× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

دفاتر الدين في ريف حلب: «ما كل من طلب السعادة نالها»!

حكاياتنا - خبز 30-01-2021

في ظل ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل، إلى جانب التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه مختلف طبقات المجتمع السوري، تبرز دفاتر الدين بوصفها حلاً لا بدّ منه لتوفير الاحتياجات اليومية في ريف حلب الشمالي، غير أن هذا الحل ليس سهلاً أو متاحاً للجميع، خاصة لأصحاب الدخل غير المنتظم، أو المُهجرين من مناطق أخرى

فشل محمد رمضان (30 عاماً)، في الحصول على ثقة بائع المواد الغذائية في الحي الذي يسكنه في مدينة اعزاز شمالي حلب، مع أنه حاول مد جسور الألفة مع البائع، عبر الشراء التموينية من متجره دائماً وقت توافر النقود لديه، مع كلمات ودية، على أمل توطيد المعرفة وبناء الثقة، ليستطيع الشراء بالدين، حين لا تكون النقود حاضرة.

برغم ذلك، فإن البائع لم يمنح الثقة لمحمد، خاصة أن الأخير نازح من مدينة معرة النعمان الواقعة في ريف إدلب، ويقيم في منزل مستأجر، ولا «أحد يعلم متى يترك المنزل». 

لإزاحة هذا العائق، استعان محمد بصاحب البيت الذي يستأجره، وطلب منه أن يكفله، لكن صاحب المحل، بقي متمسكاً بموقفه، ورافضاً أن يبيع محمد بالدّين.

وجد أبو علي حلاً بديلاً لمشكلة محمد، وعرّفه إلى بائع آخر في الشارع المجاور، «طيب القلب، ويساعد المحتاج ويصبر على ضيق حاله»، هو رجل خمسيني يشتهر باسم أبو اصطيف، تتوافر في بقاليته المواد الغذائية والخضروات.

يؤكد أبو عمر، أن غالبية الأشخاص الذين يستدينون منه هم من الموظفين، أما العاملون المياومون، فلا تُفتح لواحدهم صفحة في دفتر الدين، من دون كفيل

بعد أن سمع أبو اصطيف، قصة محمد، وفهم ظروفه الصعبة، وافق على فتح صفحة خاصة له في دفتر الدين، لكن بشرط ألا تتجاوز ديونه شهرياً 50 ألف ليرة سورية، وفي حال تجاوز هذا الرقم يتوقف البائع عن بيعه أي شيء، حتى سداد الحساب المتراكم.

يقول محمد لـ صوت سوري: «طبعاً وافقت فوراً. أستطيع استدانة المواد الغذائية والخضروات ولا أكسر نفسي لأحد آخر». 

يشرح الشاب كيف أثّرت «أزمة كورونا» في الحد من الحركة التجارية، وبالتالي على عمله في العتالة، ويأمل أن يرزقه الله عملاً آخر، ولا تغلق صفحة الدين عند بائع البقالية.

ويعاني أرباب العائلات الذين لا يحظون بدخل شهري مستقر، ظروفاً متردية، ويزداد الأمر تعقيداً مع صعوبة كسب ثقة الباعة، لأنهم يعملون وفق نظام المياومة، قد يتاح لهم العمل ليوم واحد في الأسبوع، أو لخمسة أيام، وهذه الحالات قليلة جداً.

ويضطر كل من هؤلاء إلى الحصول على ضامن يكفل صفحة الدين الخاصة بهم، فإذا غاب المستدين، أو امتنع عن السداد، قام الكفيل بدفع ما يترتب عليهم لصاحب المحل، وغالباً لا يجد كثير منهم من يقوم بعملية الكفالة، لأنهم غير مستقري الدخل. 

وحتى المحظوظون، الذين يعملون بانتظام، ليسوا في غنى عن دفتر الدين، فمتوسط الدخل الشهري لا يكاد يوازي 100 دولار أميركي، وهو مبلغ لا يوفر حياة جيدة لأسرة مكونة من أربعة أو خمسة أفراد، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضار واللحوم والأدوية، وغيرها من حاجيات الأسر اليومية. برغم ذلك، فإن وجود دخل منتظم يمنح هؤلاء ميزة تفضيلية، ويُكسبهم ثقة الباعة في مختلف المتاجر.

دشّن جمال بكور 28عاماً، صفحات دين جديدة بعد مضي 10 أيام من شهر يناير / كانون الثاني، واحدة عند «السمان» صاحب متجر المواد الغذائية، وأخرى عند بقالية الخضار، وثالثة في الصيدلية، لأن الراتب «طار» قبل انتصاف الشهر، على حد تعبيره. 

بكور، معلم لطلاب المرحلة الابتدائية، لدى مديرية التربية والتعليم في ريف حلب، وعادة ما ينفد مرتبه الذي يبلغ 750 ليرة تركية، في الأسبوع الثاني من كل شهر، ليبدأ الاستدانة من المحال التي يتعامل معها بشكل دائم.

«قيمة راتبي بالكاد تعادل 100 دولار. هو مقابل الليرة السورية يساوي الكثير، لكنه في المتجر أو الصيدلية، لا يساوي سوى بضعة أغراض»

وعلى الرغم من انتشار فايروس كورونا في ريف حلب، يواصل جمال عمله في المدرسة، ويستقبل تلاميذه، من دون أي اعتبار لإجراءات السلامة. يقول الرجل: «جميع المنتجات الغذائية، والأدوية، وحتى الخضار المنتجة محلياً، باتت تباع بحسب سعر الصرف. قيمة راتبي بالكاد تساوي 100 دولار، وهو مقابل الليرة السورية يساوي الكثير، لكنه في المتجر أو الصيدلية، لا يساوي سوى بضعة أغراض». 

يؤكد بكور أنه يتعرض لمضايقات من بعض الباعة الذين يتعامل معهم، ورغم أنه معلم، ويُفترض أن يحظى باحترام في المجتمع، فإن الواقع مختلف. يقول: «نحن فاقدون للعيش الكريم. نعاني ظروفاً قاتلة تضعنا أمام خيارات صعبة، ولا يمكننا التخلص منها».

وبين وقت وآخر، تتسبب دفاتر الدين بنشوب خلافات حادة بين أحد الباعة وأحد الزبائن، بسبب عدم استطاعة المشتري دفع المستحقات المترتبة عليه. فضلاً عن الآثار النفسية التي يعانيها المشتري، وترافقه طيلة الشهر. 

خلال جولتنا لإعداد المادة، التقينا حسن أبو عمر، وهو رجل ستيني يملك متجراً لبيع المواد الغذائية والتموينية، وكذلك محلاُ لبيع المحروقات، في مدينة اعزاز. يقول الرجل إن «غالبية الموظفين يقومون باستدانة حاجياتهم من المحال التجارية: المواد الغذائية، والخضار، والمحروقات، وحتى الأدوية من الصيدليات، وغيرها من المستلزمات اليومية التي تحتاجها الأسرة، وعندما يقبضون رواتبهم يقومون بتوزيعها على المحال التي استدانوا منها، لكن معظمهم لا يغلقون كامل الحسابات، لأن الراتب لا يكفي».

يؤكد أبو عمر، أن غالبية الأشخاص الذين يستدينون منه هم من فئة الموظفين، أما العاملون المياومون، فلا يمكن أن تُفتح لواحدهم صفحة في دفتر الدين، من دون وجود كفيل ضامن. 

ويوضح أنه اتبع هذه السياسة بسبب مشكلة حدثت معه قبل سنوات، حيث قام شخص استدان منه مواد غذائية قيمتها 100 ألف ليرة سورية بالفرار مع أسرته، ولا يعلم إلى أين ذهب، وعندما شاع الخبر بين الناس تبين أن الفارّ كان قد استدان من معظم الباعة في الحي، ولم يسدد لهم مستحقاتهم.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها