× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

عن السوريين وتفجير بيروت: هل يغار قتيل من قتيل؟!

حكاياتنا - ملح 02-09-2020

العالم حزين على بيروت، وأنا أيضاً حزينة، ولكن لماذا لم يحزن عليّ أحد؟ مهلاً ما هذه الطريقة في التفكير؟ لماذا أتلمس جراحي وأمامي شخص ينزف؟

الصورة: (valentina perniciaro - فليكر)

عندما خرج زعماء العالم وساروا في فرنسا حزناً على ضحايا «شارلي إيبدو» قبل خمسة أعوام وقفت أمام شاشة التلفزيون مشدوهة. اجتاحتني نوبة من الضحك الهستيري، العالم كله حزين على ضحايا المجزرة، وأنا أيضاً كنت حزينة عليهم، في الوقت نفسه كان المئات يموتون في بلدي، ويشرّد ويسجن الآلاف، لكنهم ظلوا أشبه بأرقام منسية!
ظننت حينها أنني أعاني «عقدة الأجنبي» التي تجذرت فينا بمرور سنوات الحرب، وتحولنا - نحن السوريين - إلى أدوات بيد الأجنبي صاحب اليد الطولى.

لطالما تحسّرت وأنا أشاهد العالم يتعاطف مع كل شيء، كل شيء، إلا نحن. مع أشجار أستراليا، مع البطاريق، مع كلاب المشاهير، إلا نحن.

تربط دراسات عديدة بين التعاطف والندرة، ما يعني أنه كلّما ازداد عدد الحوادث والاعتداءات، قلّ التعاطف، إذ يصبح الأمر بالتكرار مجرد حدث عادي، ويفقد قدرته على خلق تعاطف مع ضحاياه.

لكنني أزعم أن الأمر بدأ في بلادي فاقداً التعاطف، فمع أول رصاصة انطلقت في سوريا بدا المشهد مشوّهاً، ومع أول ضحية بدأت سلسلة طويلة من استغلال الدماء، واستثمارها.

عندما وقع تفجير كفرسوسة العام 2011، كان التفجير الأول من نوعه في دمشق، صور الضحايا وهم مرميون على قارعة الطريق ما زالت تحتلّ حيزاً من ذاكرتي. كذلك؛ ما زالت سلسلة تبادل الاتهامات عبر شاشات التلفزيون تحتلّ بدورها حيزاً من الذاكرة. في ذلك العام كان عودنا «غضّاً»، ولم نكن معتادين الحرب ونزف الدماء، كان شرط «الندرة» لا يزال قائماً، لكن أحداً لم يتعاطف مع الضحايا.

يوم تفجير ساحة سعد الله الجابري في حلب، لم تتغير ردة فعل العالم، لم يتعاطف أحد، وكذا حين فتكت البراميل المتفجرة بقسم من أبناء حلب، وتخصّصت «مدافع جهنّم» بقسم آخر، لم يتعاطف أحد. لا أعني ذلك التعاطف الذي تبيعه بعض وسائل الإعلام بحسب ما يناسب توجهاتها، أعني التعاطف الحقيقي، الذي يحظى بإجماع بشري طبيعي.

عندما قتل العالم السوري خالد الأسعد، وعندما دمرت معالم أثرية في تدمر على يد تنظيم «داعش» الذي اتفق العالم أيضاً على أنه إرهابي، لم يتعاطف معنا أحد.

عندما تم تدمير الجسر المعلق في دير الزور، عندما سالت الدماء في درعا، في الرقة وإدلب وحماة والسويداء واللاذقية وحلب ودمشق، والغوطة.. إلخ. عندما خطفت الحرب حمص ودمرتها، حتى قبل أيام عندما عطشت الحسكة، لم يتذكرنا أحد، لا بل لم يتذكر كثير منّا - نحن السوريين - أنفسهم / أنفسنا.

نحن في سوريا مصابون بعوز العاطفة! نحن نستحق من أنفسنا أولاً ومن الجميع ثانياً دقيقة صمت، نحتاج من أنفسنا بعض الحب، الحب غير المشروط بالسياسة وانقساماتها، نحن نستحق بعض الحزن.

نحتاج أيضاً، وقبل كل شيء قاموساً من الشتائم، يكفي - ولا قواميس تكفي - كل هذه «الحكومات» التي تسيطر على الجغرافيات السورية، ومن وراءها.

عندما رأيت الدماء في بيروت بكيت، فبيروت جزء من ذاكرتي وقلبي، الفسحة والمتنفس الذي كنت أهرب إليه بين وقت وآخر. شعرت أن الانفجار وقع في قلبي، تماماً كما كنت أشعر مع كل جريمة تشهدها بلادي، مع كل ضحية سقطت، ولا تزال تسقط.
عندما رأيت تعاطف العالم مع بيروت فرحت أن مدينة تعنيني حرّكت تعاطف العالم، ولم تستطع السياسة وبازاراتها التي اشتعلت بعض محطات التلفزيون فيها أن تسرق الحزن على ضحايا المدينة المنكوبة. فرحت أن المدينة انتصرت ولو جزئياً، ولو لحظياً، وأن ضحايا الانفجار وجدوا طريقاً إلى قلوب العالم، قبل أن تخطفهم السياسة وتتاجر بهم، ويصبحوا مجرد أرقام.

عندما رأيت تعاطف العالم مع بيروت، بكيت نفسي وأنا أبكي بيروت، بكيت السوريين المرميين على الهامش، بكيت الضحايا الذين تزين صورهم بعض المعارض، وتسرق باسمهم المساعدات، وتبنى على دمائهم الاستثمارات. 

نعم؛ لا أستطيع كبح مشاعر غيرة نمت فجأة وطغت عليّ، العالم حزين على بيروت، وأنا أيضاً حزينة، ولكن لماذا لم يحزن عليّ أحد؟

مهلاً! ما هذه الطريقة في التفكير؟ لماذا أتلمس جراحي وأمامي شخص ينزف؟ وكيف يغار قتيل من قتيل؟!