× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

بين العائلة والتجنيد.. يا دفاترنا «المجلّدة» أنجدينا!

حكاياتنا - خبز 31-01-2021

حين تسأل سوريّاً عن علاقته بالدفاتر، فليس بالضرورة أن تخطر في باله دفاتر المدرسة، ولا حتى دفاتر الديون، ثمة دفاتر أخرى كثيرة تفرض نفسها هنا، من بينها على وجه الخصوص «دفتر العسكرية»، ودفتر العائلة

أمام باب دائرة السجل المدني (النفوس) يجلس أبو أحمد، على كرسي خشبي خلف طاولة صغيرة وضعت عليها آلة تجليد حراري، وبجوارها عدد من الجلود المجهزة على مقاس دفاتر صغيرة.

يقول أبو أحمد «الأفضل لكل من يحصل على دفتر عائلة أن يشتري جلداً لحمايته، هذا الدفتر هو الوثيقة التي تثبت وجود عائلة، لا عائلة من دون دفتر».

يوميّاً، يقوم أبو أحمد بتجليد عشرات الوثائق الهامة، بينها بطاقات جامعية، وهويات عسكرية (للمجندين)، وبطاقات أخرى. إضافة إلى تجليد دفاتر التجنيد (دفاتر العسكرية)، التي تمثل بدورها وثيقة إلزامية لجميع الذكور، ودليل «براءة من تهمة التخلف» لكثيرين، و«دليل إدانة» في أوقات أخرى!

تنتظر أم سامر، منذ أكثر من عام أن ينتهي مسيّر المعاملات من إجراءات تسجيل زواجها، وابنيها، للحصول على دفتر عائلة، «يقونن» أسرتها، ويخولها أن تسجل أبناءها في المدرسة بشكل نظامي، كما يخولها الحصول على بطاقة ذكية، تضمن لها أسطوانة الغاز، وأحياناً بعض المازوت للتدفئة شتاء.

تزوجت السيدة قبل نحو ست سنوات في تركيا، وأنجبت طفلين، قبل أن يفارق زوجها الحياة منذ عامين، الأمر الذي دفعها إلى العودة إلى سوريا، والعيش قرب عائلتها في إحدى قرى ريف حماة، لتبدأ معاملة طويلة لتثبيت زواجها، وتوثيق وفاة زوجها، وتسجيل أبنائها في السجلات المدنية السورية، والحصول على دفتر عائلة، بمساعدة إحدى المنظمات.

منذ عودة السيدة الثلاثينية إلى البلاد، لم تصطحب ابنيها خارج القرية، خشية أن يتهمها أحد بخطفهما، فهي لا تمتلك أي وثيقة رسمية تثبت أنها أمهما.
تضحك أم سامر، لدى سؤالها عن أول أمر ستفعله بعد الحصول على دفتر العائلة، قبل أن تجيب «سأقوم بتجليده طبعاً، يجب أن أحافظ عليه»، وتضيف «سأستخرج بطاقة ذكية أيضاً».

وتحصل كل عائلة في سوريا على دفتر عائلي يحمل اسم «بطاقة أسرية» تمنحها دائرة السجل المدني التابعة لوزارة الداخلية، ويعتبر وثيقة رسمية يُطلب إبرازها عند إتمام عدد كبير من المعاملات المتعلقة بالعائلة، أو الحصول على الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية، كما تطلبه السلطات اللبنانية عند الحدود، قبل السماح بدخول بعض العائلات السورية إلى لبنان.

«كان عناصر الحاجز يهددون بتسليمي للشرطة العسكرية لو لم يصل ابن عمي ومعه دفتر العسكرية، قبّلت الدفتر وحضنته، لقد أنقذني»

يفسح دفتر العائلة المجال لتسجيل أربع زيجات، كما يحتوي على صفحات تتيح تسجيل 20 طفلاً، ما يعني أن من يتزوج أكثر من 4 مرات عليه أن يحصل على دفتر آخر، كما يتطلب إنجاب أكثر من 20 طفلاً، دفتراً آخر أيضاً. 

وتروى حوله حكايات عديدة تتعلق باكتشاف نساء قيام أزواجهن بالزواج مرة ثانية، عن طريق هذا الدفتر الذي يبقى مع الرجل في حال تعدد الزوجات، وتحصل كل امرأة بعد وفاته على دفتر خاص بها وبأبنائها، إلا أن هذا الدفتر الجديد يحتوي إشارة إلى وجود ضرة لها، تحمل دفتراً آخر.

وبينما تنتظر أم سامر انتهاء معاملتها للحصول على دفتر عائلة، ينتظر عامر، هو الآخر انتهاء معاملة الحصول على دفتر عائلة، بدلاً من دفتره الذي التهمه حريق نشب في منزله، وتسبب بإتلاف أوراقه الرسمية، بما فيها دفتر العائلة، ودفتر التجنيد الذي يمثل فقدانه كابوساً للذكور الذين تتجاوز أعمارهم الـ 18 عاماً في سوريا.

في كثير من الأحيان يحمل الشاب معاملته خلال تنقله في المدينة، كما قام بتجليد نسخة عن ضبط الشرطة الذي يؤكد احتراق أوراقه الثبوتية، ليقوم بإبراز الضبط عند اللزوم، في حال أوقفته دورية، أو حاجز ما، وطُلب منه دفتر العسكرية.

أما مضر، وهو غير مكلف بالخدمة الإلزامية في الجيش لأنه وحيد لوالديه، فيروي أنه نسي في إحدى المرات حمل دفتر العسكرية، وكان مسافراً إلى دمشق، توقفت الحافلة عند حاجز عسكري على مدخل العاصمة، وقام عناصر الحاجز بإنزاله من البولمان، واضطر إلى الانتظار نحو خمس ساعات، ليأتي أحد أفراد عائلته مصطحباً دفتر العسكرية معه. يقول «منذ ذلك الوقت وأنا أحمل هذا الدفتر معي، يمكن أن أنسى أي شيء إلا دفتر العسكرية»، ويضيف «كان عناصر الحاجز يهددون بتسليمي للشرطة العسكرية لو لم يصل ابن عمي ومعه دفتر العسكرية، قبّلت الدفتر وحضنته، لقد أنقذني».

تضحك أم سامر، لدى سؤالها عن أول أمر ستفعله بعد الحصول على دفتر العائلة، وتجيب «سأقوم بتجليده طبعاً، يجب أن أحافظ عليه، وسأستخرج بطاقة ذكية أيضاً»

دفتر العسكرية الذي كان طوق نجاة لمضر، يمثل لكثيرين كابوساً يطاردهم، خصوصاً أولئك الذين لم يتمكنوا من الحصول على تأجيل الخدمة الإلزامية، وأصبح التحاقهم بصفوف الجيش واجباً، وتخلفهم يعاقب عليه القانون. هذا الكابوس هو ما يعيشه أمجد، الذي تخرج من الجامعة، ولم يتمكن حتى الآن من العثور على فرصة لإكمال الدراسة، سواء داخل سوريا أو خارجها، ما يعني أن عليه الالتحاق بالجيش.

يقلب أمجد دفتر العسكرية بين يديه، يشير إلى صفحة فارغة في منتصفه ويقول: «هنا يجب أن يوضع تأجيل جديد قبل شهر آذار المقبل، وإلا أصبحت متخلفاً، لتلاحقني الشرطة العسكرية». 

يضع أمجد، الخطة ب، التي سيعتمدها في حال لم تفلح محاولاته لـ«تزبيط تأجيل» بطريقة ما. أفضل الخيارات التي وصل إليها حتى الآن السفر إلى تركيا بشكل غير نظامي (تهريب)، والعمل بعض الوقت لتأمين مال يمكنه من السفر إلى أوروبا لاحقاً.

لم يعد أمام الشاب الكثير من الوقت، لكنه لم يفقد الأمل، ويواصل مراسلة عدد من الجامعات غير السورية التي تقدم منحاً دراسية، عله يتمكن من الالتحاق بإحداها، ليترك هذا الدفتر هنا، ويرمي همه على أهله الذين يتوجب عليهم إتمام معاملة تأجيل سنوية، في حال سافر ابنهم.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها