× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

ملف مفقودي دير الزور بين مقابر جماعية ومصائر غامضة

حكاياتنا - خبز 04-06-2022

ملف المفقودين واحد من أشد الملفات إهمالاً في سوريا بالعموم، وفي دير الزور على نحو خاص. ويشمل مصطلح «المفقودون، ومجهولو المصير» الأحياء والأموات، إذ دُفن المئات (وربما الآلاف) في مقابر جماعية عشوائية وغامضة لم يُكشف عنها إلى الآن. وتزايد عدد المفقودين جراء الخطف لم يتوقف عقب طرد «داعش»

الصورة: (انتشال جثث من مقبرة جماعية في دير الزور 2020 - متداول على تويتر)

على امتداد سنوات عانت دير الزور من مختلف أنواع الانتهاكات التي طاولت أهلها، لا سيّما إبّان سيطرة تنظيم «داعش» المتطرف على مساحات واسعة من مدن الشرق السوري.

عبّد التنظيم طريقه بانتهاكات علنية مروعة، فضلاً عن الاعتقالات والاختطافات الواسعة النطاق على أيدي «أمنيي» التنظيم، وأتباعهم والجماعات المرتبطة بهم. اختُطف الآلاف من منازلهم، وعلى نقاط التفتيش، وعلى الطرقات، لا على أيدي أتباع «داعش» فحسب، كما قُتل الكثيرون في القصف، والعمليات العسكرية التي شُنت لطرد التنظيم، ليصيروا في عداد المفقودين الذين لا يزال ظلهم يرافق ذويهم في بحث طويل لا تلوح نهاية له..

وقود للحرب

بألم وحسرة، يتحدث نوفل الحسن، وهو من سكان بلدة هجين في ريف دير الزور الشرقي، عن رحلته الشاقة بحثاً عن ولده الوحيد المفقود منذ العام 2018 إثر قصف صاروخي استهدف أحياء البلدة، حيث كان «داعش» يحتمي قُبيل خروجه.

يصف نوفل (50 عاماً) والدمعة تفيض من عينيه كيف كان ولده يعمل مياومة لإعالته أثناء الحرب، وبسبب قلة فرص العمل، استغل التنظيم الشبان للعمل بمردود مالي أفضل، ولكن اقتصر عملهم على فتح أبواب داخل جدران المنازل ليستطيع مقاتلو «داعش» التحرك ضمن الأحياء بسهولة وخفية.

ثمة آخرون أجبرهم التنظيم على الانضمام إلى صفوفه، وإلا كان مصيرهم الاعتقال، ففضّل كثرٌ منهم العمل اللوجستي بدلاً من حمل السلاح، لأن الخيارات الأخرى كانت نهايتها الموت سواء على يد التنظيم أو برصاص طائش، ومنهم من يُنفى إلى المجهول في حال خالف مشيئة «داعش».

دأب نوفل على ارتياد المقابر الجماعية لمعاينة الجثث بعد إخراجها، لعله يجد جثة ابنه - الرسم: صوت سوري

خاض الأب نوفل رحلة مليئة بالمتاعب بعد عودته إلى بلدة هجين عقب انسحاب التنظيم منها، ودأب على ارتياد المقابر الجماعية التي يُكشف عنها حديثاً لمعاينة الجثث بعد إخراجها، فقد يجد جثة ابنه في إحداها، لكنه لم يستطع التعرف إليها بين 65 جثة في هجين كانت في مقابر عشوائية بين المنازل والحدائق، خاصة أن التشوهات كبيرة.

خلال سيطرة التنظيم، كان تحصيل أي معلومة عن معتقل لديه يجري عبر وساطات بمعرفة من كانوا مسؤولين عن حفر المقابر الجماعية، أو أطراف أخرى لهم صلة بقياديين «دواعش». أما الطرق الأسهل، فكانت التواصل مع سجناء سابقين، أو عن طريق الأنباء المحلية التي لن تكون مؤكدة، وفق نوفل.

وتفتقر فرق انتشال الجثث في شمالي وشرقي سوريا إلى الأجهزة المتطورة، ومن أهمها وسائل تحليل الحمض النووي (DNA)، فتلجأ الفرق المحلية إلى وضع الجثث في أكياس مخصصة وإضافتها إلى سجل المفقودين للتعرف إليها لاحقاً في حال توافر الجهاز. 

حالياً يعتمد ذوو المفقودين على وسائل بدائية وغير مضمونة النتائج، مثل علامات واضحة على الجسد، أو لون الثوب، أو قلادة في العنق، أو خاتم في اليد، وأحياناً من الأوراق الثبوتية التي توجد في جيب الجثة.

دروع بشرية... مفقودة

تقول زهرة الناصر، من سكان بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، إن القهر الذي عاشته بعد اعتقال ولدها على يد «داعش» كان أشبه بـ«الموت على قيد الحياة». 

تتحدث الناصر (45 عاماً) عن الوحشية خلال اعتقال ابنها في بدايات العام 2019، «وبعد اعتقاله بفترة وجيزة تراجع داعش إلى الباغوز الفوقاني، واقتاد معه المعتقلين والرهائن».

بعد طرد التنظيم من هجين أواخر العام 2018 اتجه صوب الحدود السورية-العراقية أقصى شمال شرقي سوريا، وهناك حول المدنيين دروعاً بشرية لحماية نفسه من الهجمات البرية والجوية، كما عمد إلى قتل كل شخص يعصي الأوامر سواء كان رهينة أم مقاتلاً ضمن صفوفه.

يدور الحديث في الباغوز وحدها عن نحو 2900 جثة لمدنيين وعناصر من «داعش» دُفنوا في العديد من المقابر الجماعية

بعد فقدان «داعش» السيطرة في آخر معقل له في الباغوز، بدأت المخاوف تتزايد، وصار واضحاً أن التنظيم على وشك فقدان السيطرة الجغرافية كليّاً، فأقدم على قتل الرهائن كافة وبعض المقاتلين، ودفنهم في الأراضي الزراعية إلى جانب مقاتليه الذين لاقوا حتفهم في المعارك، طبقاً لما توصلت إليه زهرة في عملية البحث.

تقول زهرة: «لن ينقطع أملي في البحث عن فلذة كبدي، ورصد كل مقبرة يُكشف عنها».

مقابر غامضة

يدور الحديث في الباغوز وحدها عن نحو 2900 جثة لمدنيين وعناصر من «داعش»، دُفنوا ضمن مقابر جماعية متوزعة بين الأحياء المأهولة بالسكان، وبجانب إحدى المدارس، ومستوصف البلدة، وبعض الأراضي الزراعية، إضافة إلى تناثر بعض الجثث تحت المباني المدمرة، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

في هذا السياق، يقول عبد الله (اسم مستعار) وهو طبيب شرعي مختص، إن بداية انتشال الجثث من المقابر الجماعية كانت بأدوات بدائية، وبفريق عمل بسيط من طبيب شرعي واحد و12 عاملاً و4 ممرضين عملوا على استخراج 65 جثة من مقابر جماعية داخل الأحياء بلغ عنها الأهالي.

بعد تلك العملية، اتجه ذلك الفريق إلى الباغوز وعملوا على انتشال 465 جثة، وكانت الحفرة الواحدة تحوي ثلاث أو أربع جثث وفقاً للطبيب الذي يؤكد أن كثيراً من المقابر لا تزال مجهولة، وأن آلاف الجثث لم يُكشف عنها إلى الآن. ويضيف: «في الباغوز هناك أربع مقابر جماعية بانتظار الكشف عنها، ولم يستطع فريقنا استكمال العمل بسبب افتقاره المعدات وغياب الدعم من منظمات دولية». 

رحلة الفريق كانت مليئة بالمخاطر نتيجة انتشار الألغام في المنطقة، ومع ذلك يؤكد أفراده أنهم لا يزالون مستعدين لاستكمال العمل في حال قُدم الدعم من المنظمات الإنسانية والدولية.

مطالبات بتحديد المصير

أوائل العام الجاري، أطلقت «مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان» نداء لجمع تمويل بقيمة 400.5 مليون دولار للعام 2022 من أجل ملفات عالمية من ضمنها ملف المفقودين السوريين الذي يشمل أكثر من 100 ألف في عداد المفقودين أو المحتجزين خلال سنوات الحرب. 

يقول إبراهيم الهادي، وهو ناشط حقوقي، إن «عائلات كثيرة فقدت أبناءها خلال الحرب، ومن حق هذه العائلات معرفة مصيرهم وتوفير أبسط الحقوق الإنسانية لهم في حال كانوا أحياء». 

ويضيف: «لا يزال الوضع كما هو بسبب نقص الدعم وعدم الاهتمام بهذا الملف من الجهات العاملة».

بالتوازي، طالبت 128 جهة حقوقيةً ومدنية سورية، بينها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» و«مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا»، في بيانٍ مشترك، بـ«الكشف الفوري عن مصير المفقودين والمغيّبين قسرياً جراء الصراع»، داعيةً إلى حل قضيتهم دون تمييز.

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0