× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

فلننجب مزيداً من رواة الحلم.. والمقاتلين لأجله

حكاياتنا - ملح 29-03-2024

لطالما فكرت بالأمومة بوصفها مفهوماً مفرغاً من جسدي وإحساسي ورغبتي، فكرت فيه بموضوعية قد يراها البعض قاسية على امرأة في عمري، لكن هذا ما علمتني إياه الحرب: أن أنتقل من فكرة إلى أخرى بتلقائية دون الوقوف طويلاً، فذلك يعرقل حياتنا البطيئة أصلا بفعل الصعوبات اليومية التي تواجهنا نحن النساء

الرسم: (Ali Rastroo - كارتون موفمينت)

طويلاً بحثت عن أسباب الإنجاب في بلداننا، وفهمت العوامل التي تدفعنا له، فنتيجةً لشكل الأنظمة في منطقتنا لا ضمان لحياتنا وشيخوختنا إلا بتكوين عائلة! في سنوات الحرب شهدت على حالات عديدة من الحمل والإنجاب تحت القصف والدمار، وكأنها رسالة واضحة على الإصرار بالبقاء ومدّ الحياة رغماً عن أنف القتلة.

تزوجت في سوريا بعمر الثالثة والعشرين، وظلّ التفكير بالأمومة والإنجاب أمراً لا أعرف ما موقفي منه، فبرغم عشقي للأطفال، كنت قد عرفت الحرب في الرابعة عشرة من عمري وكبرت معها. عشت معظم حياتي مغمورة بالخوف من الموت والفقد، رحت أتأرجح بين مشاعري وبين الواقع الذي أعيشه، تارة أحلم بمد ثوري لأطفال حملوا قصصي وقصصهم، وتارةً أراني يائسةً أود دفن كل ما أحمل وحدي ومعي، وكأنني لم أكن ...

بمرور الزمن لم تفارقني الرغبة في الإنجاب: إنجاب كثير من الحكايات والارتباط بالجذر والأرض والمكان

قرأت في تلك المرحلة من زواجي كتاباً لإيمان مرسال أسمته «عن الأمومة وأشباحها»، تحدثتْ فيه عن كل أمّ نعرفها، وكل أمّ فينا، دخلتْ إلى الصور في كل البيوت، ولاحظتْ غيابنا من أطر الصورة إلا وراءها، أي أننا صنعنا الصور وحملناها وغبنا عنها أيضاً، لكن أكثر ما أضاء ذهني كلامها عن الذنب المشترك بين جميع الأمهات حتى اللواتي لم ينجبن بعد! تقول الكاتبة إن السلطات الكثيرة والمتقاطعة المتمثلة في كل شيء نلحظه نحن النساء من حولنا، تخلق فينا ذنباً بكل الأحوال والاختيارات، وهذا ما شعرت به بالضبط: الذنب إن أنجبت في زمن حربيّ بامتياز، والذنب في حال تخليت عن الفكرة ورويت حكاياتي في كل مكان إلا لأطفالي!

بعد خروجي من سوريا أدركت أنني عشت وتعايشت مع الموت بطرق جنونية، لم ألحظ إلى أي حد لم أفكر في الموت حتى خرجت من احتمالاته المتعلقة بشكل مباشر بالحرب، هنا في بيروت بدأت ذكريات الحرب تسيل دماً ودمعاً، وتوصلت إلى قناعة أنني أحتاج أعماراً كثيرة فقط لأبكي.

بمرور الزمن لم تفارقني الرغبة في الإنجاب: إنجاب كثير من الحكايات والارتباط بالجذر والأرض والمكان. بدا هذا واضحاً بعد الحرب «الإسرائيلية» على غزة، واجهت الموت مرةً أخرى من بعيد، لوحدي مثل كثيرات، وعدت مدركةً أن الموت قريب وواضح وسريع، وأنه محيط بنا، صرت أراه في كل شيء، وعند كل مجزرة في غزة صرت راغبة في الإنجاب أكثر، وكأن الحياة كلها متعلقة بإنجاب مزيدٍ منّا، من رواة الحلم والمقاتلين لأجله.