× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

يوم داخل مبنى الهجرة والجوازات في دمشق

حكاياتنا - خبز 18-04-2020

ورقة من شعبة التجنيد، ورقة من المصرف التجاري، صور شخصية، استمارة، دفتر الخدمة، كلها أوراق لازمة لاستصدار الجواز، لكنها لا تعني شيئاً من دون أوراق الزينة من إحدى الفئات الماليّة المعتبرة (500 أو 1000 أو 2000)، بحسب السرعة التي تريد أن تنجز فيها معاملتك.

سنتان، هي المدة الأقصى للصلاحية التي يُمكن أن ينالها شاب سوري لوثيقة سفره، الأغلى والأضعف عالمياً.

في الحقيقة، المدة هي سنة ونصف السنة، لأن الأشهر الستة الاخيرة في أي جواز سفر، لا تستوفي كل المتطلبات القانونية السفر!

وعلى الجانب الآخر (من الأرض): عشر سنوات، هي المدة الوسطية التي قد ينالها أي مواطن في العالم (غير سوري)، عندما يتقدّم للحصول على وثيقة سفر من بلاده.

بعيداً عن المقارنة بين سوريا والعالم، قررتُ أن أخطو تلك الخطوة المؤجلة منذ سنين، وأستصدر جواز سفر، ربّما أمكنه أن يحملني مع جناح الحظ إلى بلد ما على وجه البسيطة، وينتشلني من «جنة الله على الأرض» التي نعيشُ فيها.

كان يوم الأحد، وانطلقتُ باكراً، ظنّاً منّي أنّني «الذكي الوحيد» الذي سيتوجه إلى مبنى الهجرة والجوازات في منطقة البرامكة وسط دمشق، قبل أن يأخذ الضوء طريقه إلى سماء المدينة.

في الحقيقة، توقعتُ أن أجد «أذكياء» غيري، لكن لم أتوقع أن أشاهد طابوراً مؤلفاً من حوالى أربعين رجلاً وامراة، قد اصطفّ بعضهم وراء بعض، في انتظار فتح الأبواب.

الثامنة صباحاً هو الوقت المفترضُ للدخول، لكن «قهوة الموظّفين» تنتهي مع حلول الثامنة والنصف، ليبدأ التدفّق نحو مبنى الأحلام، وتبدأ معها رحلة الأرقام.

الموظف رقم واحد، هو الموظّف الذي يقتطع لك دوراً من أجل الحصول على الاستمارة، وهي الخطوة الأولى قبل أن تدخل في معمعة المعاملة.

وللأمانة، فإن هذا الموظف لا يطلبُ أي رشوة مقابل جهوده، سوى أنه قد يعطيك دوراً يحمل أرقاماً متسلسلة من فوق المئة، أما إذا ما «أكرمته» بـ500 ليرة سورية، فسيكون دورك بين العشرين والأربعين، وستدخلُ فوراً إذا ما كانت الإكرامية ألف ليرة سورية (دولار واحد).

أنفقت الألف الأولى ولم أوقّع أي ورقة بعد، وفي ذلك خسارة واضحة منذُ البداية، ودخلتُ إلى المبنى المؤلف من أربع طبقات. في كل طابق موظفون وضابط، وفي كل طابق مئات المراجعين، ومن المستحيل أن تمرّ أوراقك من موظف إلى آخر، من دون أن تُزيّنها بالورقة الزرقاء (500 ليرة سورية) على الأقل.

ورقة من شعبة التجنيد، ورقة من المصرف التجاري، صور شخصية، استمارة، دفتر الخدمة، كلها أوراق لازمة لاستصدار الجواز، لكنها لا تعني شيئاً من دون أوراق الزينة من إحدى الفئات النّقديّة المعتبرة (500 أو 1000 أو 2000)، بحسب السرعة التي تريد أن تنجز فيها معاملتك.

تسيرُ الأوراق بشكل بطيء، إلى أن تصل إلى أحد الموظفين، الذي يطلبُ منّي المجيء بعد ساعة. بسذاجة، صدقته واعتقدتُ أن المعاملة ستكون جاهزة بعد ساعة، لكن، عندما رجعت إليه طلب مني مرة أخرى أن آتي بعد ساعة أخرى.

فطنتُ متأخراً إلى وجوب دفع المعلوم، وبالفعل، تم اختصار الساعة إلى دقيقة واحدة، وانتهت المعاملة من هذا الموظف.

عرفتُ حينها، أنه يتوجب عليّ أن «ألتقطها على الطائر» وإلا ضاعت أيامٌ متتالية أخرى وأنا ألاحق أوراقي، خشية أن تنام في سبات أحد المصنّفات.

بعد حوالى ثلاث ساعات من المراوغة بين المكاتب والطاولات والموظفين، أخبرني الموظف الأخير بأن معاملتي قد انتهت، وبدأ يحدّق بي مع ابتسامة عريضة. هذه المرة استوعبتُ الأمر سريعاً، وقدمتُ له "حلوان انتهاء المعاملة"، ليخبرني بضرورة عدم العودة قبل أسبوعين على الأقل، كي تجهز هذه الوثيقة.

دفعتُ مبلغ 12 ألف ليرة لخزينة الدولة، ودفعت فوقها – متحسّراً - مبلغ سبعة آلاف ليرة لجيوب الموظفين. لكن الحسرة زالت، حين أخبرني عدد من الأصدقاء بأنني من المحظوظين الذين استطاعوا إنهاء المعاملة في هذا الوقت القياسي، وبهذا «السعر الرمزي». علّق أحدهم ساخراً «اضحاك بعبّك.. خلصت المعاملة بسعر الجملة»!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها