× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مرحّلون من تركيا: تعرضنا للضرب والتهديد لتوقيع «العودة الطوعيّة»

حكاياتنا - خبز 26-01-2024

تستمر أنقرة في عمليات ترحيل اللاجئين السوريين نحو الشمال السوري، مع اقتراب الانتخابات البلدية التركية. يعرض هذا التقرير شهادات حصلنا عليها من مرّحلين تعرضوا لمختلف أنواع العنف والتهديد لإرغامهم على توقيع وثيقة «العودة الطوعية»

الصورة من مجموعة صور متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي توثق عمليات الترحيل

لم يكن بلال (28 عاماً) يعلم أن مغادرته الشقة التي يقطنها مع أشقائه في مدينة بورصة تعني مغادرته النهائية لتركيا التي دخلها عبر ممرات التهريب في أيلول 2018. 

بينما كان الرجل قبل مدة متجهاً إلى عمله في مصنع للتطريز على أطراف المدينة أوقفته دورية تركية وطلبت بطاقة الحماية المؤقتة (كملك) الخاصة به، وفي غضون دقائق وجد بلال نفسه داخل سيارة الشرطة، لأنه عجز عن تجديد بطاقته بسبب عوائق تتعلق بتثبيت مكان الإقامة.

من المخفر اقتيد بلال مُقيّداً نحو مركز الهجرة في بورصة، وهناك تعرض لشيء من التعنيف لإجباره على توقيع وثيقة تُسمى «العودة الطوعيّة». اتصل بشقيقه طالباً المال وبعض الملابس، وأخبره ومشيرا باحتمال ترحيله في أي وقت، ثم صودر هاتفه المحمول، وانقطع اتصاله بالعالم الخارجي تماماً، إلى أن رُحّل إلى إدلب عبر معبر باب الهوى الحدودي، بعد أسبوع من توقيفه.

ما عاناه بلال ينطبق على آلاف السوريين الذين رُحّلوا من تركيا نحو الشمال السوري، بإجراءات تعسفية تخالف القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، وتضيف إلى مآسيهم قصصاً جديدة ليست أقل قسوة من ظروف الحرب والاعتقال والإيذاء التي كانوا يتعرضون لها في سوريا.

حصل «صوت سوري» على شهادات من عشر سوريين رُحّلوا من تركيا خلال ثلاثين يوماً (من 10 كانون الأول/ديسمبر إلى 10 كانون الثاني/يناير 2024)، وقد تعرض نصف من تحدثنا إليهم لانتهاكات جسدية ولفظية في أثناء عملية الترحيل. 

كذلك؛ أجمعت الشهادات على تعرض المرحّلين لإجراءات متشابهة، مثل مصادرة الهواتف، وعدم القدرة على التواصل مع أسرهم لمدة تراوح بين أسبوع وأسبوعين، يُجبرون خلالها على توقيع ورقة «العودة الطوعيّة» قسراً.

سيفٌ على رقاب الجميع 

رغم أن السلطات التركية أعلنت أن «حملة الترحيل موجهة ضد المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يمتلكون بطاقة الحماية المؤقتة»، فإن كثراً من حاملي تلك البطاقة احتُجزوا، ورُحّلوا.

في أحد مساجد قرية كفريا بريف إدلب ينام حسن (26 عاماً) منذ أيام، يحاول استيعاب المصير الذي لاقاه، والتفكير بما ينبغي فعله الآن، بعد نحو ثمانية أعوام قضاها في إسطنبول.

يحمل حسن بطاقة إقامة سياحية، ومع ذلك أوقف قبل أقلّ من شهر، وأجبر على توقيع ورقة «العودة الطوعيّة» ليدخل إدلب بعد عشرة أيام من الحجز في مركز الترحيل بغازي عينتاب، قضاها مغيباً عن أسرته وأقاربه في إسطنبول.

تنتهك الإجراءات التركية القانون الدولي، ومبدأ «عدم الإعادة القسرية» الذي يحظر طرد طالبي اللجوء واللاجئين، أو تسليمهم، أو إعادتهم إلى مناطق قد تتعرض فيها حياتهم أو حريتهم أو سلامتهم للخطر

يشرح حسن أنه لا يملك أيّ أقارب من أي درجة في إدلب، فهو من مواليد دمشق وفيها كان يعيش قبل الحرب، وجميع معارفه إما في دمشق أو تركيا. يوضح الرجل أن مبيته المؤقت في المسجد جاء نتيجة عدم عثوره على مسكن للإيجار في ظل أزمة السكن في الشمال السوري المكتظ بالمهجرين من جهة، وبآلاف المرحلين من جهة أخرى.

مرّ سعيد (22 عاماً) بظروف مشابهة لظروف بلال، إذ رُحّل الشاب نحو إدلب منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، برغم حيازته بطاقة الحماية المؤقتة. يروي أن عناصر من الشرطة التركيّة أجبروه على توقيع «وثيقة العودة» بعد ضربه، والصراخ في وجهه، وتهديده بالرمي قرب الجدار الحدودي في حال عدم موافقته على الترحيل.

«سجون» الترحيل

معظم الظروف المتعلقة بعملية الترحيل بالغة السوء: مراكز الترحيل الثلاثة في غازي عينتاب، وأورفة، سجون يوضع المرحلون فيها بالعشرات، بلا عناية صحية أو خدمية أو طعام كاف. تعرض بعض المرحلين ممن رووا قصصهم لـ«صوت سوري» للضرب، وتمزيق الأوراق الثبوتية ومن بينها «الكملك» وجواز السفر.

وغالبا ما يزج بعدد يراوح بين 30 و40 شخصاً في غرفة واحدة، لا تحظى بتهوية جيدة، ولا تتوافر فيها أماكن نوم كافية، وتُحظر فيها الهواتف والمشروبات الساخنة.

يقول أبو إسلام، وهو أحد المرحلين الذين حُولوا إلى سجن أضنة قبل دخولهم سوريا أنه رأى في السجن كل أنواع الضرب والتعنيف، بالتوازي مع تخفيض مستمر في حجم وعدد وجبات الطعام، مع ازدحام الغرفة بأكثر من 30 شخصاً.

بينما تحدث عمار وهو شاهد آخر ذاق ويلات مراكز الترحيل عن إجبار عناصر الشرطة بعضَ المرحلين على الوقوف في ساحة المركز منذ غروب الشمس، وحتى ظهيرة اليوم التالي رغم برودة الطقس.

يبدو جليّاً أن إخضاع المرحّلين لهذه الإجراءات يهدف إلى إجبارهم على طلب العودة إلى سوريا، إذ أكد عدد من المرحلين أنهم رفضوا في البداية التوقيع على ورقة «العودة الطوعيّة» قبل أن يغيّروا موقفهم بسبب الظروف القاسية في مراكز الترحيل، وطول فترة الاحتجاز، وخوفهم مما يمكن أن يتعرضوا له في حال استمروا برفض التوقيع.

ثمة مؤشرات كبيرة على أن التعنيف والأجواء غير الصحية في مراكز الترحيل قد تسببت بوفاة السوري حسن محمد (28 عاماً)، في مركز للترحيل، بعد أسبوع من احتجازه، بينما لم تتلق عائلته أي معلومات من مركز الترحيل عن أسباب وفاته، في حين أفادت بوجود آثار ضرب على جسده، ما دفعها للتوجه إلى منصة حقوق اللاجئين للبدء بإجراءات قانونية.

لا يمكن تعميم هذه الظروف على جميع مراكز الترحيل، فقد أكد ثلاثة من المرحلين العشرة الذين تحدثنا إليهم توافر أسرّة دافئة، وثلاث وجبات يومية من الطعام النظيف في مركز الترحيل، لكن مع حظر استعمال الهواتف، والإجبار على توقيع ورقة العودة.

ما رأي القانون الدولي؟

يُعد قرار إعادة اللاجئين السوريين قسراً «انتهاكاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية، المنصوص عليه في القانون الدولي ولا سيما في اتفاقية اللاجئين للعام 1951 وبروتوكولها للعام 1967 الذي يمثل حجر الزاوية في حماية حقوق طالبي اللجوء واللاجئين، وهو مبدأ عرفي ملزم لجميع الدول بما فيها الدول غير المصادقة على اتفاقية اللاجئين للعام 1951»، وفق ما يشرحه مدير مكتب «رابطة المحامين السوريين الأحرار» في هاتاي عمار عز الدين.

يؤكد عز الدين أن مبدأ عدم الإعادة القسرية «يحظر طرد طالبي اللجوء واللاجئين، أو تسليمهم، أو إعادتهم إلى مناطق قد تتعرض فيها حياتهم أو حريتهم أو سلامتهم للخطر». 

يُعاد جميع المرحّلين إلى مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة لسيطرة كل من «هيئة تحرير الشام»، وقوات «الجيش الوطني» المدعوم من تركيا، و«كل التقارير تؤكد أن تلك المناطق ما زالت غير آمنة، وتُسجَل فيها يومياً انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وبالتالي فإن إصرار الحكومة التركية على ترحيل السوريين إليها يعد انتهاكاً للمبدأ المذكور»، يقول عز الدين، كما يؤكد أن  عمليات الترحيل تضمنت انتهاكات كبيرة مثل الضرب والشتم والإهانة والمعاملة غير الإنسانية خلال فترة الاحتجاز وأثناء عملية الترحيل، فضلاً عن منع المحتجزين من توكيل محامين، والاعتراض على قرارات الترحيل الصادرة ضدهم.

علاوة على ذلك، فـ«عمليات الاحتجاز التي تبدأ غالباً من الطرقات والأماكن العامة، من دون أن يتمكن معظم المرحلين من توديع عائلاتهم أو إنهاء التزاماتهم وأعمالهم، أو الحصول على حقوقهم المالية تُعد من أبرز الانتهاكات التي تضاف إلى الانتهاك الأساسي وهو مخالفة مبدأ عدم الإعادة القسرية».

وتصاعدت وتيرة الترحيل في الشهرين الأخيرين، مع تسريب صور توثّقها، مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية التركية (في آذار 2024)، فيما كشفت تقارير للصحافة التركية عن خطة لإعادة 200 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم خلال العام 2024، وتعمل وزارة الداخلية التركية مع وزارات أخرى لتحقيق هذا الهدف، مركزةً على «الترحيل الفعّال، وإنشاء نظام مناسب للتأشيرات وتصاريح الإقامة».

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0