× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

حب بقوة الحب؛ حكايتي مع الكورد السوريين

حكاياتنا - ملح 07-10-2025

في رحلة عبر شمال وشرق سوريا، تكشف هذه التدوينة كيف يتحوّل الفضول الشخصي إلى اكتشاف حقيقي للآخر المختلف، وكيف تنكسر الصور النمطية عن الكورد السوريين من خلال تجربة واقعية وحميمية. من الرقة إلى القامشلي، ومن الجامعة إلى الزيارة الميدانية، تتجلى قوة الحب والتواصل الإنساني في فهم التنوع السوري

الصورة: أحد أسواق القامشلي في 2019 - rudaw

كثيرةٌ هي المرات التي تخيلت فيها شمال وشرق البلاد، من الرقة إلى الحسكة، وصولاً إلى القامشلي، وفي كل مرة أتذكر أن هناك سؤالاً يتكرر في امتحانات الشهادتين الثانوية والإعدادية عن مواقع حقول النفط، وأماكن توزع القمح والقطن ضمن خريطة سوريا. وكأن هذه المناطق لا تُعرَّف إلا بما تنتجه أرضها.

أتذكر تماماً أنني رسمت تخيلات تشبه غالبية الصور النمطية عن حياة الناس في شمال وشرق البلاد. كنت حتى الثامنة عشرة من عمري أتخيلهم يعيشون في خيم، يعملون جميعاً في النفط والقطن، ولباسهم واحد، هكذا صورتهم المناهج والكتب، لأفتح يوماً ما صوراً خاصة بأبي حين عمل مُعلّماً مدة 5 سنوات في الرقة، وأبدأ رحلة البحث عن الاختلاف وفهم قصور دروس التاريخ والجغرافية، فمن أصدق من أبٍ تراه فتاة وحيدة منقذها من كل شيء؟!

استفاض أبي حينها وهو يحدثني عن جمال الرقة والحسكة والقامشلي أو قامشلو كما لفظها بدقة، وفصّل لي شوارعها وقراها، وناسها وحبهم للتعليم، وتحدث لي عن شعرائها العرب منهم والكورد، عندها سألته باستغراب: «ماذا يعني الكورد؟ هل هو دين؟»، ضحك معلم المدرسة وشتم المناهج الدراسية ومنظومة التعليم، ثم قال لي: «ستعرفينهم في الجامعة، وستحبينهم».

نحن والآخر

في سوريا، تبقى معرفة الآخر من أعقد الجدليات، لا يحلّها إلا من تسنّى له أن يعيش التجربة عن قرب. 

في السكن الجامعي، تشاركين الغرفة والسرير والمائدة، وتكتشفين الإنسان كما هو، لا كما صوّرته الكتب. هناك بدأت معرفتي بالكورد السوريين، من آهين ورنكين وذلال، ومن أسمائهن بدأتُ أفهم جمال الاختلاف. قرأت عن النوروز وعاداته، وعن تاريخ الحرمان من الهوية، وعن نساءٍ كورديات حملن قضايا سياسية واجتماعية كبرى.

ثم قفز إلى ذهني السؤال الكبير الذي طرحته على أبي في العام 2008: إذا كان في سوريا كورد، وسريان، وأرمن، وشركس، لماذا اسمها: الجمهورية العربية السورية؟ ابتسم أبي وقال بهدوء: «اسكتي يا بنتي، الأسئلة أحياناً خطر». لاحقاً فهمتُ أنه كان محقاً.

أنا وسيماف

لم تكن الصدفة التي جمعتني بـ سيماف حسن الزميلة والصديقة الكردية، عابرة، بل صارت أخوة حقيقية، 7 سنوات وأنا أسمعها تتحدث الكردية وبت أفهم بعض المصطلحات، تتحدث عن قامشلو والحسكة ومناطق أخرى يسكنونها وكأنها جنان الأرض، ما دفعني لأتجرأ وأطلب زيارة في عهد النظام السابق عن طريق المطار، ليسألني الضابط: لماذا تريدين السفر إلى مناطق «قسد»؟ كي تبقي هناك وتعارضي النظام؟ أجبته: لا لأحضر عرس زميلتي. ضحك وطلب مني حضوره «أونلاين».

سقط النظام وسقطت معه محرمات الزيارات بين المدن السورية، لتكون أول جولة لي إلى شمال وشرق البلاد، البادية التي تعطيك الحب بالقوة، فعندما تدخلين حدودها تشعرين أن الصحراء ترحب بك، تصلين الرقة فيرحب بك الفرات، نعم نعم المياه ترحب بك، وتكاد تنطق، لا أحد يستقبلك دون ابتسامة هناك: عرب وكورد وآشوريون وإيزيديون.

عشرة أيام من «آزادي»

في القامشلي شعرت بأن وجه الأرض اختلف، نساء جميلات كبيرات في السن لا يُجدن العربية، لكنهن يحتضنك بابتسامة و«أهلاً وسهلاً» من القلب. هناك يكبر القلب فعلاً.

خلال عشرة أيام فقط، التقيت نساءً حُرمن من الزواج لأنهن بلا هوية سورية، وشباباً لم ينالوا شهاداتهم الجامعية لأنهم «كورد بلا وثائق».
زرت عامودا التي تشبه نساؤها نساء الساحل السوري في دفئهنّ وترتيبهنّ، وعرفت مشروبها المفضّل «العرق» المصنوع من عنب المخرم والمشرفة في ريف حمص الشرقي.

رأيت بيوتاً مفتوحةً مجاناً لسوريين نزحوا من مجازر الساحل، وسمعت أصحابها يقولون ببساطة: «نحنا أهلكن». 

في شمال وشرق سوريا اكتشفتُ أن التنوع ليس تهديداً، بل حياة.

فهمتُ أن البلاد بلا «آزادي» ناقصة الحرية، وبلا عربها في الجزيرة ناقصة الملامح، وبلا نسائها من كل الأطياف ناقصة القلب.

هناك، تعلمتُ أن الهويّة السورية لا تُبنى بالشعارات، بل بالحبّ الذي يعرف أن يرى الآخر كما هو.

هكذا يأتي الحب بقوة الحب. 

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0