× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«الفنكوش» السوري

عقل بارد - على الطاولة 06-01-2022

في فيلم «واحدة بواحدة» لعادل إمام ترصد ميزانيات لترويج منتج جديد يدعى «الفنكوش». المشكلة أن المنتج غير موجود، ويكون الحل توظيف كيميائي ليخترعه. هل يمكن أن يصبح الفيلم واقعاً؟ يبدو أن الجواب: أجل! ففي سوريا «الفنكوش» هو الواقع بعينه. ماذا يُسمى مثلاً بناء سد ضخم حيث لا نهر، ثم البحث عن طريقة لجر المياه؟ أو بناء سد على أرض كلسية، ثم البحث عن حل للتسرب؟

الصورة: (سد الحسكة الجنوبي 2021 / الفراتية - فايسبوك)

في ثمانينيات القرن الماضي أجرت شركة «أغروكومبلكت» البلغارية دراسة حول مشروع ري الخابور، ولُحظت فيه ثلاثة سدود: سد الحسكة الشرقي بسعة 91 مليون متر مكعب، وسد الحسكة الغربي بسعة 234 مليون متر مكعب، وتالياً سد الباسل بسعة 605 مليون متر مكعب، أي ما مجموعه 930 مليون متر مكعب، مع شبكات بينية وزراعية، وذلك لري 1.5 مليون دونم (150 ألف هكتار) من الزراعات الصيفية والشتوية، بما يكفي لـ«إحداث نقلة نوعية على مستوى سوريا»،

بُنيت السدود بالفعل، وكان آخرها سد الباسل الذي دُشن في العام 2002، وأكد رئيس الوزراء (في حينها) مصطفى ميرو أثناء حفل التدشين أن «محاربة الفساد والبيروقراطية مستمرة في سوريا».

حتى هنا، الكلام جميل، لولا مشكلة «صغيرة» وهي أن نهر الخابور لم يعد يرفد نهر الفرات منذ العام 1997، وأن منسوب المياه فيه انخفض بشكل هائل، حتى شارف على الجفاف، وتحول منذ العام 2000 إلى نهر موسمي تجري فيه المياه شتاء فقط، ما يعني أنه ليس قادراً على ملء السدود أو تعويض النقص الحاصل فيها بشكل مستمر إلا بما يفيض به في الشتاء!

لم يحدث ذلك فجأة، بل على مراحل طويلة ونتيجة مقدمات كانت مدلولاتها واضحة. حين باشرت الشركة البلغارية بدراسة مشروع الخابور كان تصريف ينابيع رأس العين بحدود 45 متراً مكعباً في الثانية، وقد وضعت «أغروكومبلكت» دراستها استناداً إلى هذه المعطيات، لكن ونتيجة تسارع الحفر العشوائي للآبار في المنطقة انخفض تدفق الينابيع في العام 1990 إلى 38 متراً مكعباً في الثانية، ثم إلى 15 متراً مكعباً / ثا في العام 1997، وفي العام 2000 توقف الجريان. 

كانت الشركة البلغارية قد بدأت التحذير منذ العام 1985، وأرسلت كتاباً رسمياً إلى وزارة الري تشرح فيه «خطورة استمرار حفر الآبار على الموازنة المائية للنهر، وعلى مستقبل مشروع الخابور».

يقول أحد المشرفين على إنشاء سد الباسل إن «المشهد كان سينمائياً بامتياز. أنشأنا كتلة خرسانية هائلة لتنظيم مياه ومفيض النهر، حيث لا نهر يجري، وبسبب ذلك توقفت متابعة مشروع الخابور بجزئه الخاص بسد الباسل، واقتصر العمل على ري الحقلين 19 و20 ومساحتهما 10 آلاف هكتار».

لم تستسلم الحكومة بعد جفاف الخابور، وشرعت في البحث عمّن يخترع «الفنكوش» لإحياء النهر، ودُرس احتمالان إضافة إلى حفر آبار في مدينة رأس العين، ومجرى النهر، وتجهيز محطة علوك لإرواء مدينة الحسكة. كان الاحتمال الأول جرّ نهر الفرات عبر قناة إلى رأس العين ثم تسييلها في مجرى النهر منذ بدايته (فلنتذكر أن الخابور كان يرفد الفرات، ويبدو أن هذه الفكرة الذهبية تقوم على مبدأ: سلف ودين!). أما الاحتمال الثاني فكان جر مياه نهر دجلة، عبر مضخات ضخمة، ورفع المياه، وجرها إلى مجرى الخابور.

واجه الاحتمالان معارضة نظراً إلى أن «المياه الآتية من الفرات ستكون على حساب مزارعي حوض الفرات»، والخوف في حال جر مياه دجلة إلى حوض الخابور والفرات من أن «تركيا في أي مفاوضات لاقتسام مياه نهري دجلة والفرات ستعتبرهما حوضاً واحداً، وبالتالي سيضعف الموقف التفاوضي لسوريا».

نترك الشمال الشرقي، ونتجه غرباً إلى الساحل السوري، لنأخذ مثالاً ثانياً هو «سد السخابة» في جبلة.

أنجز هذا السد في العام 2004، وأيضاً مع مشكلة «صغيرة» هي أنه أنُشئ على أراضٍ كلسية تعج بالمغاور الأرضية التي لا يُعرف بدقة أين تنتهي. ونتيجة ذلك فشلت عمليات ملء السد، لأن المياه كانت تتسرب بسهولة عبر المغاور!

أجريت دراسات عديدة لمعالجة هذه المشكلة، ثم تقرر حقن كميات كبيرة من المواد البيتونية في تلك المغاور، ومعالجة الأرضية غير الكتيمة للسد. 

وبحسب أحد المهندسين الموظفين في السد، فقد كانت «التكلفة المالية لتلك المعالجات تفوق تكلفة إنشاء السد نفسه، ورغم ذلك لم يُملأ حتى الآن سوى جزء صغير من السد لا يسرب المياه».

أما وفق الأرقام المتاحة، فحتى العام 2007 كانت تكلفة المعالجات 309 ملايين ليرة، وبلغت في العام 2014 مليار ليرة

أما المفاجأة، وفقاً للمهندس ذاته أنّ «المخطط في الأصل كان يلحظ بناء السد في مكان آخر تماماً بنيته الأرضية كتيمة ومناسبة، ولكن بسبب وجود فيلا لأحد المسؤولين في الموقع تقرر إيجاد موقع بديل»! 

أما النتيجة، فأن السد لم يوضع في الاستثمار حتى اليوم. لكن - للأمانة - الحكومة لم تسكت، ففي العام 2018 طلب عماد خميس رئيس مجلس الوزراء (حينها) من وزارة الموارد المائية «تبيان الأسباب الفنية التي حالت دون وضع السد في خدمة التنمية الزراعية في المنطقة، تحقيقا للغاية التي أنشئ من أجلها السد».

بالعودة إلى عادل إمام، وفيلمه، تمكن المخترع في نهاية المطاف من إيجاد «الفنكوش»، وكان عبارة عن مخدر قوي جداً يفوق كل الأنواع التي كانت موجودة. طبعاً، يأبى «الفنكوش» السوري إلا أن ينتزع الصدارة. 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها