× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

عن العدالة و«صناديق الديمقراطية»

عقل بارد - على الطاولة 24-05-2021

وفقاً للديمقراطية التمثيلية، فإنّ كل مواطن تجاوز عمراً معيناً (غالباً 18)، يملك الحق في الإدلاء بصوت واحد يختار على أساسه من يمثله (شخصية أو قائمة). يجري تصوير هذا «التساوي» بين الأفراد على أنه تساوٍ حقيقي، بل وعدالة وديمقراطية وحرية وإلخ

مقدمة أو Disclaimer
بما أنّ قسماً من الأراضي السورية مقبلٌ على «عرس ديمقراطي» جديد، وبما أنّ هناك روائح توحي باحتمال إقامة «أعراس ديمقراطية» قريبة أخرى في أجزاء أخرى من الأراضي السورية، فلا ضير من التحدث قليلاً عن أحد جوانب العملية الديمقراطية، وأقصد: صندوق الانتخاب.

الحديث لن يكون عن الانتخابات الراهنة، أو المحتملة في مناطق أخرى من سوريا، بل من أجل مستقبلٍ مُشتَهى؛ فأفضل ما يمكن للانتخابات الراهنة أن تفعله هو ألا تفعل شيئاً.
أقصد أنّ أفضل نتيجة ممكنة لـ «لأعراس الديمقراطية» الجماعية، أو المتتالية في هذه الفترة وما يليها، هي ألا تزيد الأوضاع سوءاً!

بسيط وعميق
رغم بساطته، لكنه يدهشني كلما رأيته؛ أقصد الرسم الكرتوني البسيط المرفق الذي عادة ما يحمل عنوان «الفارق بين المساواة والعدالة».
يختزل هذا الرسم فكرة عظيمة عن جوهر العدالة هي أنّ العدل يقتضي أخذ الظروف المختلفة للأفراد وللجماعات بعين الاعتبار. 
يمكن أن نعبر عن الرسم نفسه بجملتين: 
1- يحق للأشخاص الثلاثة أن يستمتعوا بمشاهدة المباراة. 
2- يحتاج أحدهم إلى صندوقين، والثاني إلى صندوق واحد، أما الثالث فلا يحتاج أي صندوق. 
إذاً؛ فالعدل أن توزع الصناديق بحيث يتمكن الكل من المشاهدة.
هذا المفهوم نفسه ينطبق على مجالات شديدة التنوع في الحياة.
في مجال التعليم مثلاً، هنالك بين الأطفال من يتم تصنيفهم على أنهم يعانون «صعوبات في التعلّم»، والعدل يقتضي أن ينال هؤلاء ما يحتاجونه من أنماط تعليمية مخصصة لهم بحيث يتجاوزون الصعوبات، بل وأبعد من ذلك، فإنّ الأطفال عموماً هم ذوو احتياجات خاصة، وليس فقط الذين يعانون من إعاقات حركية أو عقلية هم أصحاب احتياجات خاصة. (كل واحد منا هو بطريقة أو أخرى صاحب احتياجات خاصة). 
قسم من الأراضي السورية مقبلٌ على «عرس ديمقراطي» وشيك، وهناك روائح توحي باحتمال إقامة «أعراس ديمقراطية» قريبة أخرى، في أجزاء أخرى من الأراضي السورية
العدل تجاه الأطفال يستلزم أخذ ظروفهم، واحتياجاتهم، وميولهم بعين الاعتبار، وتأمين الظروف التي تسمح لهم جميعاً باختبار المجالات التي يحبونها، ويمكنهم أن يبدعوا فيها. 
ربما ساقني الحديث عن الأطفال بعيداً، خاصة أنّ الكلام السابق يبدو للأسف ترفاً بعيداً كل البعد عن الواقع المأسوي الذي يعيشه ملايين الأطفال السوريين.

صندوق الانتخاب
رغم التعقيدات والتنوعات الهائلة في الأنظمة الانتخابية، فإنّ فكرة الديمقراطية التمثيلية بأسرها تبقى مشابهة - في جوهرها، وإلى حد بعيد - للمشهد الأول من الرسم الكرتوني؛ أي: تشبه المساواة، لا العدل. 
وفقاً للديمقراطية التمثيلية، فإنّ لكل مواطن/ة تجاوز/ت عمراً معيناً (غالباً 18)، الحق في الإدلاء بصوت واحد لاختيار من يمثله/ـا (شخصية أو قائمة). يجري تصوير هذا «التساوي» بين الأفراد على أنه تساوٍ حقيقي، بل وعدالة وديمقراطية وحرية وإلخ... 
لكن؛ فلنقم معاً بتعديلات ذهنية، وإسقاطات على الرسم نفسه.
يمكن أن نعتبر تباين أطوال الثلاثة في حالتنا هذه (حالة الانتخابات)، اختلافاً في درجة اطّلاعهم على ما يجري في «الملعب السياسي». إذا وزعنا الصناديق بشكل متساوٍ (وغير عادل)، فإنّ الأقصر قامة لن يشاهد شيئاً مما يجري في الملعب السياسي، وسيكون مضطراً لسؤال الشخصين الآخرين (وكل منهما أطول قامة منه) ليعرف ما الذي يجري، وليحدد بالتالي «رأيه» ويمنح «صوته».

طيب، إذا كان 90% من الأفراد، وبسبب الركض اللاهث المستمر وراء لقمة العيش، لا يمتلكون أساساً وقتاً كافياً للذهاب إلى الملعب السياسي للمشاهدة عن كثب، فضلاً عن المشاركة في اللعب، في هذه الحالة (أي كما في الواقع)، سيدخل الملعب السياسي إلى البيت عبر التلفاز والراديو والموبايل، وسيسمع الـ90% الأخبار والتحليلات حول ما يجري في الملعب عبر وسطاء (مواقع إلكترونية، وقنوات تلفزيونية، وإذاعات، وإلخ). الوسطاء المذكورون ليسوا نزيهين إطلاقاً، لأنهم ببساطة جزء من اللعبة.
على هذا الأساس، ومن الواقع السوري، يمكن أن يتحول شخص عاش كل عمره فاسداً، وتنقل بين عشرات المواقع السلطوية، ونحو الأعلى دائماً، يمكنه أن يتحول بدعمٍ إعلامي كثيف إلى «ثوري» و«بطل» و«مبدئي»، إلخ.
يمكن أيضاً أن يتحول آخرون كثر قضوا أعمارهم كلها في النضال ولا يزالون، إلى «مجرمين» و«فاسدين» و«انتهازيين»، إلخ... ما دام الإعلام -  التقليدي منه، وغير التقليدي - في أيدي أشخاص ليسوا لاعبين أساسيين في الملعب السياسي فحسب، بل هم أيضاً الذين يستثمرون أرض الملعب، ويتحكمون بالإضاءة، ويعينون المعلقين، والحكام، ويقتطعون النسبة الأكبر من أرباح بياعي الفوشار، والمشروبات الغازية على المدرجات!

هل يمكن أن تكون الانتخابات عادلة في أي يوم من الأيام؟
يمكنها في حالة واحدة: أن يتمكن الـ90% من الدخول إلى الملعب، ومشاهدة، ومراقبة كل شيءٍ عن كثب. 
ولأن عدد هؤلاء كبير جداً، فقد لا يكون حلاً البحث عن صناديق كافية للإطلال بشكل مباشر على المشهد. قد يكون جزءاً من الحل، أن يُهدم السور من دون أن يُهدم الملعب. أن يهدم الجمهور السور، ويكون منضبطاً بحيث يُحول اللعبة لمصلحته، وذلك حديث، بل أحاديث أخرى!

Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها