× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

رأس المال البشري: ثروة سوريا المبدّدة

حكاياتنا - خبز 24-07-2021

في لغة الأرقام لم تكن سوريا محسوبة يوماً على الدول الغنية، لكنها في الوقت نفسه كانت تزخر بكفاءات في مختلف الاختصاصات: المهنية، والحرفية، والعلمية، والعملية... اليوم تغير الحال جذريّاً، ولم يعد الحديث عن خسارة رأس المال البشري مجرد كلام نظري

على إحدى صفحات البيع والشراء في موقع فايسبوك يعرض رامي، وهو حلاق نسائي (كوافير) أدوات محله للبيع، بعد أن قرر إغلاقه.
لا يذكر الشاب البالغ من العمر 35 عاماً سبب إغلاق صالونه، برغم الشهرة الواسعة التي يتمتع بها. يختفي بضع أسابيع، قبل أن يطلّ مرة أخرى عبر حسابه على فايسبوك من دبي، معلناً بدء العمل في الإمارات.
لا يعتبر رامي حالة خاصة، بل هو جزء من ظاهرة عامة اجتاحت بعض المهن والحرف، خاصة بعد أن بدأت الإمارات منح جنسيات، وإقامات ذهبية للفنانين، ليزيد استقطابها للممثلين والمغنين والملحنين، الذين بدورهم جذبوا معهم أصحاب مهن أخرى، مثل مصممي الأزياء، والحلاقين، وأخصائي التجميل وغيرهم.


خسارات في كل القطاعات
على امتداد السنوات العشر الماضية فقدت سوريا ملاييناً من رأس مالها البشري، بين من نزح، ومن هُجّر، وهاجر. استقبلت دول الجوار ملايين السوريين والسوريات، ومنحت بعض أصحاب الخبرات جنسيات كما حصل في تركيا، فيما استقبلت أوروبا الكثير من أصحاب الخبرات العلمية والعملية، واستقطبت دول أخرى كثيراً من الكوادر السورية عن طرق تقديم تسهيلات لهم، (مثل الإمارات وأربيل في كردستان العراق، ومصر وغيرها).
يقول فراس، وهو صاحب مخبز لصناعة المعجنات في اللاذقية غيّر مهنته وحول مخبزه إلى مطعم صغير لبيع السندويش: «لم أعد أستطيع إدارة المخبز بمفردي بعد أن هاجر الشاب الذي كان يعمل عندي، بحثت كثيراً عن شخص بمثل خبرته، أو حتى نصفها، ولكنني لم أجد».
ويتابع: «حاولت العمل بمفردي ولكن العمل شاق، لذلك بعت معدات المخبز، وحولت المحل إلى مطعم صغير بحيث أستطيع فيه العمل بمفردي».
في حلب، التي طاول دمار هائل بُناها التحتية، وأسواقها التجارية، ومناطقها الصناعية «يعاني الصناعيون وأصحاب المعامل في إيجاد عمال مهرة، الأمر الذي أثر بشكل كبير على جودة وكمية الإنتاج، خاصة في ظل ظروف الكهرباء، والوقود، وصعوبة تصريف البضائع»، وفق ما يؤكد صناعي يملك معملاً صغيراً لصناعة الصحون والأكواب البلاستيكية والكرتونية التي تستعمل لمرة واحدة.
يقول الصناعي الذي نقل منشأته إلى طرطوس: «هناك ندرة كبيرة في أصحاب الخبرة، معظم العمال الذين عملوا عندي سابقاً خارج سوريا في الوقت الحالي، سواء في تركيا، أو أوروبا، أو حتى في العراق»، ويضيف: «جميع المهن تعرضت لهذه الخسارة، أصبح العامل الماهر مثل العملة النادرة هذه الأيام للأسف».
يشير الصناعي إلى أن قطاع النسيج الذي كان قبل عقد من الزمن أحد أعمدة الصناعة في البلاد هو واحد من أكثر القطاعات الصناعية خسارة لليد العاملة، فبعد دمار هذا القطاع هاجر معظم «أصحاب الكار»، نسبة كبيرة منهم استقرت في تركيا، البعض حصل على الجنسية، وهاجر البعض إلى أوروبا لبدء حياة جديدة، أو إلى مصر التي أصبحت «الأرض البديلة» لهذه الصناعة.


بحثاً عن المستقبل
تستعد أسماء، وهي متخرجة حديثاً من كلية الصيدلة، للسفر إلى أربيل في إقليم كردستان العراق بحثاً عن فرصة عمل، لتلحق بشقيقتها وشقيقها اللذين سبقاها قبل بضعة أعوام.
تقول أسماء: «السفر هو الفرصة الأفضل، ليست أمامي أية خيارات حقيقية في سوريا في ظل الأوضاع الحالية. كل شيء حولنا يدفعنا إلى الخروج، سواء الأوضاع الاقتصادية الصعبة، أو ظروف الحياة السيئة».
وتضيف: «لا أسافر من أجل ذلك فحسب، وإنما من أجل المستقبل، فأي مستقبل ينتظرنا هنا في سوريا»؟

«كيف يمكن تفسير حاجة جميع القطاعات إلى موظفين، في الوقت ذاته الذي تسجل فيه البطالة نسباً غير مسبوقة؟ الجميع يطلب عمالاً، وموظفين، ولا يجد، على الرغم من وجود مئات الآلاف بلا عمل»


«دا كان زمان»، بهذه العبارة الساخرة رد أحد أصحاب ورش تصليح السيارات على أماني التي راجعته لصيانة عطل استعصى على معظم معلمي الصيانة في منطقتها.
أماني مهندسة، وتعمل في مكان يبعد عن منزلها حوالى 25 كيلومتراً، ما يتطلب منها قيادة سيارتها يومياً للوصول إلى العمل. تقول: «ليس وحده من رد علي بهذا. سمعت كثيراً من الإجابات التي تؤدي إلى الخلاصة نفسها بينما كنت أسأل عن شخص يستطيع إصلاحها. هذا إضافة إلى أن قطع الغيار ليست متوافرة، وإن توافرت فهي باهظة الثمن».
وتضيف: «أخبروني أن هذا الأمر كان ممكناً قبل سنوات، حين كان في السوق أشخاص خبراء يستطيعون تصنيع أدق القطع، وإجراء تعديلات لا يمكن إجراؤها الآن. يبدو أن معظم أولئك المعلمين سافروا، وأن عليّ دفع مبالغ كبيرة لتصليح السيارة، إن تمكنت أساساً من العثور على القطعة المطلوبة».


لا عمّال.. ولا عمل!
داني طالب ماجستير في كلية الاقتصاد بجامعة تشرين، ويعمل مدرساً في الكلية، يقول إن «نزف الموارد البشرية لم يعد مجرد كلام نظري فحسب، وإنما أزمة سنشعر بآثارها خلال وقت قريب»، ويتابع: «جميع القطاعات المنتجة خسرت أصحاب الخبرة فيها، سواء القطاع الصناعي، أو التجاري، والصحي، والسياحي، وحتى الجامعات خسرت نسبة وازنة من كوادرها البشرية، ما بين دكاترة ومدرسين».
يعتبر داني أن الحرب تسببت في جزء من هذا النزف، وعدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بتلك الخبرات في جزء قد يكون الأكبر.
يقول: «يعتبر كثيرون أن الحديث عن الموارد البشرية، ونزف الخبرات، والآثار الكبيرة التي تركها هذا النزف، وسيفاقمها استمراره، مجرد كلام مثقفين لا معنى له، ولكن الحقيقة ليست كذلك».
ويضيف: «كيف يمكن تفسير حاجة جميع القطاعات إلى موظفين، في الوقت ذاته الذي تسجل فيه البطالة نسباً غير مسبوقة؟ الجميع يطلب عمالاً، وموظفين، ولا يجد، على الرغم من وجود مئات الآلاف بلا عمل! الأمر كله يتعلق بالكوادر المؤهلة التي خسرتها البلاد، ولا يمكن تعويضها ببساطة، هذا إن أراد أحد تعويضها».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها