× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

دفتر العلامات: وحش التنافس القاتل!

عقل بارد - على الطاولة 04-02-2021

دفتر العلامات في المدرسة، كان أداة بعضنا لجرح البعض الآخر، ووسيلة للاستهزاء بـ«الخصوم»، كان سوطاً لا يرحم في لعبة الثواب والعقاب. صحيح أنه لم يكن سيفاً، ولا بندقية، لكنه لم يكن أقل خطراً، كان آلية تفكير حطمت الأمل في اتكاء الأكتاف بعضها على بعض

الصورة: (تلميذات سوريات في عرسال- مفوضية اللاجئين UNHCR)

كنا نكرهه. 

على الأقل معظمنا كان كذلك. حتى أولئك الأوائل، كانوا يخافون منه. 

كان أشبه بسوط أشد قسوة من عصا مدرب «مادة التربية العسكرية»، وربما كان جزءاً من تلك التربية!

هل تتذكرون دفتر العلامات؟!

الدفتر الذي كان يُعدّ «معيار الجودة»! تماماً كما يُعدّ التحصيل المدرسي في بلادنا معياراً وحيداً لذكاء الإنسان وتميزه. 

تُرى، هل كان ذلك الدفتر، بما كرّسه من فردانية، وتنافسيّة شرسة، أحد العوامل الخفية التي قادتنا جميعاً إلى «براثن التوحّش»؟

يبدو السؤال كبيراً، ولا يتناسب مع دفتر العلامات؟ أبدو مبالغاً في طرحي؟؟

قد يكون هذا صحيحاً، لكنّ كل ما أفعله هو تفريغ الأسئلة التي تبادرت إلى ذهني فور تذكره.

ألم يكرّس ذلك الدفتر فكرة التنافسية الشرسة؟ ألم يساهم في غرس بذور الكره والحقد والغل؟ 

ألم يجعلنا نؤسس علاقاتنا مع الجماعة المحيطة بنا على أساس المنافسة، وفقط المنافسة؟

سيقول قائل: «وما البديل عن دفتر العلامات هذا؟ لا بد أن يمتلك المدرس مؤشرات ليُقيم على أساسها». نعم، هذا صحيح. لكن لماذا يحوّلون المؤشرات إلى وسيلة ترهيب مثلاً؟ ولماذا تدخل في دائرة الثواب والعقاب؟ ولماذا تكون «ضابط إيقاع» شبه وحيد للعلاقات بين التلميذ وأقرانه؟

أجدني ميالاً هنا إلى تبني ما يراه مورتون ديوتش / morton deutsch، حول الأفراد في المواقف التنافسية، إذ «يكون ترابط أهدافهم سلبياً، فعندما يحقق أحد المتنافسين هدفه، يفشل منافسوه الآخرون في تحقيق أهدافهم».

«التنافسية» التي يخلقها دفتر العلامات تجعل الطلاب منخرطين باستمرار في معارك، تتُوج في نهاية المطاف بـ«حرب الامتحان» التي يدخلونها بمنطق: «قاتل أو مقتول»!

إن من المألوف سعي الأشخاص في الحالة التنافسية إلى إعاقة تقدم الآخرين، وكره الظروف التي تسمح للآخرين بالتقدم، لا سيما عندما نتحدث عن الأطفال واليافعين، وعن تطبيق بدائي للتنافس. نحن بالتالي أمام تنشئة مجتمع يستند إلى الفردانية، ويقضي على الجماعة والرغبة في العمل الجماعي.

نحن نؤسس بُنى يريد فيها الجميع أن يقود الجميع! وتنتج بنية طبقية جديدة، ليست اقتصادية بطبيعة الحال، بل طبقية من نوع مختلف. 

تلك «التنافسية» التي يخلقها دفتر العلامات بالصورة المُتبعة عندنا، تجعل الطلاب منخرطين باستمرار في معارك، تتُوج في نهاية المطاف بـ«حرب الامتحان»، التي يدخلونها بمنطق «قاتل أو مقتول»!

لقد نشأنا بسبب هذا الدفتر على فكرة أننا خصوم، وربما في بعض الأحيان أعداء.

أتذكر جيداً أن معظم تلاميذ الشعبة، في كل الصفوف التي تدرجت عبرها، كانوا يرغبون في حرق دفتر العلامات، باستثناء الأول على هذه الشعبة أو تلك، فعادة ما يكون مستعداً للدفاع عن ذلك الدفتر حتى الموت!!

ألا يعني هذا نشوء مجتمع مصغر مبني على ثنائية: «شخص متفوق»، في مواجهة مجموعة أشخاص يكرهونه؟ فيما تُكرس في ذهن المتفوق فكرة أن الآخرين يغارون من نجاحه، وبالتالي تحوله إلى كاره لهم.

ذلك الدفتر يمثل فكرة العنف التربوي، ويجسد فكرة المقارنة غير المحسوبة، وهو من زاوية أخرى مُنتج لتلك العبارة التي حولت المتفوق في مجتمع شعبته إلى نكتة «الطالب الشاطر بالشعبة».

أليس الأجدر أن نتعلم كيف نفوز معاً؟ كيف نتفوق معاً؟ وكيف نقود معاً سفينة واحدة؟ 

وفي ظل كل هذه الأسئلة التي أطرحها عن التنافسية، أتفهم أن يسأل أحدهم: «يعني لا توجد فوائد للتنافسية»؟؟ 

أنا لا أملك جواباً هنا، وأرى أن الأجدى تغيير صيغة السؤال إلى «كيف يصبح التنافس مفيداً؟»، ومن ثم: «كيف نفوز من دون أن نجرع الآخر ذل الهزيمة؟ ولماذا ينبغي أن نحتفل بهزيمة أحدهم»؟

أخيراً، أتذكر نكتة ممجوجة كنا نستخدمها في طفولتنا، ونضحك، وكانت تعبر عن أمنياتنا: «بتعرف مين مات؟ دفتر العلامات».
اللافت اليوم، بعد أن مات من مات، وشُرّد من شُرّد، أن النكتة / الأمنية لا تزال حيّة، ودفتر العلامات ما زال ناباً بارزاً لـ«وحش النظام التربوي» في بلادنا.

هامش

يقول الخبر، إن طفلة عمرها 13 عاماً، اختفت قبل أيام في دمشق. تقدم أهل الطفلة ببلاغ إلى مخفر الميدان، بعد أن كادوا يسلّمون بأن ابنتهم قد تعرضت للخطف، أو أي مكروه آخر.

أخيراً، اتضح أن الطفلة هربت من  منزلها، واختبأت عند أقارب لها، خوفاً من رد فعل أسرتها على علاماتها في الامتحانات الفصلية.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها