× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الرعب رفيق السوريين في تركيا: الترحيل القسري لا يتوقف

حكاياتنا - خبز 12-09-2023

تتواصل حملات الترحيل القسري التي تشنها السلطات التركية ضد السوريين، في خرق لقانون «الحماية المؤقتة» الذي أقرته أنقرة قبل عشر سنوات، يوم كانت المصالح السياسية التركية تقتضي «احتضان اللاجئين».

الصورة: (مساكن من الطوب أنشأتها تركيا شمالي إدلب تمهيداً لتنفيذ برنامج إعادة اللاجئين)

يخشى أحمد، وهو عشريني يقيم في إسطنبول التركية، مغادرةَ المنزل نهاراً بسبب هاجس الترحيل الذي لا يفارقه في ظل استمرار الحكومة التركية بترحيل آلاف اللاجئين السوريين من تركيا. 

كان أحمد يقيم في شقة سكنية وسط المدينة مع مجموعة من الشبان السوريين الذين رُحّلوا تباعاً إلى إدلب وبقي وحيداً، فانتقل إلى الإقامة في منزل شقيقته ليعيش «متوارياً أو أشبه بالمحتجز»، فيما تتزايد في المدينة «رائحة العنصرية الكريهة» بحسب تعبيره. 

وفي ظل غياب أي أفق لحل ملف اللاجئين السوريين يعيش الآلاف «في قلق دائم خوفاً من أن تحين اللحظة التي يخشاها كل لاجئ سوري، حين يتم احتجازه بشكل تعسفي، ثم اقتياده إلى أقرب مراكز الترحيل» وفقاً لما يضيفه أحمد.

ما ينطبق على أحمد، يسري على كثير من السوريين المقيمين في تركيا، لا سيّما في المدن التي تشهد حملات ترحيل متتالية مثل إسطنبول وأنقرة. تأتي إسطنبول على رأس المدن التي يقطنها السوريون، مع أكثر من نصف مليون لاجئ سوري وفق بيانات وزارة الداخلية التركية، من أصل نحو 3.5 مليون في مختلف المناطق التركية.

تصاعدت خلال الشهرين الأخيرين، الحملات الأمنية التركية لترحيل «المهاجرين غير الشرعيين»، من جنسيات مختلفة، تحتل الجنسية السورية الصدارة بينها. تشير أرقام غير رسمية إلى أن نحو 40 ألف مهاجر غير شرعي من مختلف الجنسيات قد أُلقي القبض عليهم في الحملات الأخيرة، رُحّل نحو نصفهم إلى بلادهم.

«من الشغل إلى البيت»

تنعكس حملات الترحيل التي لا يبدو أنها ستتوقف قريباً بشكل سلبي على الحياة اليومية لكثير من اللاجئين السوريين في تركيا، الذي وجدوا أنفسهم محاصرين بين سلوكيات عدائية عنصرية من ناحية، وبين حملات الأمن التركي لترحيلهم من ناحية أخرى.

يضطر كثرٌ من السوريين الذين يحظون بفرص عمل بالفعل إلى الالتزام بمبدأ «من البيت إلى الشغل ومن الشغل إلى البيت»، كما يقول عبد الحميد وهو سوري ثلاثيني يقيم في إسطنبول، ويدير ورشة لخياطة الملابس الداخلية أسسها منذ ثلاث سنوات.

«نعيش في قلق دائم خوفاً من أن تحين اللحظة التي يخشاها كل لاجئ سوري، حين يتم احتجازه بشكل تعسفي، ثم اقتياده إلى أقرب مراكز الترحيل»

يوضح عبد الحميد أنه ألغى الزيارات الأسبوعية في أوقات العطل إلى معارفه وأصدقائه داخل المدينة، ولم يعد يذهب وأسرته الصغيرة إلى الأماكن العامة والمتنزهات، مكتفياً بالتحرك في نطاق ضيق، بين ورشته ومنزله. 

لا يفارق عبد الحميد القلق من ترحيله «في ليلة ما فيها ضو قمر»، خاصة أنه يعرف العشرات من أمثاله رُحّلوا بلا سابق إنذار، وبدون معرفة عائلاتهم، رغم أن كثراً منهم سبق وأسسوا مشروعات استثمارية صغيرة ومتوسطة في إسطنبول، ليذهب تعب سنوات من العمل المتواصل هباء. 

تشتيت شمل

يتسبب الترحيل التعسفي بتعطيل ما تبقى من الحياة الاجتماعية للسوريين في تركيا، حيث نجح كثير من السوريين في تأسيس بنية اجتماعية بسيطة على مر السنوات السابقة. 

وعلى وقع حملات الترحيل المتكررة، أُبعد كثير من هؤلاء عن أُسرهم، إذ عادة ما تحصل معظم عمليات الترحيل من الشارع، بدون أي فرصة لترتيب أي شيء. 

في ليلة حارة من صيف العام الحالي خرج أبو حسن ليشتري عشاء لأسرته من أحد مطاعم الشاورما التركية، وفي الطريق أوقفته دورية للأمن التركي، ثم اقتيد إلى أحد مراكز الترحيل، ليجد نفسه عند معبر باب الهوى في اليوم التالي. 

يقول أبو حسن: «كانت ليلة مثل الكابوس.. افتقدت زوجتي وأطفالي ولم أذق طعم النوم»، ويضيف «حين وصلت إدلب اتصلت بزوجتي وأخبرتها بما حصل، فنزل الخبر عليها كالصاعقة.. كنا في حيرة وكانت زوجتي خائفة لأنها باتت وحيدة في تركيا».

ولعل أكبر التأثيرات السلبية الناجمة عن الترحيل التعسفي، أو ما تطلق عليه الحكومة التركية «العودة الطوعية»، تلك التي تطاول الجانب المعيشي للسوريين والسوريات، نظراً لأن نسبة كبرى منهم تندرج ضمن فئة العمال، ويعرضهم الاضطرار إلى التوقف المفاجئ عن العمل إلى العيش تحت رحمة الجوع، فضلاً عما يتركه ذلك من تأثيرات حتى على سوريين يقيمون في مناطق سيطرة دمشق.

يعمل أكرم (37 عاماً) في مصنع للتطريز في مدينة بورصة، مقابل راتب شهري يبلغ 13 ألف ليرة تركية (نحو 500 دولار) ويعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد. يدفع 3500 ليرة إيجاراً شهريا للمنزل، ونحو 1500 ليرة مصاريف شهرية أخرى. ويرسل حوالة مالية لا تقل عن 5 آلاف ليرة شهرياً إلى والديه في دمشق. 

يوضح أكرم أن أي إجازة بدون راتب يضطر إلى طلبها، ستُعرض برنامجه المالي للتعثر، وحينها سيضطر للاستدانة. أما في حال توقف عن العمل أو ابتُلي بترحيله إلى سوريا فستنقلب حياته رأساً على عقب، خاصة أن إدلب التي تُشكل وجهةً مرجّحة في حال ترحيله «تعاني من بطالة قاتلة». 

تندرج إقامة النسبة العظمى من السوريين في تركيا تحت قانون «الحماية المؤقتة»، التركي، الذي أقرته أنقرة في العام 2013، ويُفترض أنه يضمن لهم «عدم الإعادة القسرية»، لكن هذا الأمر بات نظريّاً، مع الاستمرار في حملات الترحيل التي تزعم السلطات التركية أنها «عودة طوعية». 

وخلال السنوات الأخيرة تحول ملف السوريين في تركيا إلى ساحة للتجاذب السياسي داخل تركيا، فضلاً عن كونه ورقة إقليمية، ودولية، تغيرت طرق استعمالها بين مرحلة وأخرى تبعاً لتغير المعطيات، ومصالح الحكومات والأنظمة.