× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

موسم بلا قمح.. على أعتاب الجوع؟

عقل بارد - على الطاولة 15-10-2021

في العام الماضي، كان التفاؤل كبيراً بموسم جيد للقمح في سوريا، لكن حساب البيدر لم يكن مثل حساب الورقة والقلم، واستمرت سلسلة النكسات والخيبات المتتالية، وضربت البلاد موجة جفاف تفوق قسوة ما سبقها منذ عقود. ثمة «كارثة نائمة» تعد بها المعطيات، خلاصتها أن البلاد اليوم تقف على أعتاب الجوع، والعجز عن تأمين حتى الخبز

الصورة: (صوت سوري - أكثم)

لا يمكن أي زراعة مهما بلغت أهميتها أن تقارن بزراعة القمح الذي شكل الركيزة الثانية للحياة البشرية بعد اكتشاف النار، بفضله انتقل الإنسان من حياة الصيد والتجول، إلى حياة الاستقرار والملكية، وقد بدأ تدجين القمح قبل نحو 12 ألف سنة قبل الميلاد من سلالة برية تسمى الإيمر لا تزال منتشرة في منطقتنا، ويعد قمح الإيمر البري السوري الأصل أساساً لكل أصناف القمح في العالم.

يصل عدد أنواع القمح نحو 25 ألف نوع، يشكل القمح الطري (قمح الخبز) نسبة 95% منها، والقاسي (قمح المعكرونة والسميد) نسبة 5%. 

كانت أكثر المحافظات زراعة للقمح في سوريا الحسكة، وحلب، ودير الزور، والرقة، إضافة إلى منطقة سهل الغاب. 

قبل الحرب كانت البلاد من مصدري القمح القاسي، وفي الوقت نفسه من مستوردي القمح الطري الذي لم يكن إنتاجه يغطي كامل حاجة السوق السورية. 

بلغ إنتاج القمح السوري في ذروته نحو 4 مليون طن في العام 2003، وطبعاً انخفض الإنتاج في سنوات الجفاف بسبب اعتماد جزء كبير من الزراعة على الأمطار.

في سنوات ما قبل الحرب كان الطلب المحلي يقارب نحو 4 مليون طن، 2 مليون طن للخبز، و360 ألف طن لبذار الموسم التالي، ومليون طن بين سميد، ومعكرونة، وبرغل، وفريكة، وذلك بحسب وزارة الزراعة. 

سنوات الحرب ولّدت تهديداً خطيراً للأمن الغذائي، الرغيف لم يعد خطاً أحمر، وزراعة القمح باتت في مهب كل ريح، ولعبت عوامل كثيرة مرتبطة بالأحداث العسكرية، والنزوح السكاني، والتضخم الاقتصادي دوراً في ذلك. ولم تسلم البلاد من موجات الجفاف التي زادت الطين يباساً، ففي العام 2014 كان الجفاف على أشده، وتدهور المحصول إلى أقل من مليون طن. 

نزح وهُجّر كثير من السكان فقل عدد العاملين في الزراعة، كما أن الأعمال الحربية لم ترحم المنطقة الشرقية التي تعد سلة القمح الأساسية في البلاد، وكان لانهيار الليرة السورية الأثر الأعمق، فلم تعد الزراعة مصدر أمان مالي لمن يعمل فيها، وفاق سعر اللوازم الزراعية من وقود وأسمدة ومبيدات أي دخل قد يحققه الموسم. 

في العام 2020 قال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر خليل إن «سوريا بحاجة إلى استيراد ما بين 180 و200 ألف طن من القمح شهرياً»، بحسب جريدة الوطن، وأضاف أن «تكلفة هذه الواردات نحو 400 مليون دولار»، من دون تحديد إطار زمني لإنفاق المبلغ. 

يوضح هذا التصريح تعقيد أزمة الرغيف، الذي جعل 60% من السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي والجوع، وهو ضعف الرقم المسجل عام 2018، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي. 

في العام الماضي استوردت دمشق من روسيا 350 ألف طن من القمح، وأرسلت روسيا 100 ألف طن مساعدة لتغطية جزء من حاجة السوق السورية، وتوقع وزير الاقتصاد محمد سامر الخليل على هامش مؤتمر بطرسبرغ استجرار مليون طن من القمح الروسي في نهاية العام الحالي، كما جدد السفير الروسي في دمشق عزم بلاده توريد مليون طن من القمح الروسي هذا العام، بعد أن استوردت دمشق من روسيا كذلك العام الفائت 350 ألف طن.

سنوات الحرب ولّدت تهديداً خطيراً للأمن الغذائي، الرغيف لم يعد خطاً أحمر، وزراعة القمح باتت في مهب كل ريح، ولعبت عوامل كثيرة مرتبطة بالأحداث العسكرية، والنزوح السكاني، والتضخم الاقتصادي دوراً في ذلك

في الأعوام الأخيرة، تحول القمح (والشعير) إلى ميدان تسابق بين دمشق، والإدارة الذاتية التي تدير مناطق واسعة من شرق وشمال سوريا (تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية)، وحاولت الحكومة السورية تشجيع المزارعين على بيعها محاصيلهم من خلال رفع سعر الكيلو الواحد من القمح إلى 900 ليرة سورية، وبالتزامن مع ذلك رفعت الإدارة الذاتية السعر إلى 1150 ليرة للكيلو. 

ومع أن أسعار القمح العالمية للطن الواحد في المتوسط 235 دولاراً (من دون أجور الشحن)، أي أن سعر الكيلوغرام الواحد يساوي نحو 811 ليرة (سعر الدولار: 3450)، ولكن التسعيرة الحكومية وتسعيرة الإدارة الذاتية أعلى لضمان كسب المحصول. 

ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) فقد شهد موسم العام 2020 تحسناً كبيراً، فكان إنتاج المنطقة الشرقية وحدها نحو 850 ألف طن بسبب غزارة الأمطار، وشجع ذلك الحكومة السورية لتعلن عام 2021 عاماً للقمح، وحثت على زراعة كل شبر قابل للزراعة بالقمح، وخططت لذلك ووزعت البذار فكانت المساحة المستهدفة مليوناً ونصف مليون هكتار، نصفها مروي ونصفها بعل، وهذا رفع التوقعات وأسهم في زيادة المساحات التي زُرعت، لكن الجفاف غيّر كل شيء، فكان الموسم موسم جفاف بامتياز، وخرجت معظم المساحة غير المروية من الإنتاج، (خرج منها قرابة 600 ألف هكتار، تقدر نسبتها بنحو 80%)، وحتى جزء من الأراضي المروية بسبب نقص المياه، وانخفاض منسوب نهر الفرات، كما تدنت الإنتاجية والنوعية. 

تتوقع الإدارة الذاتية أن يعادل المحصول نصف محصول العام الماضي بسبب قلة الأمطار، كما تتوقع المؤسسة العامة للحبوب إنتاجاً يصل إلى نصف مليون طن. 

يحاول بعض المزارعين تدارك سوء الموسم بتضمين أراضيهم لمربي الأغنام بأسعار منخفضة لتأكلها المواشي بما في ذلك من سنابل يابسة، وذلك لتخفيف كمية الخسارات وتقليل كلفة جني المحصول، وهذا مؤشر بالغ الأهمية على حجم الكارثة على المزارع والبلاد. 

لا يختلف الأمر في إدلب، فشح الأمطار كان عاماً على البلاد، وكان قرار زراعة مساحة ضخمة بالقمح مؤثراً على زراعة الشعير، وبالتالي نتج نقص في أعلاف للمواشي. 

مع هذا النقص الكبير في المحصول، والعجز الأكبر عن تأمين حاجات السكان من هذا الغذاء الأساسي، يشتد الصراع بين دمشق والإدارة الذاتية (التي تتحكم بما يقارب 70% من أراضي القمح) لتأمين الكميات التي تناسب متطلباتهما. وحتى الآن ترفض الإدارة الذاتية وساطات روسية للسماح للمزارعين ببيع جزء من الإنتاج إلى دمشق، ويستمر تهريب جزء من إنتاج المنطقة الشرقية إلى أسواق العراق (كردستان، وغيرها).

بالتزامن مع هذه الأزمة، تتزايد حاجة الناس إلى الخبز بسبب عدم القدرة المادية على الوصول إلى مواد غذائية متنوعة، ليصبح الرغيف وحده ما يسد رمق كثير من الأسر السورية، ومع انعدام القدرة على تأمين القمح اللازم، يُقنن الخبز المقنن سلفاً، ووفقاً لما خلص إليه البنك الدولي قبل عامين فإن «اعتماد السوريين على الخبز المدعوم يتزايد، والتضخم سيدفع البلاد إلى الجوع». 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها