× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

التجربة اليوغوسلافية في الحرب والسلم: 1- عقود من الاضطرابات

عقل بارد - شعوب وحروب 02-04-2021

عبر التاريخ تبدّل اسم يوغوسلافيا سبع مرات على اﻷقل، وتغيرت حدودها مرات عديدة. ومن أصل ثمانية وثمانين عاماً عاشتها الدولة، ضاع على اﻷقل اثنا عشر عاماً في حروب داخلية، وأخرى خارجية، قبل أن تختفي دولة يوغسلافيا الموحدة من الخريطة

الصورة: (تمثال تيتو / Jerry Hendricks - فليكر)

قد يتذكر السوريون يوغوسلافيا أكثر من غيرهم من سكّان العالم العربي، إذ ساهمت تلك الدولة الفقيرة في بعض المشاريع العمرانية في سوريا، من قبيل بناء إحدى شركاتها الحكومية جزءاً من مرفأ اللاذقية يسمّى حتى اﻵن: المرفأ اليوغوسلافي (رسميّاً: مرفأ الصيد والنزهة)، وكانت الشركة نفسها قد فازت في مناقصة إنشاء المرفأ نفسه بعيد الاستقلال بعدة سنوات.

شرارة الحرب العالمية الأولى

كان اغتيال الدوق فرانز فرديناند، ولي عهد التاج النمساوي الهنغاري في سراييفو، على يد طالب بوسني، في حزيران العام 1914 الحدث الذي فتح أبواب الحرب العالمية اﻷولى، ومنذ ذلك الوقت لم ينعم البلقان بالهدوء.

وقتها حُمل القوميون الصرب مسؤولية الاغتيال، وعقاباً لهم عمدت الإمبراطورية النمساوية الهنغارية إلى احتلال صربيا بغاية تدمير قوتها المتنامية، وآزرتها في ذلك المملكة الألمانية، فيما انضمت روسيا القيصرية إلى جانب الصرب.

لم ينقضِ صيف العام 1914 إلا والإمبراطورية النمساوية الهنغارية، وحليفتها المملكة الألمانية، تحاربان ضد روسيا وحليفتيها بريطانيا وفرنسا. أما صربيا، فقد قاتلت ضد النمساويين، والهنغار، والألمان، والبلغار. 

مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، صار الأمير الصربي ألكسندر أوبرينوفيتش (ألكسندر الأول)، ملكاً على البلاد التي صار اسمها «مملكة الصرب والكروات والسلوفاك».

عانت تلك المملكة صراعات عديدة بين الكروات والسلوفاك، ما دعا ملكها الغاضب إلى تغيير اسم المملكة إلى مملكة يوغوسلافيا، نكايةً بالكروات والسلوفاك الذين يسببون له المشاكل. 

هذا التغيير جعل الأمور أسوأ، إذ زادت حدة الخلافات وتصعّد التوتر إلى حد اغتيال الملك ألكسندر أثناء زيارة له إلى فرنسا. 

خلف ألكسندر طفله بيتر، الذي كان ولياً للعهد. كان عمره سنتان وقتها، فعُيّن الأمير بأول، ابن عم الملك المقتول، وصياً على العرش. (تتحدث بعض الروايات عن دور لباول في اغتيال الملك).

في الحرب العالمية الثانية، قاتلت مملكة يوغوسلافيا بشجاعة. لكنها رغم ذلك كانت ضعيفة، فالأعراق الكثيرة التي تشكّلها لم تنجح في الانصهار ضمن إطار وطني خالص، بل استمدّ كل عرق دعمه من دولة ما من وراء الحدود. انهزمت المملكة أمام قوات المحور (الألمان والطليان)، ووقّعت تحت حكم الوصي مع هاتين الدولتين معاهدة كانت عاملاً جديداً من عوامل عدم الاستقرار.

بعد يومين من توقيع المعاهدة، سيطر ضباط من الجيش على مقاليد الأمور، فخلعوا الوصي، وتوّجوا الأمير بيتر الصغير ملكاً. 

وبعد أسبوعين من حكم بيتر، قامت حشود من قوات المحور بغزو يوغوسلافيا، وكان مع هذه القوات الهنغار والبلغار والألبان.

انتهى الهجوم في أسبوعين، وتنازل الملك بيتر الطفل عن الحكم، وغادر إلى بريطانيا.

احتلال تقسيمي

تقطعت أوصال البلاد. 
ألمانيا وإيطاليا تقاسمتا سلوفينيا. وسيطرت إيطاليا منفردة على كرواتيا، وأقامت حكومة شكلية في الجبل الأسود. أما ألبانيا فأخذت كوسوفو، فيما سيطرت هنغاريا على أرض محاذية لحدودها، واحتلّت بلغاريا مقدونيا. 

أما بلغراد، العاصمة الصربية لكل يوغسلافيا، فقد تحولت إلى مقر لحكومة شكلية وضعها الألمان.

تبنى تيتو «اشتراكية السوق الاجتماعية»، واستطاع أن «يفرض» الأخوة والوحدة على جميع القوميات الموجودة في بلاده، وأسس ما سمّي «الجبهة الوطنية»، التي جمعت كل اﻷحزاب اليوغوسلافية في كيان واحد

نظّم اليوغوسلاف أنفسهم مباشرة في وحدات مقاومة لقتال لدول المحور. كانت القيادة الأولى لتلك الوحدات للجنرال درازا ميهايلوفيتش، وسعت إلى إعادة الملك بيتر إلى العرش وتوحيد البلاد تحت إمرته. أما القيادة الثانية، فكانت للمارشال الكرواتي جوزيف بروز تيتو، وسعت هذه القيادة الى تنظيم كل قوميات يوغوسلافيا لقتال المحتلين. 

ورغم أن المنطق يفترض حصول تعاون بين القيادتين، فقد حصل العكس، على خلفية اختلاف مشروع كل منهما بشأن البلاد. (إقرأ/ي: الجميع في سوريا يحاربون «داعش»، لكنهم يتقاتلون فيما بينهم).

تحالف تيتو مع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبقية الحلفاء، وبفضل هذا التحالف أسس تيتو «مجلس حكم يوغوسلافيا الجديدة»، الذي هدف إلى التخلص كلياً من الملكية، وتأسيس يوغوسلافيا على النمط الفيدرالي اﻷميركي. مع بقائها دولة شيوعية، لا تدور في فلك الصين ولا فلك الاتحاد السوفياتي، ولا تدخل في الأممية الشيوعية (الكومنترن) وهو ما حصل.

عصر تيتو

بعد تأسيس مجلس حكم يوغوسلافيا، أعدم تيتو رفيقه ميهايلوفيتش، شريكه في النضال ضد النازية والفاشية، وفكك جميع أنواع المعارضات له أو لسياساته، ثم عمل على تقوية اقتصاد البلاد عبر اللجوء إلى البنك الدولي، والمؤسسات العالمية المانحة التي تدور عملياً في فلك واشنطن. 

من المهم، هنا، معرفة أن الصراع بين ستالين، وتيتو، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لعب دوراً كبيراً في توجه تيتو نحو الغرب، ففي العام 1949 سحب ستالين الخبراء السوفيات من يوغوسلافيا بعد أن رفض تيتو التضحية بالمصالح القومية اليوغوسلافية لصالح النفوذ السوفياتي في البلقان. فدخل تيتو مفاوضات مع الغرب، للحصول على معونات برنامج مارشال.

على الساحة الدولية كان تيتو واحداً من مؤسسي حركة عدم الانحياز، وتبنى في بلاده نوعاً من الاشتراكية تتفق مع الظروف المحلية، حملت اسم «اشتراكية السوق الاجتماعية»، واستطاع أن «يفرض» الأخوة والوحدة، على جميع القوميات الموجودة في بلاده، التي يربو عددها على اثنين وعشرين قومية.

في الحرب العالمية الثانية قاتلت يوغوسلافيا بشجاعة. لكنها رغم ذلك كانت ضعيفة، فالأعراق الكثيرة التي تشكّلها لم تنصهر في إطار وطني خالص، بل استمدّ كل عرق دعمه من دولة ما، من وراء الحدود

كذلك، أسس ما سمّي «الجبهة الوطنية»، التي جمعت كل اﻷحزاب اليوغوسلافية في كيان واحد، وهي التجربة التي نقلها اﻷسد الأب إلى سوريا. 

وفي سعيه إلى استرضاء المصالح والرغبات الدولية، سمح تيتو بحلول العام 1974 ليوغوسلافيا أن تتحول من الناحية الفعلية إلى كونفدرالية تضم ست جمهوريات، أكبرها صربيا، وإقليمين يتمتعان بحكم ذاتي موسع.

لم تكن العلاقة بين يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي عدائية، لكنها لم تكن علاقة تبعية، وتعمّقت أكثر بعد أن وافق تيتو على الدخول السوفياتي إلى هنغاريا العام 1956، لكن مسار العلاقات بقي محكوماً برغبة الاتحاد السوفياتي في الوصول إلى البلقان، ومنع واشنطن من الاستمرار في تهديد فضائه الجنوبي.

أعلن تيتو يوغوسلافيا «دولة لا شرقية ولا غربية» في نهاية الخمسينيات، وتم انتخابه رئيساً مدى الحياة، ثم توفي في العام 1980 بعد صراع طويل مع مرض السكّري.

ما بعد تيتو

من المهم فهم العقد الذي تلا وفاة تيتو، ﻷنه مفتاح ما حدث في التسعينيات. بعد موته حكمت يوغوسلافيا رئاسات مختارة: كلّ فيدرالية (مقاطعة) رشّحت ممثلاً لها في الحكومة المركزية، وكلّ واحد من هؤلاء حكم يوغسلافيا بصفته رئيساً لمدة عام واحد.

استمر ذلك حتى العام 1989، حين تم تلميع سلوبودان ميلوسوفيتش، (الذي وُصم لاحقاً بصفة مجرم حرب دولي). صعد ميلوسوفيتش، من سياسي من الدرجة الثانية، إلى رئيس للحزب الشيوعي الصربي، ورئيس لفيدرالية صربيا، بالتزامن مع حلول دور صربيا في رئاسة الاتحاد اليوغوسلافي لمدة عام واحد، فصار الرجل رئيساً ليوغسلافيا. 

بعد انتهاء فترة رئاسته الدورية، رفض ميلوسوفيتش تسليم السلطة، وقدم طرحاً جديداً مفاده أن الصرب بحكم كونهم أغلبية (9 ملايين من أصل 23 مليوناً من السكان) فمن حقهم وحدهم أن يكون الرئيس اليوغوسلافي الأعلى منهم.

استمرت المماطلة الصربية مدة عامين تقريباً. واشتغلت إدارة الرئيس اﻷميركي جورج بوش، على تلميع ميلوسوفيتش، على أنه خليفة تيتو لحكم يوغوسلافيا، وتم تسويقه في اﻹعلام اﻷميركي والدولي، بصفته مناصراً للحرية والديمقراطية.

جاء العام 1991 ليحمل واحداً من أهم المتغيرات الجيوسياسية العالمية، مع إعلان تفكيك الاتحاد السوفياتي، وبدء جمهورياته في الاستقلال عن إدارة موسكو. وسبق ذلك تساقط أحجار الدومينو الشرق أوروبية، وخروجها من العباءة الشيوعية، وتحولها إلى أنظمة تعتمد النهج الليبرالي الغربي. ووصل اﻷمر إلى يوغوسلافيا بالضرورة.

  يتبع


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها