× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

أعتذر لأنني «لا أتمرمط» في المواصلات العامة!

عقل بارد - على الطاولة 12-04-2021

وسائل نقل مكيفة، ومزودة بالإنترنت المجاني، خدمات مؤتمتة بالكامل، وطرقات منظمة، وقانون سير يفرض على الجميع احترامه. هذه من بديهيات الأشياء التي تقدمها الدول لسكانها، مع قوانين واضحة وصارمة تضبط علاقتك بوسائل النقل

الصورة: (Izet Tahirbegović - فليكر)

«أكره هذه البلاد التي جعلتني أشعر بتحقيق إنجاز إذا حصلت على مقعد في أحد سرافيسها».

يطالعني هذا التعليق لإحدى صديقاتي على فايسبوك، وأنا جالسة في الباص أتابع آخر آخبار البلاد وأزماتها المتتالية.

لوهلة يجعلني الأمر أشعر بالذنب، وأنا أجلس بجانب فتحة الهواء الساخن، في مقعد مريح لا ينافسني فيه أحد، فلا زحمة في المدينة الأوروبية التي أعيش فيها، وباصات النقل العامة متوافرة بشكل دائم.

وسائل النقل واحدة من أكثر العلامات الفارقة التي لا بد أن يتذكرها أي سوري/ـة سافر/ت إلى أوروبا خلال السنوات الماضية، فالنسبة العظمى منّا، تعاني الويلات مع وسائل النقل في سوريا، باستثناء «طبقة أصحاب السيارات» على حد تعبير مسؤول سوري، وحتى هذه الطبقة لم تسلم من المعاناة، ما عدا «الذوات» وأصحاب «الفيميه» طبعاً.

وتتفاقم الأمور سوءاً مع أزمات الوقود المتلاحقة، التي توقفنا عن عدها منذ زمن، إذ تكاد تكون الأزمة هي القاعدة، والعكس هو الاستثناء.

هنا، يكفيني أن أفتح واحداً من تطبيقات الموبايل الكثيرة، حتى أحصل على جميع المعلومات التي أريدها عن أي مكان سأتجه إليه، وما هي أفضل الطرق للوصول بأسرع ما يمكن، مع الوقت المتوقع لذلك، وجميع مواعيد الباصات. بالتالي لا حاجة إلى هدر الوقت، والانتظار عند المواقف التي تم تزويدها هي الأخرى بشاشات إلكترونية تعطيك مواعيد الباصات القادمة، والتغيرات الطارئة في حال تأخر أحدها لأي سبب كان، كل شيء مؤتمت عبر قاعدة بيانات ضخمة، توفر خدمات ممتازة للسكان.

المصيبة أن الخدمات بمختلف أنواعها في بلادنا، تُقدم - منذ زمن بعيد - بمنطق سائق «السرفيس» الذي قد لا يتوقف إلا عندما «يرتاح»، لأنك قلت له «على رياحتك يا معلم»!

ما زلت أتذكر ركوبي الأول في الباص هنا. كنت قادمة من المطار، استغرق الأمر وقتاً للتعرف على القواعد المتبعة. الشاشة الالكترونية أمامك تخبرك بمسار الباص، كما أنك لست بحاجة أكثر من كبسة زر قبيل الموقف المطلوب حتى يتوقف الباص، بلا داعٍ لإغداق كلمات المديح، والتنمي على السائق بأعلى صوت ممكن، كي «يتكرم» وينزلك في المكان المناسب. 

أبتسم بقليل من الأسى، وأنا أتذكر مهارتي السابقة في الحصول على مقعد في «السرفيس»، تلك التي اكتسبتها عبر سنين طويلة من المعاناة، بمساعدة من حجمي الضئيل الذي كان يتيح لي أن «أنحشر» في أي حيز متاح، حتى لو كان «بالعكس»، أو جلسنا «أربعات» في مقاعد يتسع واحدها لـثلاثة.

حسناً، يبدو أن الوضع السابق كان رفاهية كاملة، مقارنة مع المشهد الحالي داخل البلاد!

النساء خلف المقود

أكثر ما لفت انتباهي في وسائل النقل الأوروبية العامة، بمختلف أصنافها (باص، قطار، ميترو، ترام، تاكسي) هو وجود النساء خلف المقود، من دون أن يشكل ذلك حدثاً فريداً من نوعه يشعرنا بضرورة الاحتفاء، أو مناقشة صوابية الأمر من عدمه. (آمل أن تنجح المحاولات الفردية التي بدأت تتزايد في سوريا بمراكمة تلك التوجهات، نحو اعتبار الأمر شيئاً طبيعياً يعتمد على الكفاءة، والالتزام بقانون السير، فقط لا غير، من دون النظر إلى الجنس).

أمر آخر يستحق التقدير، هو تجهيز وسائل النقل العامة ليتمكن أصحاب الإعاقات من الصعود بأريحية تامة ومن دون مساعدة أحد، مع وجود مساحات كافية داخل وسيلة النقل لحركة الكراسي، إضافة إلى توفير معلومات المسار بشكل مرئي ومسموع، لمن يعاني من فقدان إحدى الحاستين، فضلاً عن تخصيص ركن من الباص لكبار السن.  

القانون.. و«لعناته»!

وسائل نقل مكيفة، ومزودة بالإنترنت المجاني، خدمات مؤتمتة بالكامل، وطرقات منظمة، وقانون سير يفرض على الجميع احترامه. هذه من بديهيات الأشياء التي تقدمها الدول لسكانها، مع قوانين واضحة وصارمة تضبط علاقتك بوسائل النقل.

أكثر ما لفت انتباهي في وسائل النقل الأوروبية العامة، وجود النساء خلف المقود، من دون أن يشكل ذلك حدثاً فريداً من نوعه يشعرنا بضرورة الاحتفاء، أو مناقشة صوابية الأمر من عدمه

لا بد من الاعتراف بأن للقانون آثاره الجانبية على القادمين من مكان لم يكن يحظى فيه بتلك الأهمية. «اللعنة على القانون» جملة ما زلت أكررها كلما ركضت بسرعة للحاق بموعد الباص، بينما يمر قربي من دون أن يكترث السائق ويتوقف لي، لا سبيل إلى إطلاق صافرة كالتي كانت «توقف أي سرفيس أو تاكسي». 

أيضاً، يحدث كثيراً أن أغوص في شاشة موبايلي (باعتبار النت ببلاش) وأنسى ضغط الزر في الموقف الذي أريده، فلا يتوقف الباص، ويمضي بي بعيداً، وألعن التكنولوجيا وألعن القانون، وأحن إلى «ع اليمين معلم».

للأمانة، نجحت أخيراً في منع نفسي من قطع الطرقات قبل الانتباه إلى إشارة المرور، هذا إنجاز جيد.   

حتماً، ليس من العدل أو من المنطق الصحيح مقارنة الوضع الراهن في بلادي حتى مع البلدان المجاورة، فضلاً عن بلدان أوروبية أكثر استقراراً وتنظيماً. لكن هل كانت الأمور مختلفة جوهريّاً عندنا في «أيام الخير»؟

الأمر هنا لا يعبرعن مقدرة تقنية أو رفاهية اقتصادية، بقدر ما يعبر عن التزام الدول تقديم أفضل الخدمات لمواطنيها، وخاصة الطبقات التي تعتمد على خدمات الدولة.

المصيبة، أن الخدمات بمختلف أنواعها في بلادنا، تُقدّم لنا - منذ زمن بعيد - بمنطق سائق «السرفيس» الذي قد لا يتوقف إلا عندما «يرتاح»، لأنك قلت له «على رياحتك يا معلم»! 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها