× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

السويداء: الهوية الوطنية والعقد الاجتماعي على بساط «بلدي»

عقل بارد - على الطاولة 09-06-2021

عُقد في السويداء، الأسبوع الماضي لقاء فريد من نوعه، جمع النقائض حول طاولة واحدة، بدعوة وتنظيم شبابيين لافتين. هل يستطيع الشباب فتح كوة في جدار التناقضات السورية؟ وهل يمكن البناء على ما حدث؟ وهل يمكن أن يأخذ المجتمع المدني في هذا السياق دوراً حقيقياً قابلاً للاستمرار وصولاً إلى رؤية جامعة؟

تدخل وجيهة (25 عاماً) قاعة كبيرة مكتظة بالرجال، والنساء، والشباب، والشابات، ورجال الدين. تمشي بهدوء نحو طاولة وضع عليها ميكروفون، وتقف بصمت لثوانٍ لتحظى بانتباه الجميع قبل أن تتحدث. 

كانت أسئلة عديدة تدور في الرؤوس حول اللقاء الذي دُعيت إليه أطياف من مجتمع السويداء؛ بعضها يجتمع في مكان واحد للمرة الأولى منذ بدء النزاع، وهناك بين الحضور أصدقاء قدامى يجتمع بعضهم ببعض لأول مرة منذ سنوات طويلة بسبب خلافات في المواقف. 

من نحن؟

قالت الشابة بهدوء: «اختلف السوريون في السنوات العشر الأخيرة على كل شيء تقريباً، بل إنهم صاروا يستغلون أصغر تفصيل ليجعلوا منه باباً للخلاف، وفي ظل كل هذه الخلافات والانقسامات، صاروا يتقسمون إلى جماعات، ولم تكن هذه الجماعات تنتمي إلى تيارات أو أطر سياسية فحسب، بل إن بعضها اعتمد على العشيرة أو الدين أو الطائفة أو المذهب، وصارت لدينا انتماءات ضيقة تغلب على الانتماء الوطني، وصارت العشيرة فوق الهوية الوطنية، وكذلك الطائفة والدين». وأشارت إلى أن «التصدع الذي تعاني منه الهوية السورية بات كبيراً، ولكنها تبقى محط التقاء بين مكونات الشعب السوري الواحد».

هكذا بدأ اللقاء الذي عُقد في السويداء الأسبوع الماضي، ودعت إليه مجموعة من الشابات والشبان في «منظمة بلدي». كان الاهتمام الأساسي للقاء التساؤل عن الهوية الوطنية، وفتح نقاش حولها، عابر للتحزبات والمواقف. 

كان الحضور في اللقاء - الذي وصف بأنه الأول من نوعه - متنوعاً، وغير متحالف سياسياً بمجمله، بل يشتمل على نقائض جمعها شبان وشابات لا تبعية لهم/ن سوى «سمو الهوية السورية، ما جعل الجميع يلبي الدعوة للجلوس على طاولة واحدة. لقد اختلفنا كثيراً، واستخدمنا لغة تستفز الآخر أكثر، لكننا اليوم لم نأت من أجل الخلاف؛ فلكل منا ثوابته الخاصة، التي لا يجب أن يفرضها على الآخرين، ولا أن يستفز الآخرين بها».

«من حقنا أن نحكي» هكذا عبّر مُعين، الناشط المدني في منظمة «بلدي» عن هذا المؤتمر، وأضاف: «نحن شباب هذا الوطن الراغب في البقاء هنا من حقنا أن نسأل الفرقاء في الوطن: ماذا بعد؟ هل اكتفى الفرقاء من الحرب؟ كيف سيواجهون التطرف، والتعصب، والطائفية، والمناطقية، والقبلية، وحتى التعصب القومي؟ متى نعلم أن صراع الهويات يجب أن يكون معكوساً في سبيل هوية وطنية جامعة غنية منتصرة للحق والقانون والمواطنة؟ كلها أسئلة برسم المعارضة والموالاة، برسم من يقف صامتاً ومن يمتلك القدرة ولا يستخدمها».

عن الدويلات الطائفية البائدة

على الأرجح، لم يبق أحد على قيد الحياة من الذين عايشوا قيام «الدولة الدرزية» في عشرينيات القرن الماضي إبان الاحتلال الفرنسي لسوريا، وتقسيمها إلى دويلات طائفية. لكن المؤرخين الذين عايشوا تلك الفترة وما قبلها، يؤكدون أن هوية أهالي الجبل كانت تتعدى سوريا، فقد دعموا الثورة العربية الكبرى وساندوها بالرجال والسلاح، ودخلوا دمشق ممهدين الطريق لولادة الدولة السورية. 

هل اكتفى الفرقاء من الحرب؟ كيف سيواجهون التطرف، والتعصب، والطائفية، والمناطقية، والقبلية؟ متى نعلم أن صراع الهويات يجب أن يكون معكوساً في سبيل هوية وطنية جامعة غنية منتصرة للحق والقانون والمواطنة؟

يستشهد عبد الرحمن الشهبندر في مذكراته بـ «كيف كان الأحرار السوريون والعرب يلجؤون إلى جبل حوران للهروب من بطش المستعمر العثماني، وبعد ذلك كان هؤلاء يتخذون من الجبل حصناً وموطن أمان لهم ولعائلاتهم من ملاحقة المستعمر الفرنسي، وعايش غالبيتهم أحداث الثورة السورية الكبرى».

يقول الكاتب والمترجم كمال الشوفاني: «لم يكن في فترة العشرينيات مد واضح للمثقفين في السويداء، على عكس الثلاثينيات، وهو ما جعل فكرة "دولة الدروز" تنطلي على البعض الذين وجدوا فيها شيئاً لتحقيق الذات من منطلق طائفي. لكن كشف الحقائق والأبعاد من قبل الوطنيين أسقط هذه الهوية الضيقة لصالح هوية سورية شاملة بعيدة عن المذهبية والطوائف». 

تعمق الشوفاني في هذا الموضوع «لأن التاريخ يعيد نفسه»، شارحاً فترة ما بعد النكسة، و«الكشف عن وجود مخطط إسرائيلي لخلق دولة درزية تمتد من الجولان باتجاه وادي التيم. تم كشفه من قبل "الكمالَين: كمال كنج أبو صالح، الجولاني الثائر الذي قتل في سجون الاحتلال بعد التعذيب، وكمال أبو لطيف، المحامي الذي اغتيل بعد 17 سنة. وقد وافق الوطنيون على قيام الدولة لشعورهم بالخطر بعد التهديدات التي تلقوها، لكنهم صنعوا ورقة ضغط عربية بفعل إيمانهم القومي وانتمائهم الذي أسقط المشروع».

أين نحن؟

حضر محمود درويش جزءاً من اللقاء، وأشعل ذاكرة الباحثين عن وطن معافى، ومواطنة حقيقية في بلاد «هُجر منها حتى الآن، ولأسباب مختلفة 12 مليون سوري»، بحسب الكاتب أسامة هنيدي، فخسرت البلاد جزءاً وازناً من رصيدها الاجتماعي والشبابي المعول عليه في عملية ترميم خراب النفوس والمدن.

و«ترافق ذلك مع خطر تبلور هويات مناطقية محلية انعزالية، بينما كانت التدخلات الخارجية تغذي الصراع، ولعبت دوراً كبيراً في الشرخ الذي حصل بين السوريين، فعمقت انقساماتهم على قواعد طائفية بغيضة».

ويذهب هنيدي نحو العلاقة مع الدولة ومؤسساتها، إذ «تفشى الفساد بصورة غير مسبوقة، فزاد ذلك من الهوة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وانعدمت الثقة، وترافق ذلك مع نسب عالية من البطالة التي تشكل قنبلة موقوتة مهددة للسلم المجتمعي والأهلي المؤسس للوطنية، ما سيدفع إن استمر مزيداً من الشباب باتجاه العنف والجريمة».

فيما كان لعلاقة الدين مع الدولة محور مهم يتناوله العامة والخاصة، خاصة عندما تكرر في دستور العام 2012 أن دين رئيس الجمهورية الإسلام، وهو ما يحرم فئات كثيرة من حتى التفكير بالأمر، وينسف مصطلح «المواطنة» من جذوره.

الأحزاب السورية والهوية

بعد مائة عام من إعلان «دولة سوريا» بحكم ملكي، لا يزال البحث عن هوية جامعة مستمراً، لأسباب عديدة أهمها حقبة الاستعمار، وفترة الانقلابات، والوحدة مع مصر، ومحاولة القضاء على الرأسمالية، وصولاً إلى قبض البعث على السلطة منذ العام 1963، ثم نكسة حزيران، وحرب تشرين، وسبقها إمساك الأسد الأب بالسلطة بيد حديدية أسست لحكم أحادي مستمر حتى اللحظة.   

يقول الكاتب أسامة أبو ديكار: «عندما جاء حزب البعث؛ أجّل البحث عن الهوية السورية لإنجاز الهوية العربية عبر شعاره الذي لم يتحقق: أمة عربية واحدة، فلا وصل إلى الأمة العربية الواحدة، ولم يبن دولة وطنية سورية جامعة، حتى تاريخ اليوم. وعلى المنوال نفسه عملت الأحزاب الشيوعية التي نشأت في القرن الماضي، لم تعترف بالهوية المحلية لحساب الهوية الأممية التي لم تتحقق. وكذلك حال الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يعتبر سوريا هي سوريا الطبيعية، ولا يعترف بالحدود الحالية. ومع عدم تمكن الأحزاب الإسلامية من الحكم، أو الوصول إليه إلا مواربة وبتحالف غير معلن مع السلطة، فهي لا تعترف بالهوية الوطنية، وتعتبر نفسها عابرة للحدود من أجل إعادة أمجاد الخلافة الإسلامية».

وتساءل أبو ديكار عن «ما أوصل الناس إلى التفكير والبحث عن الهويات الطائفية الضيقة للدلالة على الفرد»، واقترح الانطلاق منها نحو «هوية جامعة تحمي الجميع مع اعتراف كل الناس ببعضهم، فهذا الاختلاف الطائفي حالة واقعية، وعلى الجميع الاعتراف بهذا الاختلاف، والبحث عن عقد اجتماعي يصون الجميع، يضمن الحقوق والواجبات، ثم الوصول إلى دولة المواطنة التي يسودها القانون».

كما اقترح سنّ «قوانين ومبادئ فوق دستورية، لا يمكن المساس بها، أو تغييرها، أو حتى تعديلها لأسباب سياسية على هوى ورغبة كتلة سياسية تتسلم السلطة، وتقوم بتغيير الدستور».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها