دفاتر السوريين: عن بلاد ناقصة الصفحات
هناك الكثير مما يُحكى عن دفاتر السوريين، سواء كانت الدفاتر المقصودة حقيقة ملموسة، أو مجازاً. هذا ملف صغير يحتفي بالدفاتر، دفاتر حياتنا التي مُزقت منها صفحات كثيرة، وشُوّهت صفحات كثيرة أخرى.
في المجازات، كانت الحيطان صفحات شديدة الأهمية في حيواتنا، على الأرجح أنها لا تزال كذلك برغم العدد الهائل من الحيطان التي دُمرت على امتداد السنوات الماضية.
«الحيطان دفاتر المجانين».. جميعنا يحفظ هذا القول، وكثُرٌ منّا استخدموه ولو مرةً على الأقل، أليس كذلك؟ لكن هذا القول المأثور لم يمنع استخدام الجدران السورية لكتابة الشعارات، وحشد الولاءات، أو استجلاب الخشوع، واستنهاض الهمم، وتهديد الأمم، أو المطالبة بعدم التبوّل، أو رمي الأوساخ، إضافة إلى الغزل!
دفاتر الحيطان أنواع، منها ما هو «عام»، كُتبت صفحاته جهاراً نهاراً، بلا وجل أو خجل، ومحتواه في الغالب الأعم موجّه لمخاطبة «الرأي العام»، نتذكر هنا حيطان المدارس، والثكنات، والفروع، والمعسكرات... إلخ.
هناك أيضاً نوع من دفاتر الحيطان، يشبه التدوين بأسماء مستعارة، أو بلا أسماء. وهذه تكثر في الأحياء الشعبية، والشوارع الفرعية، ومضامينها تتنوع بشكل كبير، من تدوينات الرجل الخطّاط وأمثاله، إلى بوح العشّاق المجهولين، إلى الغيورين على نظافة هذه الحارة أو تلك.
النوع «الأخطر» هو ذاك الذي قد يودي بحياة كاتبه، أحياناً بسبب مضامينه، وأحيانا أخرى بسبب التجرؤ على فعل الكتابة فقط. أحد زملائنا العاملين في المجال الإغاثي تم تقييده يومين كاملين بسبب اكتشاف سجّانه أنه حاول قتل الوقت بحفر بعض الكلمات والرسومات - التي يبرع فيها - على جدار زنزانته المنفردة. الزميل إياه كان قد ذاق الاعتقال مرات عديدة، منها ما كان في «حضن الوطن»، ومنها ما كان في «كنف الفصائل الثورية»، قبل أن ينتهي به المطاف معتزلاً وهارباً من الجغرافيا السورية، إلى بلاد تسمّي المجانين أمثاله «فنّاني غرافيك».
في الملف: