× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

أحلام بعثي عتيق: هل يعترف الحزب بالإخفاق؟

عقل بارد - على الطاولة 21-07-2022

أمام حزب البعث اختبارات قاسية جداً في ظلّ حاجته إلى أدوات تربطه مجدداً بالمجتمع، خاصة أنّ أيّ تغيير في قيادته لن يحمل معه أيّ أمل في جديد بعدما اختبر السوريون الآمال سابقاً... ما يحتاجه البعث اليوم وقفة حقيقية أمام الواقع، واعتراف حقيقي ومسؤول بالإخفاق

الصورة: (حزب البعث العربي الاشتراكي - القيادة القطرية / فايسبوك)

تكثفت في الشهرين الماضيين المؤتمرات الفرعية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا منذ 1963، وتشير التقديرات إلى قرب انعقاد لجنته المركزية الموسعة، في خلال هذا الشهر أو المقبل على أبعد تقدير، وسط غياب أيّ أفق لعقد مؤتمر عام.

واللجنة المركزية الموسعة في الحزب بمنزلة «البرلمان»، ومنها تُختار القيادة القطرية التي تُعدّ عمليّاً سلطة عُليا في البلاد. فرغم أنّ دستور العام 2012 ألغى قيادة «البعث» للدولة والمجتمع، لا تزال القيادة القطرية في الواقع تتولى الوصاية على عمل مؤسسات الدولة كافة باستثناء مؤسستي الدفاع والأمن، بالإضافة إلى وصايتها على المنظمات الشعبية والنقابات المهنية.

تراجع تنظيمي

منذ المؤتمر القطري العاشر للحزب في العام 2005، لم ينعقد أيّ مؤتمر مماثل، فيما انعقد المؤتمر القومي الرابع عشر بعد غياب 37 عاماً في أيار 2017، منهياً عملياً الارتباط بين البعث السوري وبقية التنظيمات القطرية في الدول العربية، لأن قانون الأحزاب في سوريا رقم 100 للعام 2011 يحظر ارتباط الأحزاب بأخرى خارج البلاد، فتراجع «الارتباط القومي» للحزب إلى مجلس ذي صفة استشارية لم يعقد أي اجتماع منذ 2017.

رغم أنّ دستور 2012 ألغى قيادة «البعث» للدولة والمجتمع، لا تزال قيادته تتولى الوصاية على مؤسسات الدولة باستثناء مؤسستي الدفاع والأمن

ورغم وداع القومية البعثية «تنظيمياً» لم يعقد أي مؤتمر قطري، بل اقتصر الأمر على اجتماع موسع للقيادة القطرية، وأُقر تعديل الاسم إلى «اجتماع موسع للجنة المركزية في الحزب» تماشياً مع مخرجات المؤتمر القومي الرابع عشر، والقانون 100، في المقابل حافظ الموقع الرسمي لمجلس الشعب السوري على لقب «الأمين القطري» في خبره عن حديث الأسد حينها، رغم أنّ المنصب تغير اسمه إلى منصب الأمين العام للحزب.

أسفر اجتماع «المركزية» في 2017 عن قيادة جديدة بدخول محسن بلال ومهدي دخل الله وعمار السباعي، كما عاد العسكريون إلى قيادة الحزب، بدخول اللواء أركان الشوفي، بعدما غابوا عن القيادة السابقة التي تشكلت في 2013. وحافظت النساء على مقعد واحد بدخول هدى الحمصي خلفاً لفيروز موسى.

أما عضوية حمودة الصباغ، فجاءت بحكم منصبه رئيساً لمجلس الشعب، وكذلك عضوية عماد خميس التي انتقلت لاحقاً إلى حسين عرنوس. كما حافظ هلال الهلال على منصبه أميناً عاماً مساعداً، وهو المنصب الذي كان يسمى سابقاً أميناً قطرياً مساعداً.

إذاً، لم يطرأ على الحزب أيّ تغيير من الناحية التنظيمية، ولا يتوقع أن يخرج الاجتماع الموسع المقبل بأي جديد.

ترهّل أيديولوجي

ربما حفّز رفع لواء القومية العربية وطبيعة المجتمع العربي في مرحلة ولادة حزب البعث في الربع الثاني من القرن الماضي، على الارتباط بين الحزب والحركات القومية العربية في سوريا وبقية البلدان، وبخاصة حركات التحرر، ما جعله واحداً من أكثر الأحزاب العربية انتشاراً.

تقوم الأيديولوجيا البعثية على الفكرة القومية، أي القومية العربية التي تضمنتها مبادئ الحزب في 1963، بجانب «المنطلقات النظرية» التي رسّخها لاحقاً أمينه القطري السابق حافظ الأسد، من دون أي تطوير في ما بعد. ورغم أن خطاب القسم للأسد الابن حين تولى الرئاسة في العام 2000 حمل عنوان «التطوير والتحديث»، بدا أنّ العملية المُفترضة وقفت عند أسوار الحزب.

تعرضت هذه الأيديولوجيا في مسيرتها الطويلة لاختبارات واقعية أصابتها في مقتل.

الاختبار السياسي الأول كان في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، إذ وقف البعث السوري إلى جانب إيران في وجه «شقيقه» العراقي، مع أنّ إيران كانت من القوى المهددة للقومية العربية.

أما الاختبار السياسي الثاني، فكان في حرب الخليج الثانية حين تعاون حزب البعث مع التحالف الغربي الذي لطالما وصف دوله بـ«القوى الإمبريالية». 

فيما كان الثالث داخلياً وتمثّل في فقدان النخب البعثية للحضور، وظهر ذلك جلياً مع الشروع في محاولات الانفتاح السياسي في العام 2002 وربيع دمشق الذي وُصِف المنضوون فيه على أنّهم يمثّلون «المجتمع المدني»، لا المعارضة إذ لم يكن «البعث» على استعداد لتقبّل مصطلح سياسي كهذا.

رغم قرب إعلان موعد انتخابات الإدارة المحلية المقبلة، لم يصدر إلى اليوم أي تصريح أو موقف عن حزب البعث يشير إلى موقفه أو استعداده لها

كان الاختبار الرابع اقتصادياً مع إفلاس «الأيديولوجيا الإشتراكية» وإخفاقها في إرساء اقتصاد جديد لسوريا يتوافق و«تطلعات الرئيس الجديد» إلى الانفتاح على الغرب. لجأ الأسد إلى المستقلين لاستلهام أيديولوجيا جديدة، مثل الاستعانة بعبد الله الدردري، الشخصية المستقلة التي قادت محاولات إعادة هيكلة الاقتصاد السوري باتجاه «اللبرلة»، ما ضرب أسس الدولة الاشتراكية.

بدا واضحاً إلحاق المؤتمر القومي العاشر في 2005 مصطلح «الاجتماعي» بخطة الدردري لتسمى «اقتصاد السوق الاجتماعي»، ولكنّه لم يحلّ معضلة الفصام البعثي عن أيديولوجيته، بل فاقمها بتبني خطة لا يعرف البعث هويتها أصلاً، ويفتقر إلى أدواتها، ولا تتواءم مع بنيته المتآكلة. لذا، كان من السهل عقب 2011 إلحاق أسباب الفشل بشخص الدردري، وحلّ حكومة ناجي عطري التي كان الدردري يشغل فيها منصب نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية، من دون التخلي عن ملامح خطته على أساس أنّ الخطة لم تكن موجودة أصلاً.

تشكّل الاختبار الخامس، وهو الأقسى على الإطلاق، في أعقاب العام 2011، حين ساهم الترهل التنظيمي والإفلاس الأيديولوجي في إقدام قيادات بعثية على «الانشقاق عن سلطة الدولة». ففي البوكمال وريف حلب ودرعا، تولى عدد من البعثيين تلاوة بيانات خروج مناطقهم عن «سيطرة النظام»، وذهبت قيادة البعث نحو خطاب يقلل من أهمية العودة إلى الجامعة العربية بعدما جُمدت عضوية سوريا، ثم سُلّم مقعدها لـ«الائتلاف السوري المعارض» مدة وجيزة.

أيضاً تراجع استحضار مصطلح العروبة في الخطاب الرسمي بحكم الارتباط العضوي بين السلطة وإيران وروسيا، فبات الخطاب السوري يصف كلاً من هاتين الدولتين بـ«الشقيقة»، وهو مصطلح دأب السوريون على وصف الدول العربية به فحسب.

سطوة على التمثيل الاجتماعي

لا يزال حزب البعث يستخدم القوائم المغلقة في انتخابات مجلس الشعب في غالبية المحافظات ليتيح للأحزاب المنضوية معه في «الجبهة الوطنية التقدمية» الحصول على مقاعد شكلية، ويترك مقاعد محددة للمستقلين الذين هم في الأصل أعضاء في الحزب.

تبدو المعضلة أكبر في مجالس الإدارات المحلية، إذ يلجأ البعث في غالبية المحافظات إلى قوائم مغلقة لم تُخرق إلا في مرات نادرة (في آخر انتخابات في 2018)، والمشكلة الكبرى أنّ الشُعب والفروع الحزبية هي التي تتولى هندسة المجالس المحلية قبل صدور مراسيم التصديق على نتائج الانتخابات.

تزداد المعضلة سوءاً في المجالس التمثيلية التي تأسست بناء على قرارات من القيادات القطرية السابقة ولم تُعدّل أوضاعها بموجب دستور 2012، فلا يزال حزب البعث يهيمن على قرار تسمية قيادات المنظمات الشعبية والنقابات المهنية التي «يُهندس» انتخابها، إذ تُرفع أسماء المنتخبين بعد كلّ اقتراع إلى القيادة المركزية التي تختار الأسماء وتوزيع المكاتب، وهذا ما جرى في انتخابات اتحاد شبيبة الثورة واتحاد الصحافيين على سبيل المثال.

اللافت أنّه لم تُنشر أخبار عن أيّ دعوى منظورة أمام القضاء بخصوص استقلالية المنظمات الشعبية عن سطوة الحزب الحاكم. ورغم قرب إعلان موعد الانتخابات المحلية المقبلة، لم يصدر إلى اليوم أي تصريح أو موقف عن الحزب يشير إلى موقفه أو استعداده لها.

هل من أمل؟

رغم كل ما سبق، قد لا يكون ممكناً إنكار أنّ قيادة البعث ساهمت في تثبيت الاستقرار في سوريا لسنوات طويلة، واستطاعت إدخال فئة العمال والفلاحين في بوتقة الدولة بعدما كانوا فئات مهمشة، ولكنها أقصت البرجوازية السورية لسنوات قبل أن تتنبه لاحقاً فأعادت ترتيب الأوضاع بعملية موزونة إلى حدّ ما في السبعينيات وترافقت مع انفتاح عربي على دمشق. ولكنّ الإصرار على احتكار المساحة السياسية ألغى الآخر تماماً، وأطبق على الأمل في الإضاءة على مكامن الخلل.

في انتخابات الإدارة المحلية يلجأ البعث إلى قوائم مغلقة لم تُخرق إلا في مرات نادرة، ثم تتولى الشُعب والفروع الحزبية هندسة المجالس المحلية قبل صدور مراسيم التصديق على نتائج الانتخابات

من زاوية النمو الاقتصادي، حقق البعث معدلات مقبولة وأرسى وضعاً معيشياً جيداً تطور على نحو لافت في الألفية الجديدة بعد برامج الارتباط مع الأوروبيين والعرب، ما زاد التدفقات المالية والبرامج والخطط التي تستهدف المجتمع السوري، ولكن رأس المال كان يتركز بيد فئة قليلة، وبدأ مصطلح «الأسرة الحاكمة» يحلّ تدريجاً مكان «الحزب الحاكم».

أمام حزب البعث اختبارات قاسية جداً في ظلّ حاجته إلى أدوات تربطه مجدداً بالمجتمع، والأسباب بعضها يتعلق بما ذُكر، وبعضها بتراجع دور الأحزاب في المجتمعات العربية عموماً، وانسداد الأفق السياسي للمجتمعات. فأيّ تغيير في قيادته لن يحمل معه أيّ أمل في جديد بعدما اختبر السوريون الآمال سابقاً، مرتين رئاسياً وحكومياً إنّما دون جدوى. أما بعض «الترقيعات» المتوقعة في البنية التنظيمية، فلا يُتوقع منها أكثر من إضافة جدران استنادية إلى «سور» الحزب الكهل.

ما يحتاجه البعث اليوم هو وقفة حقيقية أمام الواقع، واعتراف مسؤول بالإخفاق، ثم هوية سورية واضحة، حتى لو استمدها من فكر قومي، لتعيد بناء نواته الفكرية، إذ لا مجال لإصلاح سياسي مع الإبقاء على المنظومة المعرفية القديمة وفقاً للمفكر جورج طرابيشي. ولكن على بنية الحزب الفكرية الجديدة أن تتخللها عناصر جذب لنيترونات السوريين في داخل الحزب من جهة، وأن يكون الجذب أبعد من الحدود التي رسختها الحرب، أو حدود الدولة نفسها من جهة ثانية.

يحتاج البعث ثالثاً إلى إعادة ترتيب بنى الانتماء والعضوية لتضمن استمرار دوران الأعضاء حول نواته لأن حماية الأفكار والمبادئ لا تثبت إلا بالانتماء، وفقاً للمفكر المصري محمد الغزالي.

أما الاشتراط الرابع، فيتجلى بالإبقاء على المدار الخارجي مفتوحاً ليسمح بالخروج والدخول الآمن والطوعي والصحي من الحزب وإليه.

وخامساً، لا بدّ للحزب من برامج معلنة ومخططة مجدولة تجعله أهلاً لتحمل المسؤوليات، وقابلاً للمساءلة والمحاسبة. ولكن المشكلة تكمن في اتخاذ الخطوة الأولى، وليس في إعداد مقدمات لأمل كهذا. 

المحررة: لعل السؤال الأهم قبل كل ما تقدم: هل سيظل «البعث» يعد نفسه لاعباً منفرداً لا شريك له، وأكبر من الدولة نفسها؟! 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها