× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«متحف سجون سوريا»: توثيق الجحيم لحفظ الذاكرة الجمعيّة

حكاياتنا - خبز 17-09-2025

يُمثل مشروع «متحف سجون سوريا»، جهداً توثيقياً هو الأول من نوعه لحفظ ذاكرة السجون السورية، وتسليط الضوء على معاناة المعتقلين عبر عقود من الحكم الديكتاتوري، سعياً لتثبيت الذاكرة الجماعية السورية، وربطها بمسار العدالة الانتقالية

افتتحت مؤسسة متحف السجون، يوم الاثنين 15 أيلول/سبتمبر في القاعة الشامية بالمتحف الوطني بدمشق «متحف سجون سوريا»، وهو مشروع توثيقي غير مسبوق يعمل على حفظ ذاكرة السجون السورية وتسليط الضوء على معاناة المعتقلين على مدى عقود من الديكتاتورية.

يمثل المتحف مسعى لإعادة بناء سرد تاريخي موضوعي، يمكن أن يكون مرجعاً قانونياً وأرشيفياً لأي تحقيق مستقبلي حول مصير آلاف المفقودين، ويوفر عبر موقعه الإلكتروني تجربة التجول الافتراضي في عالم من الرعب شكّل ركيزة أساسية من ركائز الديكتاتورية في سوريا على مدار عقود.

تعود بداية الاعتقالات الجماعية في سوريا المعاصرة إلى سبعينيات القرن الماضي، حين شهدت البلاد موجات من القمع السياسي والاعتقالات التعسفية. في الثمانينيات، تزايدت عمليات الاعتقال مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية، خاصة في مدينتي حماة، وحلب. 

بدءاً من آذار 2011، شهدت البلاد موجات جديدة ومتزايدة من الاعتقالات، ويُقدر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن «أكثر من 130 ألف شخص قد اعتُقلوا منذ بداية الثورة».

«ذاكرة العنف» مسار لتوثيق للجريمة

يؤكد الصحفي عامر مطر، المؤسس والمدير المشارك للمتحف، أن الهدف من المشروع لا يقتصر على توثيق الصور أو سرد الأحداث، بل يتجاوز ذلك ليصبح أداة لفهم الجريمة والمساءلة القانونية، فـ «توثيق مسارح الجريمة هو أداة أساسية لفهم أي جريمة، ووسيلة ضرورية لعمليات المحاسبة وكشف مصائر عشرات آلاف المفقودين». 

ويضيف: «المتحف محاولة لحفظ الذاكرة وفهم ما جرى في هذه الأماكن، وفرصة لكل سوري للتنقل افتراضياً داخل السجون، والتأمل في تفاصيلها، وإدراك حقيقة ما عاشه آلاف المعتقلين».

يشرح مطر لـ «صوت سوري» أن الفريق تمكن حتى الآن من تصوير 72 سجناً، ويخطط لتوثيق نحو مئة سجن آخر. وعلاوة على الصور الثلاثية الأبعاد، جمع المتحف مئات الشهادات من معتقلين سابقين، على امتداد زمني يبدأ منذ السبعينيات والثمانينيات وحتى تحرير السجون عقب سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. هذه المواد تشكل «جزءاً كبيراً وأساسياً من ذاكرة العنف والقتل والاعتقال المرتبطة بتاريخ الديكتاتورية السورية».

يوضح مطر أن التوثيق يتضمن تحقيقات تفصيلية تتبع مسار المعتقل منذ لحظة اعتقاله وحتى وصوله إلى «سجن صيدنايا» أو غيره من السجون، مع رصد تفاصيل الحياة اليومية، من الطعام والاستحمام وصولاً إلى مشاهد الإعدامات الجماعية. ويشير إلى أن المتحف يستعد لإطلاق منصة رقمية باسم «جواب»، تهدف إلى المساهمة في كشف مصائر المفقودين عبر الأدلة والشهادات المجمعة.

في قلب الرعب

يعتبر متحف سجون سوريا خطوة مهمة في إعادة بناء الذاكرة الجماعية للشعب السوري. من خلال توثيق التجارب الفردية والجماعية، يسعى المشروع إلى تقديم سرد تاريخي موضوعي بصري وتفاعلي من مكان الجريمة نفسه، ويبرز هنا دور المصور الصحفي حسن إبراهيم، المسؤول عن التصوير الثلاثي الأبعاد. يصف حسن تجربة توثيق سجن صيدنايا بأنها مختلفة تماماً عن أي تجربة سابقة، حتى عن سجون تنظيم «داعش» المتطرف التي وثقها بين 2017 و2023. 

«الشعور لا يوصف… صعب جداً. كنت أسمع كثيراً عن سجن صيدنايا، لكن أن تراه على الواقع شيء آخر»، يقول.

 المشروع لا يقتصر على التوثيق البصري، بل يحاول نقل تجربة معاناة المعتقلين بطريقة ملموسة تسهم في جعل الذاكرة الجماعية أكثر واقعية وصدقية، وتحمي سرد الضحايا من النسيان أو التشويه

يستذكر إبراهيم تفاصيل صادمة: كتابات السجناء على الجدران، رائحة المكان، وحتى ملامح القطط التي بدت وكأنها تعكس شحّ المكان والوجوه الشاحبة المحيطة به. ويصف السجن بأنه «أضخم السجون التي وثّقناها»، وقد استغرق تصويره نحو 25 يوماً في ظروف قاسية من برد المنطقة وصعوبات العمل الميداني.

يشرح أن أصعب اللحظات كانت عند الوصول إلى الزنازين الانفرادية في أقبية السجن، إذ كانت «عبارة عن مستنقع صرف صحي، تشبه منزلاً للعناكب لا لإنسان. معقول كان يعيش إنسان هون؟ بين العناكب، في الرطوبة والروائح الخانقة؟».

ويضيف: «مهما شرحت عن صعوبة المكان والشعور عندما تدخل، فلن تتخيله حتى تعيشه». 

من خلال هذه الشهادات، يتضح أن المشروع لا يقتصر على التوثيق البصري، بل يسعى إلى نقل تجربة معاناة المعتقلين بطريقة ملموسة، تسهم في جعل الذاكرة الجماعية أكثر واقعية وصدقية، وتحمي سرد الضحايا من النسيان أو التشويه.

رمزية المشروع وأثره

يمثل «متحف سجون سوريا» مساحة للتأمل في تاريخ القمع والمعاناة، ولطرح أسئلة عن العدالة والمساءلة، وعن أهمية توثيق كل تفاصيل الاعتقال والمعاناة الإنسانية. كما يوفر فرصة للأجيال الحالية والمستقبلية لفهم تاريخ القمع بطريقة موضوعية، بعيدة عن أي تزوير أو مبالغة، مع الحفاظ على كرامة الضحايا وتجاربهم.

عبر المزج بين الصور الثلاثية الأبعاد، والشهادات المكتوبة والمسموعة، والبحوث الميدانية، يقدم المتحف نموذجاً لكيفية الجمع بين الذاكرة التاريخية والعدالة الانتقالية، ويضع أمام السوريين والسوريات مرآة لما عاشه المعتقلون، وما يجب أن يكون جزءاً من أي مشروع مستقبلي لإعادة بناء المجتمع بعد عقود من القمع.

متحف_سجون_سوريا سجن_صيدنايا تاريخ_القمع_في_سوريا العدالة_الانتقالية

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

مقالات رائجة

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0