل نهج رعائي يعتمد على بطاقات تعريفية ومنح فرص عمل محدودة في الأكشاك. هذه ليست حقوقاً، بل صدقات»

ينعكس التمييز القانوني على أرض الواقع. ففي العام 2021، استُبعد زاهر من منحة للهلال الأحمر السوري مخصصة للمتزوجين من ذوي الإعاقة، فقط لكونه أعزباً. يعلق بمرارة: «المساعدات تُمنح عبر المعارف... أشعر بالتمييز حتى بين ذوي الإعاقة!».

أما أحمد طراد فيعتبر نفسه ضحية لنظام أهمله مرتين: مرة بوصفه جريح حرب، ومرة لكونه شخصاً ذا إعاقة. وفي لبنان، تعرض للوصم واتُهم بالإرهاب بدون سبب، ورغم حصوله على شهادة الماجستير و30 شهادة تدريب، قوبلت طلباته للتوظيف بالرفض بتبريرات غامضة مثل «شخص غير لائق. يقول» أحمد بحسرة: «أنا متت على إيد الدولتين... صفر على الشمال».

إعاقة الحرب وإعاقة الأنظمة

توضح تجارب العديد من ذوي الإعاقة في سوريا أن الإعاقة في سوريا ليست نتاج الصراع فحسب، بل أيضاً نتاج إرث من التمييز والإهمال. وفيما تُناقش النخب السياسية والقانونية في سوريا إصلاح التشريعات الخاصة بذوي الإعاقة، يرفض أحمد منية، وهو ناشط من الأشخاص ذوي الإعاقة، القانون القائم جملةً وتفصيلاً.

يقول: «بحسب علمي ليس هناك قانون حقيقي لذوي الإعاقة، بل نهج رعائي قديم يعتمد على البطاقات التعريفية ومنح فرص عمل محدودة في الأكشاك. هذه ليست حقوقاً، بل صدقات!»

يضيف أحمد، الذي يعتبر نفسه ضحية للإهمال التشريعي: «المطلوب اليوم قانونٌ شامل يغطي جميع نواحي الحياة: الصحة، التعليم، العمل، وحتى المشاركة السياسية».

يؤكد الرجل أن التحدي الأكبر هو غياب التعريف الحديث للإعاقة، الذي يجب أن يعتمد على النموذج الاجتماعي-البيئي، لا على النظرة الطبية التقليدية التي تُقلل من قيمة الأشخاص ذوي الإعاقة. «الإعاقة ليست في جسدي، بل في البيئة غير المُهيأة والمجتمع الذي يرفض تكييف نفسه معنا». ويطالب بإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في صياغة القوانين: «لا يمكن أن يُكتب قانونٌ يخصنا دون مشاركتنا. نريد أن نكون في قلب عملية صنع القرار، لا مجرد متلقين للخدمات».

فات القطار؟

تتجلى فجوة التطبيق في سياسات الدولة الحالية، التي تقتصر على إجراءات رعائية محدودة يرى أحمد أنها «لا تضمن كرامة العيش».

يطالب أحمد بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سوريا، مثل توفير مرافق عامة مُهيأة وإتاحة مناصب قيادية لذوي الإعاقة، بدلاً من أن تكتفي الدولة بامتيازات رمزية: «بطاقة إعاقة، تخفيض أسعار الإنترنت، رخصة كشك صغير... لكن لا وظائف ولا مشاركة في صنع القرار».

يتساءل بمرارة: «كيف أقتنع ببطاقة إعاقة بينما لا أستطيع دخول مبنى حكومي بسبب عدم وجود مصاعد؟ كيف أفرح بإعفاء جمركي بينما لا أجد وظيفة تُناسب إعاقتي؟».

وفي ظل عجز القانون السوري عن تلبية الاحتياجات، يطالب أحمد والناشطون بـ إلغاء التحفظات السورية على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصةً المادة 12 المتعلقة بالمساواة القانونية، وإصدار قانون جديد يعتمد على النموذج الحقوقي، مع ضمانات لتنفيذه عبر آليات رقابية مستقلة وإعادة تعريف الإعاقة بشكل يتجاوز النظرة الطبية ليركز على الحواجز المجتمعية والبيئية.

بينما يصرخ أحمد: «القطار فاتني وأنا واقف بمكاني»، يبقى السؤال معلقاً حول ما إذا كانت أي جهود إصلاحية ستنجح في إدماج أفراد هذه الفئة، أم ستستمر في تحويلهم إلى «أصفار على الشمال». تختصر تجارب زاهر وأحمد وسواهما تختصر نضال آلاف السوريين الذين يواجهون واقعاً قاسياً. يختتم أحمد بكلمات بليغة: «نحن لسنا عاجزين، النظام العاجز عن رؤيتنا بشراً يستحقون العيش الكريم».

يُنشر هذا التقرير في إطار تعاون بين «صوت سوري» و«عكّازة»

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0