× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

هل تعلمنا من كوننا مسرحاً؟!

عقل بارد - على الطاولة 18-03-2021

صارت سوريا واحداً من أشهر المسارح، وحققت أكثر الفرجات تشويقاً، لعالم اكتفى بدور الجمهور، والتصفيق للاقتتال، ورحنا نسمع في الندوات والحوارات نصائح مفادها «لا تكونوا مثل السوريين»، أو «تعلموا واتعظوا مما حدث في سوريا»

الصورة: (اجتماع لرؤساء أركان الولايات المتحدة وروسيا وتركيا بشأن سوريا 2017 / فليكر)

عشر سنوات والعالم يتفرج. كثر كسبوا رهانات، وكثر حصدوا أرباحاً. كثر صفقوا، وكثر ضحكوا، وأكثر بكوا. 

عشر سنوات ونحن العَرض، والعالم يتفرج! 

تارة يعاملوننا كمباراة كرة قدم، فيشجعون أحد الفريقين، وتارة نصبح حكاية فيها أبطال ولها نهايات، ونظل نلعب الدور، وكأننا نُذرنا لإعطاء الدروس لا لتعلمها!!

شتمنا كلّ من قال: «ليتها لم تكن»، وشتمنا كل من قال: «لن نندم على الكرامة». 

هاجمنا من سماها «مؤامرة»، وسخرنا ممن قال: «إنها ثورة». 

هكذا صرنا فقط أفراداً في هذه الحرب. تمثلناها حتى ليبدو أننا لم نعد نجد مفراً من إطلاق النار على أي شيء، في أي وقت! 

نحن الذين يتفرج علينا العالم، مسرح الأحداث ومركزها، كيف لم ننتهِ حتى اليوم؟ ألأننا لمّا نتطهر من شرورنا بعد؟

بشيء من جلد الذات سأمارس هوايتي في طرح الأسئلة، ولا بد أن أنفذ إليها من بوابة مفردتين وردتا في الجمل الأخيرة: مسرح، وتطهير!

من منا لم يسمع تعبير «المأساة السورية»؟ التي تحيلنا بشيء من التأمل إلى الحضارة الإغريقية المدنية الأولى، حين خُلقت الأسطورة لتجسد وقتذاك حكايات الآلهة، أو أنصاف الآلهة، والأبطال الذين هزمتهم الحروب، وعاشوا مرارة الانكسار والمغامرة، حتى بدت الأساطير كأنها نصوص دينية أراد قائلها أن يجعل الناس تتنبه وتتعظ! 

هذا ليس بعيداً عمّا سماه أرسطو في كتابه «فن الشعر» حين أراد أن يصف غاية طرح المأساة بـ «التطهير». 

شتمنا كلّ من قال: «ليتها لم تكن»، وشتمنا كلّ من قال: «لن نندم على الكرامة». هاجمنا من سماها «مؤامرة»، وسخرنا ممن قال: «إنها ثورة»

رأى أرسطو، أنّ مشاهدة العروض المسرحية التراجيدية تؤدي إلى خلق هزات داخلية عند الفرد، وبالتالي ترشده إلى المعرفة الذاتية، فرؤية الأبطال يخطئون ويتألمون ستحفز - بلا شك - الخوف والرهبة عند المشاهدين، وتدفعهم إلى تحكيم العقل في أسئلة عن الحقيقة والضمير والأخلاق...إلخ

هذا يعني أن المتفرجين على المآسي يتعظون بها، بل وتغسلهم من الشرور أمام لحظة حقيقة.

ناهيك بأن الذين عملوا في العلاج عن طريق الدراما أخذوا التقاطة أرسطو تلك، وبنوا عليها جزءاً من علومهم، فاعتبروا أن تمثل المريض لشخصية أو فرضية ما، قد يقوده إلى التخلص من آثار نفسية مرتبطة بالمشكلة. مقاربة قد تلتقي مع نظرة سيغموند فرويد، الذي اعتبر أنّ كتم المشاعر سيؤدي ذات لحظةٍ إلى انفجارها بشكلٍ عنيف، ولذلك فإن إيجاد طريقة لإخراجها هو باب الحل.

هكذا؛ نجد أن مشاهدة المأساة - وفق أرسطو - كفيلة بالتخلص من المشاعر السلبية، وتنوير العقل بالمعاني العظيمة التي تحملها المأساة، فيتخيل المشاهد نفسه مكان الأبطال، ويتخيل ما الذي قد يحل به لو تعرض للموقف ذاته. 

إنه شيء يعبر عن «قدرة التراجيديا والمأساة على خلق إحساس بأنها تماثل الحقيقة»، وفق الناقد الأميركي جون غاسنر.

هذا ما يحدث في العالم - غالباً - عندما تتحول إحدى بقاعه إلى مسرح، فكثيراً ما يُحذر أفرادٌ جماعتهم من مصير جماعات أخرى، وينصحون بتحاشي استنساخ آليات الجماعات التي عاشت تجارب مأسوية، كي لا تصل جماعتهم إلى النتائج ذاتها.

في العقد الأخير كانت سوريا واحداً من أشهر المسارح، وحققت أكثر الفرجات تشويقاً، لعالم اكتفى بلعب دور الجمهور، والتصفيق للاقتتال، ورحنا نسمع في الندوات والحوارات نصائح مفادها «لا تكونوا مثل السوريين»، أو «تعلموا واتعظوا مما حدث في سوريا»، وليس غريباً الزعم أن كثراً ممن راقبوا الحدث السوري، أعادوا ترتيب حيواتهم ومفاهيمهم، بل راحوا يتداركون تصرفات كيلا تودي بهم إلى مأساة شبيهة!!

ها نحن نحقق الجزء الأهم مما قاله أرسطو! نحن الفرجة المأساة، والعالم يتطهر ويتعظ!!

لكن، هل تطهرنا - نحن السوريين - كما جمهورنا؟

إذا كان «تمثل الحكاية قد يؤدي إلى التطهير»، وفقاً لعلم النفس، فلماذا عيشها لم يوصلنا إليه؟ 

أكان أرسطو، وفرويد، ويونغ، وغاسنر على خطأ؟ هل جاءت التجربة السورية لتثبت كذب النظرية؟ 

قد يقول قائل: لا تجوز مقارنة أعمار وتجارب الدول والشعوب، بأعمار وتجارب الأفراد. لكنني في الواقع لا أبحث عن حلول جذرية للمسألة السورية، ولا يعنيني الحل في هذا المقام. أنا أتساءل هنا عن الفرد الحامل حتى اليوم للضغينة، وتسيطر عليه مشاعر الانتقام (ولا أناقش أحقيته في الانتقام هنا).

هذا الفرد، (قد يكون أنا وأنتَ وأنتِ، وهو وهي) كم سنة من عمر المأساة يحتاج بعد، لبلوغ ما سماه أرسطو «التطهير»؟ 

لكن؛ هل يحق لي الجزم بأن التطهير لم يحصل، فأسأل عن السبب؟

وماذا لو كنا نمارس النبل الذي ينتجه التطهير في السر فقط، في حين نجد أنفسنا مجبرين أمام الجماعة أن ننجرف مع خطابات الأحقاد وشعبوية المواقف؟

أعرف كثراً ممن يخبؤون ويخبئن مواقفهم/نّ الحقيقية، يدارون، ويدارين رغبتهم/نّ في الخلاص، خشية رد فعل الجماعة، فلا ينقلون إليها تطهرهم/نّ، بل يتمثلون ويتمثلن صخبها.

أنت الآن مطهر/ة، من مشاعر الخوف والشفقة، لا تخاف/ين الموت، وتجتاز/ين صعاب الحياة، ولكنك تخاف/ين من قول: لقد تعبت!

فالتعب هنا «خيانة» في تعريف بعض رفاق ورفيقات دربك، ممن لم تطهرهم أو تطهرهنّ المأساة بعد.

طيب، بما أن وجودنا على خشبة المسرح لم يقدنا إلى التطهير، فما الحل؟؟

أن نغادر الخشبة، ونجلس بين الجمهور، ثم نصرخ عالياً كي يتوقف العرض؟ 

إذا كان لعبُنا للدور لم يوصلنا إلى نتيجة، فلماذا لا نتوقف الآن؟ ولماذا لا نرفض أن نكون درساً للآخرين؟

بطبيعة الحال سيقول قائل إنني أحملنا أكثر من استطاعتنا، وإن إيقاف العرض ليس بيدنا، وهذا فيه الكثير من الصواب، لكن هناك أمر في يدنا على الأقل، هو قدرتنا على وعي المأساة، وبالتالي التطهر من شرورها، والكف عن الإيمان بأرباب خشبات المسارح!

هامش

لم يتجرأ يوماً أن يخرج عن النص. كان المخرج صعب المراس، سريع الغضب، وقاسياً جداً.

في العرض، كان لا بد أن يقتل ممثلاً يلعب دور أخيه، رفع يده ليطعنه، ثم توقف وصاح: لن أفعلها، لن أقتله.

اختلف النقاد، بعضهم قال: إنه ممثل سيئ لأنه لم يستطع أن يتمثل الشخصية. 

بعضهم قال: لشدة ما هو بارع صدّق الحدث واعتقد أنه يقابل أخاه. 

الجمهور صفق وبكى، استمتع بجرأته، وحزن لأنه أفسد العرض.

أما هو فقد خسر عمله!!

ومنذ ذلك الحين، لم يجرؤ الممثلون على الخروج عن النص ثانيةً!!

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0