× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

التجربة الإسبانية: 1- طريق الديمقراطية الطويل

عقل بارد - شعوب وحروب 12-01-2021

كيف تنتهي الحروب والنزاعات التي تحمل صبغة أهلية؟ وكيف عبرت بعض الشعوب من الحرب إلى السلم؟ نبدأ في هذه الحلقة استعراض تجربة إسبانيا، التي انتهت حربها الأهلية بانتصار الديكتاتور فرانكو، لكن مسارها نحو الديمقراطية كان أشبه بحتمية تاريخية، وسلكته البلاد لاحقاً

الصورة: (Cassowary Colorizations - فليكر)

في الرابع والعشرين من تشرين الأول العام 2019، انتهى في إسبانيا فصلٌ من فصول الجدل حول مرحلة حكم الجنرال فرانكو الدموية. جاء ذلك عبر حكم قضائي من المحكمة العليا للبلاد، أيدت فيه قرار الحكومة الاشتراكية نقل رفات فرانكو، من وادي الشهداء إلى مدفن العائلة في العاصمة مدريد، برغم معارضة ورفض العائلة للقرار الحكومي.

يقع وادي الشهداء، بالقرب من مدريد، وهو موقع دفن فيه آلاف ضحايا الحرب الأهلية اﻹسبانية على جانبي الصراع. 

جاءت خطوة نقل الرفات، تنفيذاً عملياً لقرار حكومي بأن يصبح وادي الشهداء «مكاناً لإحياء ذكرى ضحايا الحرب وتقديرهم»، فقد كان وجود القبر في ذلك المكان «إهانة للديمقراطية الناضجة» وفق بيان الحكومة. خاصةً أنّ عدداً كبيراً من الإسبان يرى أن المكان تحوّل إلى تجسيد لانتصار القوات الموالية لفرانكو على معارضيه الجمهوريين، كما أن جزءاً من الضريح بُني على أيدي سجناء سياسيين استغلتهم حقبة فرانكو في العمالة الإجبارية.

أيد كثير من أبناء ضحايا فرانكو قرار النقل، لكن الرأي العام الإسباني انقسم حول هذا الأمر، في ظل تحوّل قبر فرانكو قبلة لليمين المتطرف، يعتبره اليمينيون المتشددون ضريحاً، ويزورونه تقديراً للديكتاتور الراحل، كما يجتمعون عنده لإحياء ذكرى وفاته، ما يعني خسارة موقع رمزي وحيد، خاصة أنه ممنوعٌ منعاً باتاً نصب أي تمثال لفرانكو، أو تسمية أي فعالية باسمه. من هذا المنطلق - ربما - جاء قرار النقل حاسماً إلى وجهة محددة هي مقبرة العائلة، ورُفضت فكرة نقله إلى كاتدرائية المودينا، التي تحمل هي الأخرى ذكريات كثيرة عن الحرب اﻷهلية وحكم فرانكو.

حظي الرفات بجنازة عسكرية رسمية، بعد نقله بطائرة حوّامة تفادياً لحصول تجمعات مناهضة، خاصة مع صعود اليمين في البلاد، ما يتماثل مع دول أخرى في القارة العجوز.

كان من بين أهم دوافع قرار النقل، سد الطريق أمام استعادة اليمين المتطرف مواقع يفترض أنها تحوّلت في الوجدان الجمعي إلى ذاكرة تستعاد بوصفها وسيلة شفاء من تلك المراحل الدموية، لا بوصفها وسيلة ﻹعادة تأهيل الخراب الذي تتسبب به الديكتاتوريات، مهما كانت الطريقة المتبعة لتنفيذ ذلك، بما فيها الديمقراطية. 


الديكتاتور «رمز الوحدة الوطنية»

من المهم لفهم التحول الديمقراطي في إسبانيا، الوقوف عند ما جرى في سنوات حكم الجنرال فرانكو الأربعين ـ تقريباً ـ ففيها غُرست بذور التغيير الذي عرفته البلاد بعد رحيله.

ولد فرانسيسكو فرانكو باهاموندي، العام 1892، وأصبح جنرالاً في الجيش اﻹسباني في عمر الثالثة والثلاثين. وعند انتخاب حكومة الجبهة الشعبية اليسارية العام 1936 لحكم البلاد، نظم فرانكو ومجموعة جنرالات انقلاباً بدعم أميركي (المحررة: لم يتضح ذلك إلا بعد ثلاثة عقود تقريباً عقب نشر وثائق أميركية عن تلك المرحلة). اندلعت إثر الانقلاب حرب أهلية بين اليساريين، والقوميين الذين مثّلهم فرانكو، استمرت ثلاث سنوات راح ضحيتها الآلاف. 

مع تغير المناخ الدولي غداة انطلاق الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، غيّر فرانكو سياساته الخارجية، ليدور في فلك الغرب، وهو ما تلقاه الغرب بالقبول رغم الوضع اللاديمقراطي داخل إسبانيا

بدعم من ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، انتصر فرانكو في الحرب اﻷهلية ونصّب نفسه العام 1939 رئيساً للدولة، ليبقى في منصبه حتى وفاته، وتبدأ عملية التحول الديمقراطي بعدها.

وقف فرانكو في الحرب العالمية الثانية إلى جانب هتلر وموسوليني، فأرسل في العاشر من آب العام 1941 «الفيلق الأزرق» إلى ألمانيا، كي يشارك في الهجوم على الاتحاد السوفييتي، وانضم هذا الفيلق إلى الفيلق 250 للجيش الألماني بقيادة الجنرال فون ليب، الذي تمركز على جبهة ضفة نهر فولشوف، قرب لينينغراد.

داخلياً، عاشت البلاد في حقبة الأربعينيات قمعاً سياسياً واقتصادياً طاول جميع اﻹسبان، وخاصةً المعارضين لسياسات فرانكو. تشير التقديرات إلى أن أكثر من مئتي ألف إسباني لقوا حتفهم في السنوات الأولى من الحكم الديكتاتوري بين (1940-1942) نتيجة القمع السياسي والجوع والأمراض المتصلة بالصراع. ووفقاً لتقارير عديدة، فإن إسبانيا هي ثاني دولة في العالم بعد كمبوديا من حيث عدد الأفراد المفقودين الذين لم يُعثر على بقاياهم حتى الآن.  

تذكر إحصاءات رسمية أن أكثر من ربع مليون شخص كانوا قيد الاعتقال في تلك الحقبة، وحوالى نصف مليون غادروا البلاد إلى جهات العالم، وقامت قوات فرانكو السريّة بتتبع كثير منهم وجلبهم إلى البلاد، ومحاكمتهم ميدانياً. لقي أكثر من سبعة آلاف شخص مصرعهم بهذه الطريقة بعد أن حجزوا في معتقلات عسكرية تشبه معتقلات النازية.

أوقف فرانكو مع نهاية الحرب العالمية الثانية عمليات اﻹعدام التي كان يقوم بها طيلة سنوات ما بعد انتصاره في الحرب اﻷهلية، وكان بذلك يغازل الحلفاء المنتصرين في الحرب.

مع تغير المناخ الدولي غداة انطلاق الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، غيّر فرانكو سياساته الخارجية، من الحياد تقريباً ليدور في فلك الغرب، وهو ما تلقاه الغرب بالقبول رغم الوضع اللاديمقراطي داخل البلاد.

في العام 1959 ذُهل العالم بالرئيس الأميركي دوايت إيزنهاور إلى جانب فرانثيسكو فرانكو، يجوبان معاً شوارع مدريد.

ساهم هذا التموضع الجديد في تخفيف العزلة الدولية على فرانكو، وفي دعم الاقتصاد المنهار، والانفتاح التدريجي على العالم. وبرغم النهضة الاقتصادية التي بدأت أواخر الخمسينيات، فإن اقتصاد البلاد بقي في مستويات أقل من اقتصادات أوروبا الغربية التي استفادت من مشروع مارشال اﻷميركي.

شهدت الستينيات، وأوائل السبعينيات، تحسناً كبيراً وملحوظاً في الاقتصاد الإسباني، ما ساهم في تشكّل طبقة وسطى كبيرة، أدت دوراً رئيسياً في المطالبة بالحريات المفقودة في الممارسات السياسية، وقادت بالتالي حركات نقابية فاعلة أطلقت الاحتجاجات المضادة للدكتاتورية، بالاستفادة من اﻷجواء الإيجابية لمظاهرات الطلاب في فرنسا العام 1968، لكنّ إجمالي هذه التراكمات لم يكن مؤثراً على النظام السياسي لفرانكو، مع استمرار القمع ومطاردة المعارضين في مختلف أنحاء العالم.

دأب الجنرال على إجراء انتخابات رئاسية، كان يفوز فيها على الدوام بصفته مرشحاً وحيداً، أو أمام منافسين عسكريين يختارهم بنفسه، ما أعطاه شرعية شكلية دعمتها سلطة الجنرالات الذين اصطفاهم إلى جواره، وساهموا في هيمنته على جميع سلطات الدولة الجديدة، وحيازته لقب «رئيس حكومة الدولة الإسبانية»، ولقب «القائد العام للقوات الوطنية في البحر والجو والبحر» الذي حظي بأهمية خاصة لأن الجيش عُد «رمز الوحدة الوطنية».

في 14 تشرين اﻷول 1975 بدأت صحة فرانكو بالتدهور، وفي 25 منه توقفت أعضاؤه الحيوية عن العمل، لكن المحيطين به أكدوا أنه لا يزال على قيد الحياة. 
في 20 من تشرين الثاني توفي الزعيم، وبدأت آليات خلافته بالعمل. كان فرانكو قد أعاد الملكية إلى البلاد قبل سنوات، وعيَّن الأمير خوان كارلوس دي بوربون، ملكاً. 
لاحقاً، لعب الملك الشاب دوراً مركزياً في العملية المعقدة لتفكيك نظام فرانكو، والانطلاق في المسار الديمقراطي.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها