× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مواصلات دمشق: متى يمكننا الوصول إلى وجهتنا؟

حكاياتنا - خبز 12-04-2021

أزمة المواصلات في دمشق ليست «ابنة اليوم». أصل المشكلة مردّه غياب التخطيط والتنظيم عن هذا القطاع. الفارق بين الماضي والحاضر، أن صعوبة إيجاد مواصلات كانت سابقاً تقتصر على أوقات الذروة فقط، أما الآن فالمشهد مألوف في كل الأوقات: تجمعات كبيرة في كل مكان لأناس ينتظرون، ويختبرون القهر والتعب والذل وتلف الأعصاب، في روتين يومي محبط

الصورة: (Hasan Blal - فليكر)

«كنا نصل». بهذه الجملة بدأ العم أبو وديع حديثه عن مواصلات دمشق في الماضي، وهو سائق تاكسي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. 

يتابع الرجل واصفاً حركة المواصلات في سنوات ما قبل الحرب: «لم نكن نفكر بالوقت الذي سيستغرقه المشوار، لم نكن نفكر بذلك على الإطلاق. الزبائن معتادون على الهجوم بفوضوية نحو وسيلة النقل منذ زمن طويل، لكنها لم تكن مشكلة كبيرة، إن لم نركب أول باص فحكماً كنا سنجد في الذي يليه مكاناً، وفي كل الأحوال لم نكن ننتظر كثيراً، حتى حين نريد الذهاب إلى محافظة أخرى، كنا نفكر ونختار ما نفضّل: الباص أو القطار. أنا كنت أختار القطار لأستمتع بالطريق أكثر».

يتحدث أبو وديع، عن «تلك الأيام» بحنين، إذ «كانت الأمور أسهل بكثير. بخمس ليرات كان واحدنا يتنقل بسهولة داخل دمشق». 

يذهب الرجل السبعيني بعيداً في الذكريات، ويقول: «أول ما بدأت حركة النقل الداخلي خُصِّص لكل منطقة عدد من الباصات، ثم بدأ بعض المواطنين بشراء السرافيس وترخيصها والعمل على الخطوط الرئيسية، أما الضواحي البعيدة فكان الوصول إليها صعباً، وغالباً يعتمد على امتلاك أحد أبنائها لسيرفيس». 

يشرح أبو وديع، التغيرات التي لحقت بطبيعة عمله، على التاكسي. يقول: «قديماً كان معظم زبائن التاكسي من أصحاب الأموال، أو الأشخاص الذين يبالغون في تدليل أنفسهم. الآن تعتبر التاكسي ضرورة لكثيرين، فصعوبة المواصلات العامة جعلتها بديلاً لا بدَّ منه. بصراحة، عملي أصبح يعطيني مردوداً أكبر من قبل، وهذا غريب في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية».

الجذور

تجمع شهادات لأشخاص عايشوا بدايات توسع وسائل النقل العامة في دمشق، على أن المشكلة تنظيمية في أساسها. المناطق البعيدة كانت محرومة من المواصلات، وكان سكانها يركبون أي سيارة تمر من منطقتهم ليصلوا. بمرور السنوات تفاقمت المشكلة مع تزايد أعداد سكان العاصمة، قبل أن تأتي الحرب وتُضاعف الكوارث بالجملة، خاصة مع شح الوقود. 

«لا باصات مخصصة للنقل إلى الضاحية في أوقات محددة، الرجل الذي ينظم الدور هو من يقرر وجهة كل باص. يقال إن ذلك الرجل مرتشٍ، ويعمل حسب مزاجه الشخصي»

أبو سمير، موظف متقاعد يعمل في محل صغير للخياطة. يقول: «المواصلات من يومها تفتقد للتنظيم. أول ما بدأت باصات النقل الداخلي وُزعتْ بشكل اعتباطي، ولم تُدرس حركة المواطنين وتنقلاتهم، ثم أصبح الموضوع أكثر صعوبة بسبب هجرة أبناء الأرياف إلى المدينة، وقدوم أبناء المحافظات الأخرى للتعلم والعمل. لم تؤخذ هذه التغيرات في الاعتبار، ولم توضع خطط جديدة». 

ويضيف: «كل ما تفعله الحكومة، أنها كل فترة تأتي بوسائل نقل جديدة توزعها على المناطق، بلا مراعاة للكثافة السكانية في كل منطقة، فمثلاً لا يمكن إيجاد مواصلات بين جسر الرئيس وكراج السيدة زينب بسهولة، بينما يكون ذلك أكثر سهولة بين الجسر وباب توما».

على مزاج «أولي الأمر»

حسين، طالب في كلية الحقوق بدمشق، ويعيش في ضاحية قدسيا. يصف الشاب رحلته اليومية في المواصلات قائلاً: «يوميّاً - ومنذ شهر تقريباً - بات الحصول على وسيلة نقل توصلني إلى بيتي، أو جامعتي، يستغرق أربع ساعات على الأقل. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالمشكلات التي تقع عند المواقف تسبب الإحباط والغضب، مشادات يومية وعنف، ضغط يولّد التوتر طوال اليوم».

يستيقظ حسين يومياً في السادسة صباحاً أو قبلها بقليل، ليصل في العاشرة إلى جامعته.

يقول: «لا توجد باصات مخصصة للنقل إلى الضاحية في أوقات محددة، الرجل الذي ينظِّم الدور تحت جسر الرئيس، هو من يقرر وجهة كل باص. يقال إن هذا الرجل مرتشٍ ويعمل حسب مزاجه الشخصي». 

ويضيف: «غالباً ما أبقى واقفاً هناك، أو أدور حول الجسر عشرات المرات، إلى أن يقرر هو أن يتجه أحد الباصات إلى الضاحية. أما إذا تأخرت إلى ما بعد التاسعة ليلاً، فعليّ البقاء إلى اليوم التالي في دمشق، وهذا ينطبق على سكان كثير من المناطق البعيدة».

بينما يعاني معظم سكان العاصمة من قلة المحروقات، وصعوبة إيجاد وسائل نقل، هناك شبان يجوبون المدينة بسياراتهم، مع حركات استعراضية، غير مكترثين بشيء

يدرس عمر، في كلية الآداب قسم الفلسفة. يصف إحدى تجاربه مع المواصلات قائلاً: «منذ شهر تقريباً كان الجو ماطراً وشديد البرودة، بعد انتظاري ساعتين جاء الباص الأخضر، وبدأت المعركة لإيجاد مكان فيه. خلال ثوان كان قد امتلأ بالركاب. كان عدد البشر المحشورين في الداخل مخيفاً، نحن في زمن كورونا، ولا أحد مهتم بالطبع». 

ويضيف: «كنت متمسكاً بباب الباص من الخارج، ولا أستطيع الحراك. طلبت من أحد الواقفين بجانبي أن يساعدني في إخراج المال من جيبي. وبرغم أنه يُمنع إبقاء الباب مفتوحاً، فالسائقون لا يهتمون، ترك الأبواب مفتوحة يعني إيجاد حيز إضافي لعدد من الركاب، وكل ما يزيد عن عدد الكراسي يذهب إلى جيب السائق. يومها، كنت على وشك أن أقع أكثر من مرة، وفي النهاية ولم ألحق بامتحاني في الجامعة، واضطررت إلى العودة بالطريقة ذاتها»!

في عهدة الحرب

شكلت الحرب عاملاً إضافياً فاقم مشكلة المواصلات، أو جعلها أكثر وضوحاً. الحواجز التي انتشرت، وإغلاق بعض الطرق، وتحويل بعض المسارات، كل ذلك أدى إلى اختناقات مرورية كبيرة مستمرة. وصار الخروج من المنزل يستهلك الكثير من الوقت. 

في السنوات الثلاث الأخيرة أخذت الحواجز بالتناقص، لكن الزحمة لم تنخفض، فبعض المناطق تضاعفت أعداد سكانها، من دون تغيير موازٍ لأعداد وسائل النقل التي تخدمها.

تتكرر المشاهد السوريالية عند المواقف، التجمعات كبيرة، التدافع أكبر، فلا بد من «النضال» لإيجاد مكان في سرفيس يتسع أربعة عشر راكباً فقط، وكثيراً ما يقرر السائق «معاقبة» الركاب، ويعلن أنه لن يوصل أحداً. أزمة البنزين التي تتكرر بين فترة وأخرى، تزيد الأمور تعقيداً، وأحياناً تغدو المواصلات مفقودة بالكامل. المبالغ التي يطلبها سائقو التكاسي خيالية، ما من حلول أو بدائل، والحكومة تتفرج. 

تسكن لميس في جرمانا. تتحدث عن قرار مصيري أخذته بسبب أزمة المواصلات الأخيرة. تقول: «كان من المفترض أن أصل المزة في التاسعة صباحاً من أجل مقابلة عمل. خرجت من البيت في السادسة والنصف. كانت الشوارع خالية، السيارات القليلة رفض سائقوها الوقوف. توقفت إحداها أخيراً، قال السائق إنه يستطيع إيصالي إلى باب توما فقط، ومقابل سبعة آلاف ليرة». 

وتضيف: «قررت التخلي عن فرصة العمل تلك، فراتبها لن يكفيني أجور مواصلات بالتأكيد»!

كثرٌ توقفت أعمالهم بسبب انعدام المواصلات، فيما ينام أصحاب السيارات في محطات البنزين أياماً ليحصلوا على مخصصاتهم. محمود، شاب صادفته على موقف الباص أثناء انتظاري وسيلة نقل. يحكي لي عن بقائه يومين كاملين منتظراً في المحطة من دون أن يتناول الطعام، ليخبروه بعد اقتراب دوره بأن البنزين قد نفد. 

لا بد من المفارقات في «بلادنا الجميلة» دائماً، وهذه إحداها: بينما يعاني معظم سكان العاصمة من قلة المحروقات، وصعوبة إيجاد وسائل نقل، هناك شبان يجوبون المدينة بسياراتهم، مع حركات استعراضية، غير مكترثين بشيء.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها