قصي ق.محمد
الصورة: (عبود حمام - فايسبوك)
شكلت المقابر الجماعية أحد أساليب تنظيم «داعش» لدفن ضحاياه الذين قرر إخفاء آثارهم وهوياتهم إلى الأبد، بعد أن وقعوا في قبضته خلال فترة سيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق بين العامين 2014 و 2019.
عقب انحسار سيطرة التنظيم، وانكسار شوكته تتالى الكشف عن عشرات المقابر الجماعية.
وتحولت تلك المقابر مصدر أمل ضئيل لكثير من العائلات في معرفة مصير آلاف الأشخاص الذين اختفوا خلال فترة سيطرة التنظيم المتطرف، أو كانوا معتقلين في سجونه ولم يُعرف شيء عنهم بعدها.
صعوبة المهمة لم تمنع فاطمة الحسن من التوجه إلى ساحة كل مقبرة جماعية يُكشف عنها لتعاين الجثث جيداً باحثة عن ابنها المفقود منذ العام 2016.
لا شيء يبرد حرقة الأم الخمسينية منذ اعتقال ابنها العشريني لأنه طلب من أحد عناصر داعش الكف عن التدخل في شؤون نساء حي الانتفاضة في مدينة الرقة.
وأطلق التنظيم المتطرف أيدي عناصره في المناطق التي سيطر عليها للتدخل في شؤون السكان المحليين تحت ذريعة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وسمحت هذه الذريعة للعناصر بالتدخل في أدق التفاصيل الخاصة والشخصية للأفراد والعائلات.
«عندما تغرق ستتعلق بقشة»، هكذا يبدو حال فاطمة وهي تتحدث عن أملها في أن تجد جثة ابنها، وتنقلها إلى مقبرة تل البيعة على أطراف الرقة الشمالية الشرقية حيث دفن هناك أبوه وأقارب له.
قصص الفقد والبحث باتت واحدة من «الثوابت» في يوميات عائلات الرقة، مع مئات القصص لأشخاص فَقدوا، وآخرين فُقدوا خلال تلك الحقبة السوداء.
«عندما تغرق ستتعلق بقشة»، هكذا يبدو حال فاطمة وهي تتحدث عن أملها في أن تجد جثة ابنها، وتنقلها إلى مقبرة تل البيعة على أطراف الرقة الشمالية الشرقية حيث دفن هناك أبوه وأقارب له
يروي عبد العزيز الأحمد (35 عاماً) ذكرياته عن اللحظات الأولى لاعتقاله هو وشقيقه، ونقلهما إلى سجن النقطة الأمنية في الملعب الأسود في مدينة الرقة بتهمة «التعامل مع ناشطين خارج سوريا».
لحظات الرعب بدأت عندما وضع عنصر من «داعش» كيساً أسود على رأس عبد العزيز، ليجد نفسه بعد قليل بين عشرات المعتقلين الآخرين، لكنّه اكتشف أن شقيقه لم يكن معهم، وربما نُقل إلى مكان آخر.
بعد أيام من الاعتقال أفرج التنظيم المتطرف عن عبد العزيز الذي علم أن شقيقه ما زال معتقلاً، وحين طلب من السجانين معرفة مصيره أخبروه بأنه «اعترف بتعامله مع ناشطين وسوف يعاقب بتهمة مساعدة الكفار والمرتدين».
حاول عبد العزيز كثيراً معرفة مصير أخيه من دون نتيجة، إلى أن جاءه خبر يفيد بأن عناصر «داعش» قد أعدموا شقيقه ومعه معتقلون آخرون صدر أمر بتصفيتهم، ودفنهم في مقبرة جماعية بالقرب من الملعب الأسود. (تسمية أطلقت على الملعب البلدي الذي استخدمه التنظيم ليكون مجمع سجون وغرف تعذيب لسنوات طويلة، عُرف أيضاً باسم «النقطة 11»).
بعد خروج الرقة عن سيطرة التنظيم المتطرف أواخر العام 2017 بفترة وجيزة بدأت عمليات الكشف عن المقابر الجماعية، والتعرف إلى هويات بعض ضحاياها.
توجه عبد العزيز إلى المقبرة التي قيل له إن شقيقه دفن فيها، وبالفعل وجد جثة أخيه وتعرف إليها من خلال صفائح معدنية كانت قد وُضعت في الساق اليمنى للضحية عقب حادث سير في مدينة الرقة.
وحتى اليوم لم ينجح فريق الاستجابة الأولية (شُكّل أواخر العام 2018 في مدينة الرقة، واختص بالكشف عن المقابر الجماعية) سوى في الكشف عن هويات نسبة بسيطة من أصحاب سبعة آلاف جثة استخرجها من 27 مقبرة توزعت بين مدينة الرقة وريفها.
ويفتقد الفريق إلى الأجهزة المتطورة التي تمكنه من كشف هويات الجثث، أما الأعداد القليلة التي اكتُشفت هوياتها فمن خلال التعرف المباشر من ذوي الضحايا، أو العثور على أوراق ثبوتية لا تزال داخل ثياب هذه الضحية أو تلك.
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0