× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

احتفاء بوصول كورونا إلى حارتنا!

حكاياتنا - حشيش 25-12-2020

جارتنا أم محمد اشترت كيلو بندورة، وربطتي قريص، وجرجير، ووضعت المشتريات في كيس أسود، ثم وضعت فوقها كمامتين بلون أزرق، وعبوة كحول. كما اشترت قرني موز (نكاية بأم إبراهيم التي سألت عن السعر وشهقت)، وراحت تصيح بانتصار: «أبو أحمد، هات كيس شفاف»

الرسم: (مرهف يوسف - كارتون موفمينت)

نعم، كورونا في حارتنا أخيراً، بعد طول انتظار دام أشهراً. 

كدت أطلق عليها لقب «السيدة»، لكنني لا أعرف هل هي سيدة أم آنسة؟ بل لا أعرف أصلاً لماذا أعاملها معاملة المؤنث. (زميلتي المحررة، لا بأس، مرقيها، فلنبرر بأنني أتحدث عن جائحة).

وﻷنها أخبرتنا بقدومها منذ قرابة نصف العام، ونحن كدنا ننسى وجودها، وصلت مزمجرةً تنفخ في وجوهنا غضبها، وتصرخ بالعلالي كمسؤول حزبي: ألم أقل لكم إنني قادمة؟

منذ زمن بعيد لم يصل أحد من الغرباء إلى حارتنا، فكيف بزائرة على هذا المستوى العالي، تتقن كل لغات العالم؟ 

بصراحة، أنا لم أشك للحظة واحدة بأنها ستصل إلينا مكلّلة باﻷرقام والوفيات والتحذيرات. فمنذ آذار الماضي أرسلت إلينا رسائل عبر «واتس آب» من رقم منظمة الصحة العالمية، وأرقام وزارة الصحة أيضاً، حتى إنها تجرأت وأرسلت واحدة كذلك عبر رقم وزارة اﻷوقاف.

كان أوّل المستقبلين، جارنا أبو أحمد، الموظف المتقاعد، وصاحب الدكان اﻷعتق في حارتنا. 

سارع الرجل فور سماعه باحتمال وصولها إلى وضع صندوق مملوء بالكمامات الـ«فلش» ليبيعها أمام دكانه، إلى جوار صناديق الخضروات والفواكه، بعد أن وضع إعلاناً صميدعياً: «هنا يباع علاج فايروس كورونا، نحن الوحيدين ونحن اﻷفضل». (ننقل ما كتب بأمانة، مع الخطأ اللغوي).

لم يكتف بذلك، بل وضع إعلانات فوق أكوام السمسم والكمون والقريص، تؤكد أنها جميعاً تفيد في الوقاية من كورونا. 

وﻷن أبو أحمد، تاجر حربوق، فقد أغرانا نحن جاراته بشراء الكمامات وعلب الكحول والمحارم المعطرة. تعرفون أن معظمنا معشر النساء يحب التسوق أكثر من حياته. 

صرنا ننتقي من الكمامات والخضروات والفواكه ما يحلو لنا.

جارتنا أم محمد اشترت كيلو بندورة، وربطتي قريص، وجرجير، ووضعت المشتريات في كيس أسود، ثم وضعت فوقها كمامتين بلون أزرق، وعبوة كحول. كما اشترت قرني موز (نكاية بأم إبراهيم التي سألت عن السعر وشهقت)، وراحت تصيح بانتصار: «أبو أحمد، هات كيس شفاف». 

لم يتأخر العم أبو أحمد عن مكافأتها، فأهداها كمامة إضافية، وحلف بالطلاق (هو دائماً يحلف بالطلاق مع أي شخص) أنها لن تدفع ثمنها.

لكنني خربت مشهد الكرم الحاتمي هذا. كنتُ أضع بضع حبات من البندورة في كيس أسود، فعطست السيدة أم محمد بقربي تماماً، وحين طلبت منها وضع الكمامة، أو يدها على فمها، بحلقت فيّ مشدوهةً، وقالت «إنو مفكرة من كل عقلك في شي إسمو كورونا»؟!

وﻷنني شاهدتها قبل ثوان تضع الكمامات فوق البندورة، لم أسكت، وأشرت إلى الكمامات. ما كان منها إلا أن ابتسمت ابتسامة العارف الواثق من معلوماته أكثر من أينشتاين، وقالت لي: «اشتريتهن لأني ما بحب نقص شي ع الولاد، بس الكورونا كذبة كبيرة، بدهن يبيعوا اللقاحات للعالم ويمنعونا نخلّف أولاد». قالت ذلك وهي تشير إلى بطنها المنتفخ، وهذه المرة نكاية بي أنا المرأة غير المتزوجة.

لم تكن أم محمد وحدها من دافع دفاعاَ مستميتاً عن فكرة المؤامرة. كان في صفها جمهور كثير في حارتنا، مثل مديرة المدرسة الثانوية التي أصرّت، وتصر، على تنفيذ تحية العلم صباح كل أحد، ونهاية دوام كل خميس، برغم تعميم الوزارة أن ذلك غير ضروري، وإن نُفذ، فعلى الجميع التزام التباعد. 

قبل أيام، وتحت المطر، أصرت على تنفيذ تحية العلم، وأجبرتنا على الوقوف بجوارها. كان كثير منّا يرتدي كمامات أبو أحمد، أما هي فلم تكن تفعل.

عندما سمعت المديرة صوت الطلاب الضعيف، اشتعلت غضباً، وصرخت قائلةً: «يعني ما بدكن تحيّوا العلم»؟ وأشارت إلى العلم الممزق فوق سارية المدرسة. 

حين لم يرد أحد عليها، بدأت محاضرة الوطنية العتيقة: «العلم المرفوع فوق، أقدس من أي شي مقدس، بلا حجج فاضية، قال كورونا قال. ولك يا طلاب (للحقيقة استخدمت كلمة أخرى، شتيمة من العيار التربوي الثقيل ونتركها لخيالكم) إن الاستعمار يحارب العروبة بلبوس جديد… إلخ إلخ إلخ».

وﻷنني لم أتحمل، غادرت الباحة على الفور (أعرف أنها ستفقعني تقريراً يليق بتاريخها الحافل).

توجهت إلى المصرف، ﻷدفع مستحقات قرضي الأزلي. 

أمام باب المصرف العريق تذكرت أنني تركت كمامة أبو أحمد في غرفة التوجيه. ضربت أخماساً بأسداس، لن يسمحوا لي بدخول المصرف بلا كمامة. «هكذا هي التعليمات»، سيقول الشرطي الجميل. (المحررة: مافي داعي تقولي جميل، مو هيك؟)، طيب، ما العمل؟

لم أكد أفكر بحل لمشكلتي، حتى بادرني عجوز واقف قرب المدخل بالقول: «يا آنسة، بدك كمامة»؟ التفتّ إليه وأشرت باﻹيجاب. قال لي: «جديدة أو مستعملة؟» وقبل أن أستوعب الأمر وأجيب، أخرج من جيبه كمامة زرقاء باهتة، وهو يقول: «مستعملة نصف ساعة بس الله وكيلك، وبخمسين ورقة بس. الجديدة بتلاتميّة».

بالعودة لاحتفائنا بوصول كورونا إلى حارتنا، يؤسفني أن أخبركم أن جارنا أبو أحمد، توفي مصاباً بالفايروس، قبل أن ينال شرف استقبال الموجة الجديدة التي أرسلتها السيدة كورونا إلى السيدة المديرة، وإلى شرطي المصرف، و… نعم.. أنا مكورنة، وأرقد اﻵن في المشفى، بانتظار توافر أسطوانة أوكسجين.

لقراءة جميع مقالات هذا الملف ► 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها