× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«سلاح» المياه في سوريا: عطش اليوم «بروفة» لغد أسود!

عقل بارد - على الطاولة 21-08-2020

يشكل انقطاع مياه الشرب عن الحسكة حلقة جديدة في سلسلة اعتداءات تركية مائية مستمرة منذ عقود. واستخدمت معظم الأطراف مياه الشرب سلاحاً في الحرب السورية، مع «تفوق» تاريخي لأنقرة في هذا السياق

الصورة: (REUTERS/ Bassam Khabieh - فليكر)

للأسبوع الثاني على التوالي تعيش مدينة الحسكة وعشرات القرى المحيطة بها (القرى الممتدة من الحسكة إلى تل تمر) العطش. 

الأزمة بدأت إثر قيام أنقرة بوقف محطة مياه علوك (ريف مدينة رأس العين)، بذريعة قطع «قسد» الكهرباء عن مناطق تسيطر عليها أنقرة. ما أخرج مصدر مياه الشرب الوحيد في الحسكة من الخدمة، مع انعدام أي مصادر بديلة، باستثناء بعض الآبار السطحية القليلة، التي توفر مياهاً كلسيةً غير صالحة للشرب. 
ولم تعد الهيمنة التركية مقتصرة على المياه الواردة إلى سوريا عن طريق نهر الفرات، بل وصلت حد التحكم بمضخات مياه الشرب داخل الأراضي السورية.
القطع الأخير ليس الأول من نوعه، إذ قامت أنقرة بقطع المياه 13 مرة منذ سيطرتها على المحطة في الثامن من شهر تشرين الأول من العام الماضي 2019، وراوحت فترات القطع بين يومين وخمسة أيام. لكن القطع هذه المرة يعتبر الأطول زمنياً، ما يهدد بكارثة إنسانية، خاصة في ظل تزامنه مع تفشي كوفيد19 (كورونا)، والارتفاع الكبير في درجات الحرارة.
وحتى الآن، لم تصدر ردود فعل عن أبرز القوى المتحكمة بالمشهد في الشمال السوري، سواء الولايات المتحدة الأميركية، أو روسيا. لتقتصر التحركات الدولية على بيانات لبعض المنظمات، تحذر من كارثة إنسانية.
وتوجد مكاتب لمعظم المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، في مدينة القامشلي، على مقربة من مدينة الحسكة العطشى، لكن انقطاع مياه الشرب لم يؤثر على القامشلي التي تتوافر فيها آبار مياه صالحة للشرب.
ويثير الصمت الروسي والأميركي تساؤلات عدة، فكيف تسمح واشنطن لأنقرة أن تضرب حليفتها «قسد» من جديد؟ ولماذا تتجاهل موسكو الأمر؟ يحدث ذلك في ظل عجز دمشق عن إيجاد وسيلة فعالة لتأمين مياه الشرب لمواطنيها (تتقاسم دمشق و«قسد» السيطرة على المناطق العطشى).
ولا يعتبر العطش الذي تعيشه المنطقة الشرقية من سوريا أمراً حديثاً، إذ تعاني المنطقة من نكبات مائية متتالية، بدأت مع الجفاف الذي ضرب سوريا العام 2006، وأخفقت الحكومة السورية في مواجهته، ما أدى إلى هجرات كبيرة نحو المدن.

سلاح أنقرة التاريخي
تتحكم تركيا بنهري الفرات ودجلة، وهما المصدران الرئيسيان لمياه الشرب في سوريا والعراق (لم تستثمر سوريا نهر دجلة بسبب المسافة القصيرة التي يقطعها في أراضيها قبل دخوله الأراضي العراقية وبسبب الظروف الجغرافية الصعبة المحيطة بالنهر)، وتستعمل بين وقت وآخر هذا السلاح للضغط على البلدين.
وقفزت أنقرة طيلة العقود الأربعة الماضية فوق العهود والمواثيق الدولية الناظمة للأنهار الدولية وطريقة تقسيم استثمارها، إذ رفضت اعتبار النهرين دوليين، بل عدّتهما مجرد نهرين عابرين للحدود ولها كل الحق في استثمارهما.

في ثمانينيات القرن الماضي تمكنت سوريا من توقيع اتفاقية جانبية مع تركيا إثر الضغط الكبير الذي مارسه حزب العمال الكردستاني (الذي كان ينشط في سوريا) على أنقرة. وشهد العام 1987 توقيع اتفاق بروتوكولي تعهد فيه الجانب التركي بتوفير (500) م3/ الثانية من مياه الفرات على الحدود التركية / السورية لتوزيعها بين العراق وسوريا. وفي الحالات التي يكون فيها الجريان الشهري دون مستوى (500) م3/ الثانية، فإن الجانب التركي يوافق على تعويض الفرق خلال الشهر التالي.

ترفض أنقرة اعتبار دجلة والفرات نهرين دوليين، وتستمر في تجاهل الاتفاقيات والمواثيق، والتحكم في نصيب سوريا والعراق من مياه النهرين

كذلك تم توقيع اتفاق سوري ـ عراقي في نيسان 1988، اتفق فيه الجانبان على أن تكون حصة العراق 58% من مجمل مياه الفرات الممررة من تركيا، وحصة سوريا 42%. وتعهدت سوريا مقابل ذلك بوضع حد لأنشطة حزب العمال الكردستاني المسلحة ضد تركيا انطلاقاً من أراضيها.
في كتابه «الموازنة المائية في العراق وأزمة المياه في العالم»، يقول الكاتب العراقي فؤاد قاسم الأمين، إن «البنك الدولي لم يكن ليوافق على منح قروض لأنقرة لإكمال بناء سدودها، إلاّ بشرط قيام تركيا بتزويد العراق وسوريا بكمية مياه من نهر الفرات لا تقل عن (500) م3/الثانية.

وخلال سنوات الحرب السورية، عمدت تركيا إلى استغلال مياه الفرات كسلاح للضغط على «قسد» عبر التلاعب بكميات المياه الممررة إلى سوريا، وتخفيض كميات المياه صيفاً مع ارتفاع درجات الحرارة، وزيادتها شتاء بشكل يضر بالسدود، الأمر الذي تسبب بأضرار كبيرة في مجرى النهر، إضافة إلى الأضرار البيئية الناجمة عن ذلك.

واستثمرت تركيا تحكمها المطلق بالنهرين في إقامة مشاريع مائية كبيرة، تضمن لها أمناً مائياً يقاوم الظروف الجوية والمناخية المستقبلية، في ظل توقعات بارتفاع مطّرد لدرجات الحرارة يرافقه موجة جفاف في العقود السبعة المقبلة.

صفحات من دفتر الحرب السورية

على امتداد الحرب السورية، استعملت مياه الشرب سلاحاً لمرات عديدة، ومن قبل معظم الأطراف.

على سبيل المثال، شهدت مدينة حلب انقطاعات متتالية في مياه الشرب، دام بعضها شهوراً. معظم تلك الانقطاعات كان متعمداً، إذ حوّلت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) المياه إلى ورقة ضغط، في ضوء سيطرتها على محطة سليمان الحلبي (حلب الشرقية). كما استهدفت القوات الحكومية المحطة غيرَ مرّة. 

كذلك قام تنظيم داعش بقطع مياه الشرب عن حلب لمدة 48 يوماً في العام 2017 عندما أوقف ضخ المياه من محطتي الفرات والخفسة على نهر الفرات بشكل كامل.

وعانى سكان دمشق أزمة حادة في مياه الشرب العام 2017، إثر توقف محطة ضخ الفيجة التي تمثل مصدر مياه الشرب الرئيس عن العمل. (الحكومة اتهمت الفصائل المسلحة بتفجير المحطة، والفصائل اتهمت الحكومة بقصفها). وهدد انقطاع مياه الشرب وقتها أكثر من 5.5 ملايين سوري، الأمر الذي اعتبره مستشار المبعوث الأممي إلى سوريا يان إيغلاند بمثابة جريمة حرب

وفي العام 2014 قطعت فصائل المعارضة مياه الشرب عن دمشق ستة أيام في إطار الضغط على دمشق لوقف عملية عسكرية في وادي بردى.

ولم توفر دمشق بدورها استخدام مياه الشرب كسلاح، رغم أن معظم الموارد المائية خرجت عن سيطرتها.

في العام 2014 قطعت الحكومة المياه عن منطقة الحجر الأسود جنوبي دمشق، في إطار «استراتيجية الحصار» التي تم اتباعها في مناطق كثيرة.

كذلك، سُجل قطع الجهات الحكومية مياه الشرب عن مخيمي اليرموك ودرعا لفترات قياسية.

أما «قسد» فاستخدمت سيطرتها على سد تشرين بريف حلب، ورقة ضغط ضدّ دمشق.

مستقبل قاتم

تعتبر سوريا من الدول الجافة وشبه الجافة، وتعاني عجزاً في الموازنة المائية، من المتوقع أن يصل في العام 2050 إلى نحو 6.2 مليار متر مكعب، وفق دراسة نشرتها مجلة جامعة «البعث» الحكومية السورية العام 2017. علماً أن الدراسة تناولت الواقع المائي حتى العام 2012، ما يعني أنها أغفلت الآثار الكارثية التي خلفتها الحرب في البنى التحتية، والتلوث، والاستجرار غير المدروس للمياه الجوفية، وما ولّدته هذه العوامل مجتمعة من تدهور الواقع المائي في سوريا.

وخلص تحقيق استقصائي أجرته شبكة «أريج» للصحافة الاستقصائية العام 2014 تحت عنوان «وبال الصراع السوري يصل لمياه الشرب» إلى أن «74% من مياه الشرب في ريف دمشق تلوثت وتحتوي على مسببات التهاب الكبد»، وأن «الحرب كشفت أنّ شبكات المياه مخالفة للمواصفات العالمية ولم تخضع للصيانة الكافية والعقوبات منعت استيراد المُعقّمات»، إضافة إلى أن مياه الشرب وتلوثها تسبب ارتفاع الإصابات بالسرطان، الأمر الذي يمكن أن يعطي تصوراً حول وضع شبكات مياه الشرب في سوريا، ويمكن أن يرسم بعض ملامح المستقبل.

ويبدو جلياً أن المستقبل المائي في سوريا سيكون كارثيّاً بفعل أزمة مركبة تراكمية، فمن جهة لم تتمكن الحكومات السورية المتعاقبة من إنشاء بنية تحتية ملائمة صحية، ومصادر متنوعة للمياه، ولم تنفذ مشاريع تضمن الأمن المائي في مناطق عديدة، أبرزها المنطقة الشرقية رغم أهميتها في الأمن الغذائي. ومن جهة أخرى تتحكم تركيا بأهم مصدر لمياه الشرب في سوريا (نهر الفرات) وتستغله بين وقت وآخر لتحقيق مكاسب سياسية، فضلاً عن المخاطر المتزايدة الناجمة عن استمرار أنقرة في بناء السدود، ما يؤدي إلى انخفاض كميات المياه الواردة إلى سوريا.

وإضافة إلى ما سبق جاءت الحرب وما رافقها من أضرار في البنية التحتية، وفي مصادر مياه الشرب، لتزيد من عطش السوريين، وتزيد الطين بلة... أو جفافاً، بتعبير أدق.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها