× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

بين «البعثين» السوري والعراقي: أصول الخلاف ونتائجه

عقل بارد - أوراقنا 03-05-2022

تكاد تكون العلاقة بين حزب البعث العراقي ونظيره السوري واحدةً من العلاقات التي تستعصي على تفسير واضح، لما أصابها من تحوّلات مفاجئة وقفزات بين مشروع للوحدة الاندماجية على أعلى المستويات، وبين دعم كل من الطرفين منظمات وجماعات ودولاً تريد تدمير البلد الجار!

الصورة: (أحمد حسن البكر وحافظ الأسد يوقعان اتفاق توحيد البلدين بغداد 18 حزيران 1979 / موقع التاريخ السوري المعاصر)

تحدّد مذكرات نائب الرئيس السوري الراحل الذي كان الأكثر انخراطاً في الملفات اﻹقليمية العربية، عبد الحليم خدام، وقد نشرت فصولاً منها صحيفة الشرق الأوسط السعودية، ثلاثة عوامل كانت الناظم الأساسي للعلاقة بين سوريا والعراق، وهي وفق أولويتها السياسية في ذلك الوقت: حزب البعث، وإيران، ثم الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» بالضرورة. 

على صعيد «البعث» وإشكالاته الداخلية، يمكن القول إنه لم تكن بين «البعث» العراقي ونظيره السوري أي خلافات قبل العام 1963، العام الذي شهد وصول الحزب إلى الحكم في بغداد ودمشق عبر انقلابين عسكريين في 8 شباط/فبراير، و8 آذار/مارس.

عقب نجاح الانقلابَين بدأت تطفو الخلافات التي طبعت العلاقات الداخلية ضمن الهياكل الحزبية، خاصة مع انتقال عدد من رموز «البعث السوري إلى بغداد، وتحوّل الخلاف شخصياً بين الحرس البعثي القديم في سوريا، وبين الضباط البعثيين الشباب الذين نفذوا «ثورة 8 آذار 1963»، ومجمل الخلافات كانت حول القيادة القومية، وأسباب أخرى أقل شأناً.

في المحصلة، انتهت تلك المرحلة باعتزال رموز الحرس القديم السياسة، ومنهم أكرم الحوراني الذي اختار الإقامة في الأردن، وصلاح الدين البيطار الذي انتقل إلى بيروت للعمل في الصحافة، فيما انتقل إلى بغداد عدد آخر في مقدمتهم ميشيل عفلق، ومنيف الرزاز، وأمين الحافظ، وشبلي العيسمي، ومصطفى حمدون، وعبد الفتاح الزلط. 

خلق امتلاك «البعث» العراقي هذه الرموز (التي كانت تحظى بقواعد شعبية في سوريا، حتى ضمن القطاع العسكري) مشكلة تتعلق بشرعية الحكم البعثي في سوريا، ما اضطر الأخير إلى محاولة عقد مؤتمر للقيادة القومية في دمشق باعتبارها الحيز الذي احتضن تأسيس الحزب.

جميع الأفكار وأدبيات الحزب كانت بلا قيمة في إطار الصراع السياسي بين «البعثين» السوري والعراقي

غياب المؤسسين الأحياء، ومنهم «الأب الروحي» عفلق، دفع دمشق إلى التركيز على بقية الآباء المؤسسين كزكي اﻷرسوزي الذي لم تمهله الحياة وتوفّي في 2 تموز/يوليو 1968. 

وفي خطوة لا تزال تثير الأسئلة، أعلنت قيادة «البعث» السوري ممثلةً بخماسي اللجنة العسكرية، صلاح جديد، ويوسف زعيّن، وإبراهيم ماخوس، ومحمد عمران، ونور الدين اﻷتاسي، طرد عفلق من الحزب ومعه الحوراني والبيطار والرزاز وآخرون.

في الوقت نفسه، كان هناك عدد كبير من البعثيين العراقيين في سوريا، وهؤلاء من المنشقين عن العراقي، ولكن تأثيرهم لم يكن قوياً في الخلاف بين الحزبين خلافاً لنظرائهم السوريين. ثم تطور الخلاف الشخصي داخل القسم السوري، بين الحرسين القديم والجديد، إلى خلاف جغرافي بين البعثين السوري والعراقي مع انتقال تلك المجموعة إلى العراق، لكن نكسة حزيران 1967 جعلت وضع «البعث» العراقي أفضل أمام الجمهور العربي. وبدلاً من أن تخفف تلك الحرب من التوترات بين جناحي «البعث»، فقد تفاقمت الخلافات وتزايدت.

كيف استفاد صدام من عفلق؟

كان ميشيل عفلق البعثي الوحيد الذي شغل منصب الأمين العام لـ«البعثين» في سوريا (العام 1947، ثم العام 1954 ثم العام 1961) ولاحقاً في العراق بين العامين 1968 و1989. بعد طرده من دمشق (عقب حركة 23 شباط 1966)، أقام بعض الوقت في لبنان، وبدأ ممارسة نشاطه السياسي من بيروت، ثم استقر به المقام في بغداد. 

أما منيف الرزاز، الأردني الذي شغل منصب الأمين العام لـ«البعث» السوري العام 1965، وفُصل من منصبه أيضاً على يد رفاقه في الحرس الجديد من العسكريين، ثم عاد إلى الأردن العام 1967، ولاحقاً انتُخب لمنصب الأمين العام المساعد لـ«البعث» العراقي سنة 1977 وينتقل إلى بغداد، قبل أن يقيله الرئيس الراحل صدام حسين من منصبه العام 1979 ليلقى حتفه بعد خمس سنوات قضاها في الإقامة الجبرية بأوامر من صدام، الذي يتهمه البعض باغتيال الرزاز بالسم.

الصورة: موقع عائلة الرزاز

كان صدام يرغب أن يضمن لنفسه موقعاً في صفوف «الآباء المؤسسين للبعث»، وأن تكون له يد في أيديولوجيا الحزب نفسه، ولذلك أضاف عدداً من الكتب إلى مكتبة «البعث». لكن يقال إنّ عفلق هو الذي كتبها. وفي هذا السياق، نُقل عن صحافي سعودي زار عفلق في بغداد سنة 1988، للتوسط في السماح لسيدة عربية بمغادرة العراق بعد وفاة زوجها العراقي في ظروف غامضة، أن عفلق قال له: «هل تعتقد يا أستاذ أن تكون كلمتي مسموعة في العراق؟». فرد عليه ذلك الإعلامي: «إنك تتمتع بمنصب رسمي كبير، وهو الأمين العام لحزب البعث، الحزب الحاكم»، ليقاطعه عفلق قائلاً: «لا يغرك هذا المنصب، فهو منصب صوري لا يخولني أن أتعرض لأمر ما مهما كان شأنه كبيراً أو صغيراً» (مطيع النونو، دولة البعث وإسلام عفلق، القاهرة 1990).

توضح هذه الواقعة أن لجوء الحرس البعثي السوري القديم إلى العراق كان بالنسبة إلى صدام حسين فرصة لتحقيق غايات مختلفة أهمها تزكيتهم انتقالَ القيادة القومية البعثية من سوريا إلى العراق بما أنهم فلاسفة الحزب ومؤسسوه الأوائل. كما كان لديه طموح بأن تصير النسخة العراقية من «البعث» هي الحزب الرائد، وألا تكون فرعاً لـ«البعث» السوري. ولعل ذلك ما جعل الخلاف شخصياً بين صدام والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لاحقاً على زعامة حزب كلٍّ منهما للقيادة القومية، إذ يرى كلاهما أنه الحزب الرائد في المنطقة العربية، وأن الثاني هو التابع.

من حرب تشرين إلى غزو الكويت

سنة 1973 شارك العراق متأخراً في حرب تشرين، عبر كتيبتين قاتلتا على جبهة الجولان السوري في الأيام الأخيرة من الحرب، بعدما نقلت «إسرائيل» غالبية قواتها إلى شمالي فلسطين إثر واقعة «ثغرة الدفرسوار» على الجبهة المصرية، وساهمت المشاركة العراقية في تخفيف الضغوط على الجيش السوري من دون أن تترك أثراً كبيراً في نتائج الحرب.

بعدها بخمس سنوات، حقق مؤتمر «قمة بغداد» 1978 حداً مقبولاً من التضامن العربي بعد خروج مصر من الصف العربي المواجه لـ«إسرائيل»، وفي العام 1979 حصل اتفاق أولي على وحدة اندماجية بين العراق وسوريا، قبل أن يتغير المشهد عقب تنحي الرئيس العراقي أحمد حسن البكر لمصلحة صدام حسين الذي «اكتشف مؤامرةً لقلب نظام الحكم في بغداد يقف وراءها السوريون» كما قال، ولذلك طار المشروع سريعاً مع إغلاق تام للحدود، وقطع للعلاقات بين البلدين.

مع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية ظهر شقاق آخر بين دمشق وبغداد، فقد رفضت الأولى هذه الحرب بسبب ما قالت إنه «تغير استراتيجي في المنطقة مع انضمام إيران إلى المحور المعادي للصهيونية». وعلى النقيض، اتهم صدام إيران برغبتها في «اجتياح العراق وإخضاعه للسيطرة الفارسية».

مع انطلاق المغامرة الثانية لصدام ضد الكويت بحجة تحقيق الوحدة العربية تصاعدت الخلافات بين دمشق وبغداد، مع قرار الأولى الانضمام (رمزياً) إلى التحالف الدولي لتحرير الكويت، لكن بات الموقف معكوساً سنة 2003 حين انتقلت دمشق وطهران إلى رفض الاحتلال الأميركي للعراق، خوفاً من أن يأتي عليهما الدور إذا استقر هذا الاحتلال، فيما كان كل من الأسد الأب قد ارتحل وصدام على وشك أن يلاقي مصيره بعد احتلال بلاده بثلاث سنوات.

في المحصّلة، كان من الملاحظ في سنوات حكم الحزب للبلدين أنّ العلاقات بينهما اتسمت غالباً بالعدائية، وأنّ جميع الأفكار وأدبيات الحزب كانت بلا قيمة في إطار الصراع السياسي بينهما. كما تمكن ملاحظة أنّ الأيديولوجيا البعثية بحد ذاتها كانت هي أدوات الخلاف بين النظامين بدلاً من أن تكون أداة تكاملية بينهما، وهذا ليس مرتبطاً ببنية الفكر في حد ذاته، بل بالحامل السياسي لها، أي المنظومة السياسية التي غابت عنها الرؤية الاستراتيجية للضرورة القومية والوطنية العليا لتكامل البلدين، الأمر الممنوع عليهما حتى الآن، رغم سقوط «البعث» العراقي.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها