مية السلامة
الصورة: من المزة 86 مطلع العام الحالي/صحيفة الشرق الأوسط
لا تتخيل مريم.أ، العاملة في المجال الإعلامي، نفسها تعيش في مدينة أخرى غير «الشام»، إذ قضت فيها كل طفولتها وأجمل أيام عمرها متنقلة بين مناطقها لتستقر أخيراً في صحنايا التي تضم مختلف أطياف الشعب السوري.
«روحي معلقة بها»، تقول مريم، متمنية أن تكون الأحاديث المتداولة عن «تهجير العلويين من دمشق» مجرد إشاعات، رغم قناعتها الداخلية بأنها تمهد لذلِك بعد ما جرى في السومرية ومناطق أخرى بالفترة القريبة الماضية.
تقول السيدة الأربعينية لـ «صوت سوري» بحسرة مغلفة بغضب رفضاً لفكرة التهجير القسري: «تهجير أي سوري/ـة مرفوض بالمطلق ولا يمت للإنسانية والقانون بصلة. اليوم يروج لتهجير العلويين بحجة السكن في مناطق عشوائية، وهذا الأمر باطل بدليل وجود 14 منطقة عشوائية تقطنها مكونات أخرى، فهل يُعقل أن يهجّر سكانها؟».
تتمسك مريم ببصيص أمل بقي لديها بعد سنوات الحرب الطويلة بمآسيها الكثيرة، وتضيف: «التغيير الديمغرافي صعب، جمال سوريا يكمن في تنوعها، وأهلها لن يقبلوا بهذا الأمر الخطير».
يؤيدها ملحم، الذي يقطن في حي «المزة جبل» العشوائي. اشترى بيته هناَك منذ أكثر من عشر سنوات كونه لا يملك خيار السكن في مناطق دمشق الراقية، ويقول: «ينبغي أن تطغى لغة القانون لا قوة السلاح والشتائم الطائفية».
يضيف: «إذا كان هناك حق لأي طرف، فليكن القانون هو كلمة الفصل، وعلى السلطة تقع المسؤولية في حماية المواطنين وأمنهم عبر التدخل لمنع تكرار ما حصل مع أهالي السومرية، ومنع تهجير العلويين من دمشق التي يصعب تخيلها تضم لوناً واحداً بدون بقية المكونات السورية الأخرى».
قلق مستمر
يعيش أبناء الطائفة العلوية في دمشق، على اختلاف المناطق التي يسكنونها، حالة من القلق والتوتر المستم، مع تكرار الأحاديث بين وقت وآخر عن نوايا تهجيرهم، مع فصول متكررة من التهديد المباشر، أحدثها ما شهده حي القدم قبل أيام، وكانت قد وصلت ذروتها مع أحداث السومرية أواخر شهر آب/أغسطس الماضي. علماً أنه منذ سقوط النظام السابق انخفضت أسعار البيوت في المناطق التي يسكنها العلويون بصورة لا تتناسب مع قيمتها الرائجة.
تتحدث عن ذلك السيدة الخمسينية إنعام، التي تعيش قلقاً متواصلاً بعد مضايقات عديدة يتعرض لها سكان «المزة 86» العشوائي، ما دفعها إلى التفكير ببيع بيتها علها تتمكن من السفر خارج البلاد بثمنه.
تقول إنعام: «أسكن في هذه المنطقة منذ العام 2010. بالبداية كنا مستأجرين، لكن لاحقاً اشتريت بيتاً على العظم وتعبت كثيراً في إكسائه بعد أخذ قروض كثيرة، فهو كل ما أملك ولا أقدر على شراء آخر في محافظة ثانية حال تهجيرنا إلا عند بيع هذا المنزل، وهذا ينطبق على نسبة كبيرة من قاطني هذه المنطقة».
وتتابع: «إخراج السكان بطرق عشوائية وتركهم لمصيرهم في الشوارع، إجراء مخالف لكل القوانين والشرائع السماوية».
تضيف: «أتمنى ترسيخ فكر المواطنة بدل الطائفية. فرغم سفري المتكرر لم أجد أجملَ من الشام، التي أغنت حياتي في ظل التنوع الديني والعرقي، لذا يصعب عليّ تخيل فكرة العيش خارجها»..
أما سنا (اسم مستعار) فترفض مغادرة دمشق، رغم أنها تقطن في العشوائيات في حي الورود الشعبي.
تقول لـ «صوت سوري»: «قضيت أغلب أيام عمري في دمشق بين دراسة وعمل، ورغم الحديث عن تهجير العلويين قررت أخيراً شراء بيت في المنطقة، وهو أمر لامني عليه أهلي باعتبار أن عائلات كثيرة تفكر في البيع وليس الشراء بعد الأحاديث عن التهجير القسري».
تهجير قسري وأملاك مستولَى عليها
لا يقتصر القلق على القاطنين في مدينة دمشق، فالأمر نفسه بالنسبة لأبناء الطائفة في حمص وأرياف حماه، إذ شهدت مناطق عديدة تهجيراً قسرياً، مع تضييقات مستمرة على من يصر على البقاء في أرضه.
بعض العائلات اختارت ترك كل شيء وراءها حفاظاً على حياتها، وخاصة بعد تكرار عمليات القتل والمجازر، وانتقلت إلى مناطق أكثر أماناً كمصياف والغاب والساحل على أمل استعادة حقوقها وأملاكها.
تقول زهوة. ح المهجرة من ريف حماه: «اضطررنا إلى ترك كل شيء وراءنا، مع رفضنا بيع أملاكنا التي تبلغ قيمتها مليارات الليرات بينما يرغبون في شرائها بتراب المصاري. لن نبيعها تحت أي ظرف على أمل استرجاعها لاحقاً بعد تشكيل حكومة جامعة تمثل كل السوريين».
وتضيف: «اليوم بعد ما كانت أحوالنا جيدة، أصبحنا فقراء لا نملك قوت يومنا، ولا نزال نعيش لدى أقاربنا لحين إيجاد بيت للإيجار في أي قرية بأسعار مناسبة، في ظل استغلال تجار العقارات في المدن لأحوالنا وطلب أرقام كبيرة لا نقدر على تحملها».
يوافقها الرأي أبو محمد من قرية أرزة بعد ما عاشه من لحظات عصبية جراء عمليات القتل على الهوية، فيقول: «خرجنا بثيابنا بعد هجوم كبير لأعداد من المسلحين على القرية، ولم نقدر على أخذ ما يكفينا شر هذه الأيام الصعبة التي يعيننا عليها أهل الخير دون التمكن من إيجاد بيت للسكن حتى اللحظة، نقيم في أحد المقامات الدينية إلى حين إيجاد مسكن بسعر مناسب».
شريعة الغاب أم القانون؟
تواجه عملية التغير الديمغرافي انتقاداً حاداً من سوريين كثر، لكن سرّاً. حاولنا التواصل مع العديد من الناشطين والمحامين، لكنهم رفضوا الحديث، خوفاً من التعرض لأي مساءلة أو تهديد لمجرد الإدلاء برأي حول هذا الواقع القاسي والخطير بكل تفاصيله. فيما تقول الناشطة الاجتماعية مريانا حنش، المقيمة خارج سوريا: «ما يحصل تغيير ديمغرافي واضح، فالأعمى يرى ذلِك والادعاء بغير ذلِك إعلامياً كذب فاضح، وسيترك آثاره السلبية على المجتمع كله».
وتضيف: «التهجير قسراً إجراء غير قانوني. حتى حينما تفكر أي جهة بما فيها الدولة في إخراج الناس من بيوتها لأجل تنفيذ مخطط تنظيمي؛ يفترض تأمين سكن بديل، وليس رمي الناس في الشوارع وخاصة أنهم فقراء ولا قدرة لهم على تحمل تداعيات هذا الواقع الصعب».
وفي الإشارة إلى قضية حي السومرية، توضح الناشطة حنش أن الإشكالية معقدة: «بعض الأهالي اشتروا البيوت ودفعوا ثمنها. لكن الإشكالية أنها بيعت مراراً لأكثر من شخص بموجب حكم محكمة، وهو ما خلق إرباكاً وتعقيداً». وتؤكد: «من حق المواطنين في السومرية وغيرها الاحتفاظ ببيوتهم طالما يوجد ما يثبت ملكيتها. وفي حال عدم توافر ذلك لسبب ما؛ يفترض تأمين سكن بديل وفق القوانين المتبعة وليس الركون إلى شريعةَ الغاب».
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0